ماذا وراء الوساطة المصرية في سوريا؟

  • 2017/10/29
  • 2:10 ص

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يصافح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (انترنت)

عنب بلديضياء عودة

شهدت أروقة المفاوضات السورية زخمًا سياسيًا مصريًا، تجلى برعاية اتفاقيات “تخفيف التوتر” في عدة مناطق، كان أولها في الغوطة الشرقية، وتبعها الريف الشمالي لحمص وصولًا إلى مدن وبلدات جنوبي دمشق.

 اتخذ الرئيس السابق، محمد مرسي موقفًا مؤيدًا للمعارضة السورية، وهاجم الأسد وقرر قطع العلاقات معه، وهو ما خالف التوجه الذي سار عليه الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، والذي دعم بتصريحاته النظام و”الجيش السوري” ضد ما وصفه بـ”العناصر المتطرفة”.

وجاء هذا الدور السياسي بعد ست سنوات من “الحياد” والبعد عن الاصطفاف في المسألة السورية، على خلفية التخبط الداخلي في مصر، منذ ثورة “25 يناير”، وما رافقها من حكم الإخوان المسلمين، وصولًا إلى انقلاب السيسي وتقلده الحكم بشكل كامل.

تساؤلات عدة طرحت عن الأسباب التي استدعت للانخراط المصري في سوريا، والأهداف التي تقف وراء هذا التطور، فبينما عزاه البعض إلى موقف مصر المحايد من الأطراف المتصارعة في سوريا سواء المعارضة أو النظام، وجد آخرون فيه نية الحكومة المصرية إلى فرض نفسها داخليًا بداية، وإعادة دور مصر الريادي في الشرق الأوسط.

في حين اعتبر طرف ثالث أن الدخول المصري الحالي في سوريا بمثابة “يد” روسية تحاول تشتيت المرجعية الواحدة للفصائل “الثورية”، وتسعى إلى بعثرة الثوابت السياسية التي تطرحها المعارضة السورية.

انخراط ذو هدفين.. داخلي وخارجي

وضعت القاهرة قدمها بشكل فعلي، إلى جانب الدول الفاعلة في الأزمة السورية، وربما توضح الأيام المقبلة الهدف الحقيقي من تصاعد دورها في الملف السوري.

وبحسب رؤية الكاتب الصحفي المصري، أحمد الشرقاوي، فإنه مهما كانت أسباب تدخل النظام المصري في الشأن السوري، فإنها “لن تكون لمصلحة الثورة السورية بأي شكل من الأشكال، وهي حقيقة مبدئية أولية”.

وقال لعنب بلدي إن الخطوات المصرية تأتي لتحقيق مجموعة أهداف، إذ ستمنح على المستوى الداخلي قدرًا من القوة باعتباره “نظامًا قويًا يقوم بدور خارجي، وهي رسالة يحرص توجيهها إلى المؤيدين خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في العام 2018”.

أما على المستوى الخارجي والإقليمي، تقوم مصر بدور “وظيفي” لتمثيل مصالح قوى ودول أخرى أهمها إسرائيل.

وبالعودة إلى التصريحات السابقة لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، الذي قال إن دور مصر يكمن في دعم توحيد المعارضة السورية واستمرار الحوار عبر جميع القنوات، بما في ذلك الحكومة في دمشق، من أجل إجراء مفاوضات تحت رعاية ممثلي الأمم المتحدة ومع الالتزام بعملية جنيف.

وأضاف أن القاهرة تدعم تسوية “الأزمة السورية” المستمرة منذ العام 2011 على أساس مفاوضات تشمل جميع الأطراف، بما في ذلك حكومة البلاد.

واعتبر الشرقاوي أن إعلان السيسي تأييده لبشار الأسد وجيشه يجعله في صراع و”خصم أصيل” لكل الأطراف التي تناهض الأسد والنظام السوري.

ورأى أن “إسرائيل التي لا تستطيع المشاركة عبر ممثليها المباشرين في الملف السوري، تستخدم على الأرجح الطرف المصري بمساندة ودعم من السعوديين والإماراتيين لتمثيل مصالحها والحفاظ عليها عبر انخراطهم المباشر في المفاوضات أو رعاية مصالحة بين الأطراف المتناحرة على المشهد السوري”.

ويتقاطع حديث الشرقاوي مع رؤية الكاتب اللبناني وليد شقير، الذي ربط، في مقالة سابقة بصحيفة “الحياة”، دخول القاهرة في الحل السوري، بالتحالف الوثيق مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، في وجه كل من إيران وقطر وتركيا.

واعتبر أن القاهرة تطمح سياسيًا إلى نقل الحريق السوري من أروقة الدبلوماسية الدولية إلى الجامعة العربية.

رؤية سوريّة متضاربة

انضمت الغوطة الشرقية في آب الماضي، على مرحلتين لاتفاق “تخفيف التوتر” بعد مباحثات متفرقة بين روسيا وفصيلي “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن”، ولعبت مصر دورًا رئيسيًا كطرف وسيط.

أدرج الريف الشمالي لحمص ضمن “تخفيف التوتر” برعاية مصرية، في آب الماضي، وأعطى الجانب الروسي تعهدات في بحث ملف المعتقلين، وفك الحصار عن المنطقة.

مدن جنوبي دمشق انضمت، في 12 تشرين الأول، ضمن “تخفيف التوتر” برعاية مصرية، وتم الاتفاق على فتح المعابر ورفض التهجير القسري وفتح المجال لأي فصيل للانضمام.

على الجانب السوري ماتزال الرعاية المصرية للمفاوضات السورية “غامضة” وغير واضحة المعالم، وسط تضارب رؤى ومواقف المعارضة السورية منها، على خلاف النظام الذي يبدي “ارتياحًا” استنادًا على الموقف السياسي المؤيد له من قبل السيسي.

وكان أحمد الجربا رئيس “تيار الغد السوري”، المُؤسَس في مصر، قال خلال مؤتمر صحفي في القاهرة، في 5 آب الماضي، إن اختيار مصر لم يأت ترضية أو لمصلحة ضيقة، بل كان نتيجة طبيعية وضرورية، أهمها غياب الصراع بين مصر وأي فصيل سوري فاعل في مناطق الاتفاقات.

ولفت إلى “علاقة الثقة المتينة” بين مصر وروسيا، إضافةً إلى أن مصر لم تتجاوز في أي تفصيل حدود الوساطة والرعاية.

عضو “منصة القاهرة” في المعارضة السورية، عبد السلام النجيب، قال إن “المصريين برأيهم أنهم الدولة التي لم تشارك بسفك الدم السوري من كل الجهات، وتحرص أن يكون تدخلها للسلام ووقف القتال، والمحافظة على وحدة سوريا من المنظور القومي”.

وأضاف النجيب لعنب بلدي أن مصر دولة إقليمية إضافة لتركيا وإيران، ومن حقها أن تأخذ موقعها بينهم في المنطقة.

وكان محللون دلّلوا على دخول مصر في عمق الملف السوري، باعتبار أن سوريا حائط الصد الأمامي للأمن القومي المصري.

واعتبرها البعض رسالة واضحة من روسيا إلى كل من طهران وأنقرة، مفادها أنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة بما يناسب أجندتها وليس أجندة كل منهما.

وبوجهة نظر النجيب فإن مصر سيكون لها دور رئيسي في مجريات مؤتمر “الرياض 2” لتوحيد المعارضة والوفد المفاوض الواحد.

أما على المستوى الإقليمي اعتبر عضو المنصة أن “الدول الخليجية تقتضي دعم مصر بحكم جيشها المتقدم في المنطقة للوقوف بوجه إيران المهدد لأمن الخليج والمنطقة عمومًا”.

من جانب آخر اختلفت رؤية مستشار “الهيئة العليا للتفاوض”، يحيى العريضي، حول الدور المصري في سوريا عن حديث النجيب، إذ اعتبره “رغبة روسية” لكي يكون مراقبًا، بحكم أن روسيا وقعت الاتفاقية في الفترة الماضية على الأراضي المصرية.

وقال لعنب بلدي إن الاتفاقيات حتى الآن ليست سارية المفعول، وتوجد مجموعات في ريف حمص الشمالي تريد أن تكون اتفاقيات “تخفيف التوتر” تحت غطاء محادثات “أستانة”، والحال ذاته جنوبي دمشق.

ورأى العريضي أن الانخراط المصري هو “محاولات روسية لبعثرة الجمهور أمام أكثر من جهة، بحيث لا يبقى للفصائل الثورية في أستانة أي دور في التصرف، ويتم القضاء على مرجعيتها الواحدة”.

وتعتبر روسيا “مستعمرًا” يقوم باللعب في الملف السوري، بحسب العريضي، الذي أشار إلى أن “مصر جاهزة لأن تبحث عن دور لنفسها، رغم أنها لم تكن واضحة المعالم من منظومة الاستبداد في سوريا”.

بوابة النفوذ الروسي

كبير مفاوضي وفد المعارضة إلى جنيف، محمد صبرا، قال إن الدور المصري في الملف السوري حتى اللحظة يأتي من بوابة النفوذ الروسي مع قبوله بالمعطيات الإيرانية.

وأضاف أن هذه العملية تصب في خانة بقاء المنطقة ضمن “صدع كبير” من عدم الاستقرار بسبب غياب المشروع العربي الذي يفترض أن يقابل المشروع الإيراني.

وكانت المنطقة تعيش في استقرار نسبي بسبب شبكة الأمان الإقليمي التي كانت تضبط إيقاعها العلاقات بين سوريا والسعودية ومصر، والتي تعرضت للاهتزاز العنيف باحتلال بغداد عام 2003 وانهارت بالكامل مع اغتيال رفيق الحريري في عام 2005 من قبل النظام السوري، وبالتحالف مع إيران و”حزب الله”.

وأوضح صبرا أن “هذا الحدث كان تعبيرًا عن انزياح كامل لنظام بشار باتجاه وضع سوريا تحت تصرف إيران، وتعيش المنطقة منذ ذلك الحين حالة فراغ استراتيجي استغلته كل من روسيا وإيران بملء هذا الفراغ”.

وتمنى كبير المفاضين عودة مصر لممارسة دورها على الصعيد الإقليمي، إلا أن هذه العملية تتطلب مقاربة الحدث السوري من زاوية استراتيجية بعيدًا عن “النظرة الضيقة المتمثلة بصراع الحكومة المصرية مع جماعات الإسلام السياسي”.

ورحب بالدور المصري إذا كان ضمن سياق “مشروع مشرقي عربي” لبناء شبكة أمان إقليمي تنهي التمدد الإيراني وتحد من النفوذ الروسي.

منصة القاهرة: الدور طبيبعي

لكن عضو “منصة القاهرة”، فراس الخالدي كان له وجهة نظر مغايرة، إذا اعتبر أن دخول مصر هو “نتاج طبيعي في معركة الدفاع عن سوريا وعن بعدها القومي، وهي تريد أن تكون شريكًا في الحل بشكل دائم”.

وأوضح لعنب بلدي أن مؤتمري القاهرة (1، 2) عام 2015 رعتهما مصر دون أي تدخل منها أو محاولة التأثير، وكانت الوحيدة التي قالت حينها “نحن معكم على ما تتفقون، وخرجت خارطة طريق كان فيها بند واضح لا مكان لمنظومة الحكم ورئاستها في مستقبل سوريا”.

أما عن تدخلها في رعاية مفاوضات “تخفيف التوتر”، فاعتبر الخالدي أن هذه العملية مطلب واضح من الجميع (…) عندما كنّا نقول إن ظهرنا مكشوف في أستانة، ونحن بحاجة لأطراف عربية داعمة وضامنة”.

وتنحصر الأسباب التي أدت إلى تعاظم الدور المصري مؤخرًا في تحييد الملف الإنساني، أي منح الشعب السوري فترة من الراحة بشكل يسمح للعملية السياسية أن تتحرك، بحسب الخالدي.

ولم يدحض التحليلات التي أدرجت مصر ضمن محور عربي تقوده السعودية والإمارات، موضحًا أن “وجود الدور المصري لم يأت من فراغ، بل بالتنسيق مع السعودية والإمارات وكل الدول العربية، لأنه دور عربي يمثل جميع المناطق العربية”.

ورأى أن مصر ستتحول في الأيام المقبلة من دور راع إلى ضامن وعراب للحل، وذي أهمية أكبر مما هو عليه حاليًا.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا