د. أكرم خولاني
يولد بعض الأطفال ولديهم تشوهات خلقية، وحين تكون هذه التشوهات ظاهرة للعيان فإنها تسبب ألمًا نفسيًا وحرجًا اجتماعيًا للمريض إن لم يتم إصلاحها، وأحد أشيع هذه التشوهات هو انشقاق الشفة العلوية (شفة الأرنب) وانشقاق سقف الفم (الحنك)، ومن السهل علاج هذا التشوه جراحيًا بنسبة نجاح عالية جدًا إذا تمت العملية خلال السنوات الأولى من الطفولة.
ما المقصود بانشقاق الشفة وانشقاق شراع الحنك
انشقاق الشفة (شقة الأرنب) هو تفرق اتصال بين طرفي الشفة العلوية يتظاهر كفتحة ضيقة في جلد الشفة العلوية، ويمتد هذا التفرق عادة ليشمل عظم الفك العلوي وقد يشمل اللثة العلوية.
أما انشقاق شراع الحنك فهو عدم التحام في سقف الفم، ويبدأ عادة في القسم اللين الخلفي لسقف الفم المسمى بالحنك الرخو، وقد يمتد ليشمل القسم الأمامي العظمي المسمى بالحنك الصلب.
ويعتبر انشقاق الشفة وانشقاق شراع الحنك أحد أنواع التشوهات الخلقية الناجمة عن النمو غير الطبيعي في وجه الطفل أثناء فترة الحمل، وقد يحدث هذا التشوه في أحد جانبي الفم (أحادي الجانب) أو في كليهما (ثنائي الجانب)، وقد يترافق انشقاق الشفة وانشقاق الحنك مع بعضهما، وقد يحدث أحدهما دون الآخر.
وتبلغ نسبة حدوث هذا التشوه 1 من كل 700 مولود، وترتفع النسبة إلى 7 من كل 700 مولود إذا كان أحد الأبوين مصابًا بانشقاق الشفة أو انشقاق شراع الحنك، ويحدث تشوه انشقاق الشفة عند الإناث ضعف الذكور سواء ترافق مع انشقاق شراع الحنك أم لم يترافق معه، بينما يحدث انشقاق الحنك دون انشقاق الشقة عند الذكور ضعف الإناث عادة.
ما أسباب حدوث انشقاق الشفة وانشقاق الحنك؟
في معظم الحالات يكون السبب غير معروف، ولكن يعتقد أن هذا التشوه يحدث نتيجة لمزيج من العوامل الوراثية والبيئية.
بالنسبة للعوامل الوراثية فقد تم تحديد العديد من المورثات التي تسهم في وجود حالة الشفة المشقوقة أو الحنك المشقوق مصاحبة لأعراض أخرى ضمن متلازمات مرضية، أما المورثات المسؤولة عن حدوث هذا التشوه بشكل منفرد ماتزال غير معروفة، إلا أنه يتكرر في بعض العائلات أكثر من غيرها.
أما العوامل البيئية فتشمل تناول الأم لبعض الأدوية خلال فترة الحمل مثل أدوية الصرع، والأدوية التي تعالج حب الشباب وتحتوي على مادة (اكوتاني)، والميثوتركسات، ومركبات النترات، أو تعرض الحامل للمبيدات أو الرصاص أو استخدامها السجائر أو الكحول أو المخدرات، كما أن انشقاق الشفة والحنك قد يحدث نتيجة لتعرض الجنين لفيروسات أثناء نموه في الرحم.
كيف يتظاهر تشوه انشقاق الشفة وانشقاق شراع الحنك؟
قد يكون انشقاق الشفة بسيطًا على شكل فجوة صغيرة في الجزء الأحمر من الشفة العلوية، أو يكون انشقاقًا غير مكتمل على شكل قطع في الشفة لا يمتد حتى الأنف، أو يكون انشقاقًا كاملًا حين يمتد القطع حتى الأنف، ويمكن أن يحدث في جانب واحد أو في الجانبين.
أما انشقاق شراع الحنك فقد يكون انشقاقًا ناقصًا على شكل شق في عضلات الحنك الرخو المشكل للجزء الخلفي لسقف الفم، وهذا الشكل من التشوه قد لا يلاحظ عند الولادة ولكنه يشخص عند حدوث بعض الأعراض كصعوبة البلع والتحدث بصوت أنفي والتهابات الأذن المتكررة. وقد يكون الانشقاق كاملًا يشمل الحنك العظمي الصلب والحنك الرخو، ويؤدي لحدوث اتصال مفتوح بين تجويف الفم وتجويف الأنف، ما يسبب تسرب الهواء إلى تجويف الأنف واضطرابات في التغذية والنطق.
كيف يتم تشخيص هذا التشوه؟
يمكن تشخيص وجود التشوه عند الجنين عن طريق الموجات فوق الصوتية قبل الولادة، وأما بعد الولادة فإن الفحص البدني من الفم والأنف والحنك يؤكد وجود الشفة المشقوقة أو الحنك المشقوق، وفي بعض الأحيان قد يتم إجراء اختبارات تشخيصية لتحديد أو استبعاد وجود تشوهات أخرى.
ما المشاكل المرافقة لانشقاق الشفة وانشقاق شراع الحنك؟
قد تحدث مشاكل في تغذية الطفل، ومشاكل للأذن، وللأسنان، واضطرابات في النطق، إضافة للمشاكل النفسية.
مشاكل التغذية: في حالة الحنك المشقوق يحدث رجوع للطعام من الفم باتجاه الأنف، لذلك يجب استخدام زجاجات إرضاع خاصة أو حلمات خاصة تساعد على جريان السائل باتجاه المعدة، كذلك يساعد الجلوس المستقيم على ابتلاع الطفل للحليب ومنع تسربه من خلال الأنف.
مشاكل أذنية: بالنسبة لحالة الشفة المشقوقة فإنها لا تسبب أي مشاكل في الأذن، أما الحنك المشقوق فإنه عادة يؤدي لازدياد حالات التهاب الأذن الوسطى المزمن بسبب تراكم السوائل فيها، وهذا يمكن أن يؤدي إلى فقدان السمع بالكامل إن لم يتم علاجها والوقاية منها، لذلك يجب وضع أنابيب تهوية في الأذنين لتصريف السوائل، ويجب تقييم السمع مرة كل سنة.
مشاكل النطق: بالنسبة لحالة الشفة المشقوقة فإنها عادةً لا تسبب أي مشاكل في النطق، أما الأطفال الذين يعانون من الحلق المشقوق فإنهم عادة ما يعانون من مشاكل في الكلام، بعضها يكون نتيجة مباشرة للمشكلة التشريحية في جوف الفم والأنف، وهذه تحل بعد إصلاح التشوه، وبعضها الآخر يكون نتيجة لمحاولة الطفل التعويض عن عدم القدرة على إنتاج الصوت المطلوب فيقوم بتغيير حرف مكان آخر، وغالبًا هذه المشكلة لا تحل تلقائيًا بعد إصلاح التشوه، وهناك مشاكل في الكلام تحدث نتيجة نقص السمع، فإذا كان الطفل لا يسمع فإنه لا يستطيع تقليد أصوات الكلام.
مشاكل سنية: الأطفال الذين يعانون من الشقوق أكثر عرضة لتسوسات ونخور الأسنان، إضافة لتشوه الأسنان في حالات وصول الشقوق إلى اللثة.
مشاكل نفسية: يواجه الأطفال الذين يعانون من الشفة المشقوقة غير المعالجة من مشاكل اجتماعية وعاطفية وسلوكية، ويصابون بقلة الثقة بالنفس، والقلق الاجتماعي.
كيف يعالج هذا التشوه؟
يمكن إجراء عملية جراحية لإغلاق الشفة المشقوقة بداية من 2-3 أشهر الأولى بعد الولادة، وغالبًا يفضل إجراء عملية جراحية وعمر الطفل حوالي عشرة أسابيع، وفي حالة الشق ثنائي الجانب فإنه قد يتطلب عمليتين جراحتين لإغلاق الشقوق، من الجانب الأول ثم من الجانب الثاني بعد بضعة أسابيع.
أما علاج الحنك المشقوق فيتم أيضًا عن طريق الجراحة بعدة عمليات حتى عمر 18 سنة، ولكن تجرى العملية الأولى عادة بعمر ما بين ستة و12 شهرًا، ومعظم الحالات تتطلب عملية جراحية واحدة فقط لتحقيق الحالة الطبيعية القادرة على إتمام عملية البلع والكلام بطريقة طبيعية، وفي حالة كون الشق يشمل الجزء العظمي فعادة ما يتم ملء الفجوة بالنسيج العظمي المأخوذ من المرضى أنفسهم من الأضلاع أو الذقن أو الفخذ وذلك بعمر ثماني سنوات لدعم الأسنان الدائمة، كما يمكن إجراء عمليات أخرى لتحسين المظهر بعد البلوغ بعد أن تكون عظام الوجه أخذت شكلها النهائي.
ويتم علاج مشاكل الأذن بتركيب أنابيب التهوية ووضع سماعة أذن أو أجهزة المساعدة للأطفال الذين يعانون من فقدان السمع.
أما مشاكل النطق فقد تحتاج لمساعدة من طبيب اختصاصي باضطرابات النطق.
وإذا وصل الشق إلى لثة الأسنان فقد يحتاج المريض إلى اختصاصي تقويم لإصلاح زاوية الأسنان.
أخيرًا يمكن الاستعانة بطبيب نفسي أو مرشد اجتماعي لمساعدة الطفل على التكيف والثقة بالنفس.