الطقوس الرمضانية الدمشقية مهددة بالانقراض
عنب بلدي ــ العدد 125 ـ الأحد 13/7/2014
تميزت العاصمة دمشق بطقوسها الرمضانية عن غيرها من المدن والعواصم العربية، فلرمضان حكاية كتبت بالتآلف والرحمة بين سكّان أحيائها الشعبية على مدى عقودٍ من الزمن، إلّا أن الظروف المعيشية والأوضاع الأمنية المحيطة بقاطني العاصمة في رمضان 2014، غيّرت وأغفلت بعضها، بينما بقيت نفحات رمضان مرسومة أحيانًا أخرى.
كانت معظم حارات دمشق في الساعتين الأخيرتين من الليل تضج بصوت طبلة «المسحراتي» وترانيم صوته الهاتفة ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية «قوموا على سحوركم رمضان إجا يزوركم… اصحَ يا نايم وحد الدايم” محاولًا إيقاظ الأهالي ليتناولوا «سحورهم».
لكن عمل «المسحراتي» بدأ يصعب مع تردي الأوضاع الأمنية في دمشق، حتى غدت بعض مناطق العاصمة وشوارعها خاليةً من المسحراتي في رمضان الرّابع الذي يمر على سوريا منذ انطلاقة الثورة.
«أبو عمار» أحد ساكني حي المزة، قال إنه يفتقد لصوت المسحراتي الذي أطلق عليه لقب «أبو طبلة»، بعد غيابه عن أداء عمله على غرار الرمضانات السابقة من كل عام، وقد امتنع غيره عن القيام بواجبه «خوفًا من الاعتقال على أحد الحواجز المنتشرة في المنطقة»، وأضاف أبو عمار أنّ «السحور أصبح بلا نكهة بدون طبلة المسحر».
أما “مدفع رمضان” فهو تقليدٌ شعبيٌّ آخر، يُستخدم منذ ألف عامٍ تقريبًا للإعلان عن موعد الإفطار، حيث يقوم جيش البلد بإطلاق قذيفةٍ مدفعيةٍ صوتيةٍ لحظة مغيب الشمس معلنًا بداية وقت الإفطار، وقد تواردت العادة في البلاد العربية إلى وقتنا هذا.
لكن الصائم في دمشق اليوم لا يميّز مدفع الإفطار عن غيره، بسبب القذائف التي تطلقها قوات الأسد من مدفعية الفرقة الرابعة والدبابات التي تفصل دمشق عن محيطها في الريف.
أبو إبراهيم، الذي يقطن في تنظيم كفرسوسة، أشار إلى ارتفاع وتيرة القصف أثناء الإفطار «أسمع صوت قصف وقت الفطور وأرى الدخان يتصاعد من مدينة القدم وما حولها»، مشيرًا أنّ الاستمرار بالقصف «محا اللمسة التي يضفيها مدفع رمضان».
وأردف معبرًا عن حرقته «الذي يسمع صوت قصفٍ نهايته تشتيت عائلة بين يتيم وشهيد عند موعد الفطور، لن يتذكر مدفع رمضان، إنّما ينهمر بالدعاء على الظالمين».
بينما ما زالت اللمسة الشامية الرمضانية في طبق «السكبة»، الذي تتبادله الأسر قبل الإفطار، “تضفي شيئًا من الرحمة والتآلف” بين الجيران، وبين أهالي دمشق والنازحين من أهالي الريف جرّاء المعارك الدائرة في بلداتهم، بحسب عفاف، التي تقطن شارع بغداد، وتشارك بمبادرة تطوعية للطبخ وإرسال “السكبات” إلى العائلات المحتاجة.
وتشير عفاف إلى أن العادة مستمرة رغم الحالة المادية السيئة لدى البعض “نسكب لجيراننا مما توفر على مائدتنا”، كاشفة عن ردة فعل العائلات الفقيرة أو النازحة «تبدو الفرحة عليهم لإحساسهم بوقوفنا إلى جانبهم في رمضان، ويدعون لنا بالخير دعوات تخرج من قلوبهم عند طرق أبوابهم».
يذكر أنّ رمضان الجاري هو الرابع الذي يمر على سوريا خلال الصّراع، بالتزامن مع وجود آلاف المعتقلين في سجون الأسد ممن طالبوا بالحرية، تفتقدهم عائلاتهم كل يومٍ على مائدة الإفطار، بينما يختلط إفطار السوريين بدماء إخوتهم الذين “يتناولون إفطارهم في الجنة” بحسب التعبير السائد في المناطق المهددة بالقصف.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :