نساء في العمل ورجال في البيت.. تبادل للأدوار وانقلاب على العادات

  • 2014/07/13
  • 1:33 ص

جودي سلام – بيروت

أسفر لجوء بعض العائلات السورية خارج البلاد إلى تغيرٍ في المفاهيم والعادات التي تعارف عليها الشعب السوري، وأبرزها عمل الرجل وتأمينه للمعيشة والأعباء المادية، في الوقت الذي تبقى الزوجة دون عمل للاهتمام بالأطفال والأمور المنزلية؛ إلا أن هذا المفهوم شهد خرقًا واضحًا لدى اللاجئين، إذ اضطرت النساء للعمل سعيًا لتأمين المصاريف وأجرة المنزل، في الوقت الذي يواجه فيه الزوج صعوبات في إيجاد عملٍ من جهة، وتحديات في التأقلم مع الواقع الجديد من جهة أخرى.

عنب بلدي تستعرض في هذا التقرير حالات لأسر لاجئة في البقاع اللبناني اضطرت المرأة فيها للعمل، وتدرس تأثير هذا الخرق لعادات الأسرة على توازن الأدوار والحالة النفسية للطرفين.

تبادل الأدوار

تنحدر السيدة أم محمد من عائلة مرموقة في ريف دمشق، وهي متزوجة ولديها 6 أطفال أكبرهم في الجامعة، تعمل اليوم «مستخدمة» في مدرسة، رغم أنها حاصلة على شهادة ثانوية، تقول لعنب بلدي «أنا أعمل كل يوم لأتمكن من دفع أجرة المنزل ومصاريف الطعام والشراب، بينما لم يجد زوجي حتى الآن فرصة عمل، وهذا ما يجعله مكتئبًا دائمًا، فهو لم يعتد أن يجلس في المنزل وأن يطلب مني النقود».

وأضافت أم محمد «أنا حريصة جدًا في أي كلمة أقولها أمام زوجي، لأنه أصبح كثير الحساسية بسبب شعوره بالنقص»، مكررة على الدوام عبارات ترفع من معنوياته «ما بالك يا أبا محمد، عملت لمدة 30 سنة، ولم تتركنا نحتاج أحدًا، وقد جاء دوري لأساعدك قليلًا… أنا سعيدة بأنني أقدم المساعدة».

لكنها أشارت إلى أن أهل زوجها، وهم من مدينة بنش في ريف إدلب، لا يتقبلون عملها وقد سببوا لها الكثير من الإزعاج بكلامهم «ليس لدينا نساء تعمل في بنش»، بينما ترد «أعطونا مالًا لندفع أجرة المنزل ولن أخرج للعمل بعدها».

أما أم عماد، من مدينة دوما في ريف دمشق، وتبلغ من العمر 38 عامًا ولديها 3 أطفال، فتعمل في معمل للخياطة بأجر قليل «أعمل منذ قدمت إلى لبنان وأتقاضى راتبًا زهيدًا لكنه يبقى أفضل من لا شيء»، لكنها تواجه تحديًا من نوع آخر مع زوجها، إذ تقول «زوجي الذي كان يحرمني الخروج من المنزل في دوما، يراني اليوم أخرج كل يوم أغلق الباب ورائي، ليبقى مع الأطفال ويرعاهم ريثما أعود… أنا واثقة بأن زوجي غير مرتاح ويشك بأي شخص أتعامل معه في عملي»، مشيرةً إلى أن ذلك أثر في نفسية الزوج الذي «أصبح عصبيًا للغاية وتبدلت طباعه منذ قدمنا إلى لبنان؛ إنه يبحث يوميًا عن عمل لكن دون جدوى».

  • استغلال وضغوط

وقد صادفت عنب بلدي بعض الحالات التي انقلب فيها الحال إلى تسلط الزوج على الزوجة العاملة، كحال أم أسامة التي تعمل في معمل للكونسروة بينما لم يجد زوجها عملًا، وقد «اعتاد على الكسل، وأصبح يحملني كل تكاليف المنزل المادية» كما تقول، بل تعدى الأمر ذلك إذ «كان زوجي يدخن علبة واحدة في اليوم، لكنه الآن أصبح يدخن علبتين ويطالبني بالمال ليشتري الدخان»، كما أنه «لم يعد مهتمًا للبحث عن عمل راميًا كل المسؤولية علي، حتى في الأمور التي لا تحتاج للمال كالسعي لتسجيل أطفالنا في المدارس».

وفي ذات السياق تقول هدى، وهي متزوجة لكنها لم ترزق بأطفال بعد، «فوق صعوبة العمل ومشقته والضغوط التي أتعرض لها في معمل الخياطة، يؤنبني زوجي وكأني مذنبة لأنني أعمل».

أما أم سامر فزوجها معتقل وهي تعمل لإعالة أطفالها، لكنها تواجه معاناة مع ابنها سامر البالغ من العمر 12 عامًا الذي «نشأت عنده فكرة أنني أنا من يجب أن أعمل، وبات كسولًا لا يكترث بأعباء المنزل، وهذا سيضر بشخصيته عندما يكبر».

التشاركية هي الهدف

وفي لقاء مع السيدة نور، المديرة التنفيذية لمركز «النساء الآن» في شتورا، الذي يهتم بتمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا، أشارت إلى أن الآثار الجانبية لعمل المرأة دون الرجل، تتمثل في اتجاهين «أن تستغل من قبل الزوج، أو أن تصبح متمردة على عائلتها ولا تراعي ظروف زوجها الذي لم يتمكن من العمل»، مؤكدة أن الاتجاهين يسببان في مشاكل أكبر تهدد الحياة الزوجية.

وأضافت نور أن الهدف من عمل المرأة هو الوصول إلى «حالة تشاركية من المسؤوليات، خصوصًا في ظل الظروف الصعبة للاجئين السوريين، التي لا يستطيع الرجل تحملها لوحده»، كما أن المرأة بعملها تلعب دورًا في الحياة الاقتصادية، «وتساهم بتنمية المجتمع والرقي به».

وترى نور أن «توضيح ظروف العمل والدوام منذ البداية يمكن أن يخفف من حدة التوتر بين الجانبين»، بينما يشكل «الحكم المسبق من أحد الطرفين أبرز الضغوط الواجب تجاوزها، كأن يعتقد الزوج بأن زوجته تعمل لتستقل عنه ماديًا وبالتالي عدم الانصياع لأوامره، أو أن تعتقد المرأة بدورها أنها ظلمت حين اضطرت للعمل… «.

بينما تفسر أسماء الأخصائية في علم النفس الحالة النفسية للرجل بـ «تراجع دور الزوج أصدر ردود فعل عنيفة تجاه زوجته، بسبب فقدانه امتيازاته وزعزعتها، وذلك للتنفيس عن إحباطه»، وعلى الرغم من تبدل الأدوار إلا أن «بعض التقاليد والعادات لازالت على حالها، فالمرأة مطالبة مع عملها الخارجي بتدبير أمور المنزل، وعليها تحمل نظرة المجتمع لها كامرأة كسرت القيود.. وخرجت من المطبخ !».

وأضافت أسماء أن عمل المرأة «لم يكن يومًا عيبًا ولا انتقاصًا منها، بل على العكس فدورها أسهم في التخفيف من أعباء الأسرة، لكن طريقة تفكير الزوج والمجتمع باعتبارها شخصًا تابعًا ليس لها دور في المجتمع، أدى إلى خلق المشاكل بين الطرفين».

نظرة المجتمع

بدوره لا يرفض حامد، مدرس اللغة العربية، عمل المرأة وإدخال هذه الثقافة إلى المجتمع، مستفسرًا حول «مقدرة نسائنا على مواجهة هذا الانفتاح المفاجئ دون ارتكاب الأخطاء»، مردفًا «اختلاف ثقافة الشعب اللبناني عن الشعب السوري كبيرة جدًا، والكثير من النساء لن تستطعن استيعاب هذه الاختلافات».

بينما لم يقبل عامر وهو شاب في العشرينيات بعمل المرأة، وتساءل «لماذا تجد النساء فرص عمل أكثر من الرجال في لبنان؟»، عازيًا الأمر إلى سببين «إما لأن أجور النساء منخفضة، أو لأن صاحب العمل يتمتع بوجود نساء يعملن لديه»، الأمر الذي «يثير غيرتنا، لكننا نقف عاجزين وخائفين على نسائنا من العمل خارجًا».

وتعتبر مريم، وهي طالبة جامعية وتعمل في تدريس السوريين في لبنان، أن «عمل المرأة أمر عادي في الظروف الطبيعية ولا داعي للخوض فيه»، لكن الجديد اليوم هو بقاء الرجل دون عمل وقد «بدأ الأمر ينتشر بسرعة، لكن مجتمعنا لن يتقبل بقاء الرجل دون عمل؛ حتى من المرأة العاملة ذاتها».

وفي تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بداية تموز الجاري، حمل عنوان «نساء بمفردهن.. صراع اللاجئات السوريات من أجل البقاء»، كشف عن أن «أكثر من 145 ألف عائلة سورية لاجئة في مصر ولبنان والعراق والأردن ترأسها نساء يخضن بمفردهن كفاحًا من أجل البقاء على قيد الحياة»، وأظهر التقرير أن عائلة من أصل 4 عائلات سورية لاجئة إلى لبنان، تعمل فيها المرأة لتعيلها.

وبين ضغوط العمل والأسرة، تشق المرأة السورية طريقها لتكون منتجة ومعيلة لأسرتها مانعة إياها من الانهيار وسط حالة مادية متردية أنتجتها الحرب، لتضع بذلك خطوة لها في بناء المجتمع والاشتراك بصناعة قراراته.

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق