عنب بلدي – رودي طحلو
لا تقتصر خسائر الحرب في سوريا على الدمار وخراب الأبنية السكنية والبنى التحتية، بل تتعدى ذلك إلى ترك آثار نفسية بالغة الخطورة في نفوس الأطفال، خاصة الذين يعيشون في دوامة أحداث العنف اليومية، إذ تبقى الذكريات معهم وتسبب لهم الخوف وفقدان الشعور بالأمان.
بحسب منظمة “أنقذوا الطفولة” في تقرير لها، في آذار الماضي، أكدت أن الحرب زادت خطر الانتحار وأمراض القلب والسكري والاكتئاب لدى الأطفال، وتعاطي المخدرات على المدى الطويل.
وقالت المنظمة الدولية إن أعراض اضطراب شديد في المشاعر ظهرت على بعض الأطفال، يعرف بـ “الضغط النفسي السام”، والذي قد تدوم آثاره على صحة الأطفال النفسية والجسدية مدى الحياة.
زيادة الكراهية لدى الأطفال
لكن البارز في أثار الحرب هو التغير الذي طال سلوك الأطفال، وانتشار ثقافة الكراهية والحقد لديهم بشكل كبير، بحسب الباحثة الاجتماعية نجاح محمد، التي أرجعت السبب، في حديثها إلى عنب بلدي، إلى عدة أمور، منها “مشاهد الموت والدمار التي يراها في وسائل الإعلام أو التعرض لتلك المشاهد مباشرة، وظروف الحرب القاسية من قتل ونزوح وجوع، وفقدان أحد أفراد العائلة، وتعرض الكثير من الأطفال للاستغلال الجنسي نتيجة اضطرارهم للعمل، نظرًا للظروف السيئة التي يعيشونها، وتعرضهم للضرب والإهانة من أرباب عملهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم، سواء من تعليم أو عيش حياة آمنة”، كل ذلك أسهم في انتشار الحقد لديهم.
في حين أكدت المتطوعة بقسم الطفولة في مركز سمارت، وفاء إبراهيم، ازدياد السلوك العدواني لدى الأطفال في المؤسسات التعليمية، وطغيان العنف على تصرفاتهم وتعاطيهم مع أقرانهم، حتى تحولت ألعابهم إلى لعبة الحرب، وأضحى المسدس البلاستيكي صديقهم المفضل، مع زيادة سلوكهم التخريبي وتكسيرهم لأثاث المدرسة.
وأرجعت إبراهيم زيادة السلوكيات العدوانية فيما بينهم إلى الحرب وآثارها، مشيرة إلى زيادة الكراهية بين الأطفال وخاصة بين الطوائف المختلفة، نتيجة تعامل الأهل بهذه الثقافة، إذ إنه كما يرث الأطفال ثقافة أهلهم وتقاليدهم، يتشربون أحقادهم وكراهيتهم للآخر، مع التأثير السلبي الذي يمارسه الأعلام ووسائل التواصل في نشر هذه الثقافة.
هل من حلول ؟
تقرير المنظمة الدولية اعتبر أن الطريقة الوحيدة للبدء بإبطال الضرر اللاحق بالأطفال في سوريا هي وضع حد للسبب الجذري لضيقهم، أي إيقاف العنف المستمر والقصف.
من جهتها أشارت الباحثة الاجتماعية، نجاح محمد، إلى وجوب اتباع خطوات للتقليل من الآثار، منها إبعاد الأطفال قدر الإمكان عن المؤثرات التي تزرع بذور الكراهية، وغرس قيم السلام والتسامح، وحمايتهم من الاستغلال وتوفير ملجأ آمن لهم وتوفير متطلباتهم وإعادة تأهيلهم وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة، إضافة إلى مراقبة الطفل وسلوكياته والأقران الذين يخالطهم، وتجنيبه التعرض للضغوط المحيطة قدر الإمكان، والتعامل مع الجمعيات والمنظمات التي تعمل في مجالات حماية الطفل من أجل مساعدته على الاندماج في المجتمع بإيجابية، من خلال الأنشطة والبرامج التوعوية التي توسع مدارك الطفل لحماية نفسه.
في حين دعت إبراهيم إلى نشر ثقافة التسامح والمحبة بين الأطفال عن طريق تفعيل دور الأهل وتوعيتهم في تعديل سلوك الأطفال، على اعتبار أن لهذه العوامل الدور الأكبر في شخصية الطفل، إضافة إلى القيام بحملات توعية للأهل والأطفال عن أهمية التسامح، وتوجيه هذه الحملات إلى الأطفال في المدارس بغرض تعديل السلوك العدواني لديهم، وإشراكهم في نشاطات جماعية تعزز المحبة والتعاون بينهم.