عنب بلدي ــ العدد 124 ـ الأحد 6/7/2014
أتمت الحملة العسكرية على مدينة داريا 600 يوم من الحصار والاشتباكات المستمرة، فمنذ تشرين الثاني 2012 تتعرض المدينة إلى حملات عسكرية برية وجوية شرسة شنتها قوات الأسد لاقتحامها؛ وفي حين تمكن الجيش الحر من التصدي لتلك المحاولات، لم تقتصر محاولات قوات الأسد على القوة العسكرية فحسب، بل تعدتها إلى استخدام أساليب بث الفتنة والنزاع داخل المدينة ودفعها إلى طاولة المفاوضات. ومنذ بداية عام 2013 تعرض قوات الأسد بين حين وآخر هدنة على مقاتلي المدينة وناشطيها، للعودة إلى طاولة المفاوضات، وقد وصفها ناشطون بأنها مفاوضات “تسليم المدينة والمقاتلين فيها وليست هدنة توافق بين الطرفين»، إلا أن الشروط في كل مرة لا تكاد تلبي أدنى مطالب أهل المدينة والعاملين فيها، إذ لا توافق على الإفراج عن المعتقلين ولا انسحاب قوات الأسد إلى أطراف المدينة. ومع تمسك اللجنة الداخلية للتفاوض بالشروط “التي تضمن حقوق أهل المدينة داخلها وخارجها”، أغلق ملف الهدنة من قبل النظام وأرجئ إلى وقت لاحق لم يحدده أي من الطرفين. وبالتزامن مع المفاوضات شهدت مدينة داريا حملات عسكرية شرسة، تعرضت خلالها لقصف عنيف بعشرات البراميل يوميًا خصوصًا منذ بداية العام الجاري، للضغط على المقاتلين وإجبارهم على الاستسلام والقبول بما يشرطه النظام عليهم. كما لجأ النظام إلى خلق الفتنة بين الصفوف ونشر عملائه داخل المدينة لخرق صفوف المقاتلين وإضعاف جبهات المدينة، وتمثل ذلك في عملية أدت إلى اختطاف عدد من قيادات المدينة في بداية 2014 من قبل بعض المقاتلين في المدينة، وضربهم لإجبارهم للقبول بالهدنة والسخرية من صمود المدينة خلال المعركة الطويلة، وانشقاق مجموعة من المقاتلين عن لواء سعد بن أبي وقاص وتشكيل لواء الأحرار، الذي شكله عدد من المطلوبين للمحكمة إثر عملية الاختطاف. وفي سياق متصل، تمكن مركز الأمن في المدينة مؤخرًا من اكتشاف شبكة عملاء للنظام، وبعد التحقيق تبين أنها عملت على بث الفتنة بين صفوف المقاتلين، وإعطاء النظام أماكن نقاط تمركز الجيش الحر، ومواقع الأنفاق التي يقوم المقاتلون بحفرها للتسلل إلى مواقع قوات الأسد، إضافة إلى اعتراف العملاء أن النظام وعدهم بمبالغ مالية طائلة لقاء تمكنهم من قتل أحد عناصر الجيش الحر أو أحد قيادات المدينة. ويحاول النظام أخيرًا فصل مدينة داريا عن جارتها المعضمية، فقد شهدت داريا انفراجًا بالمواد الغذائية والطبية إثر هدنة المعضمية بداية 2014، بعد حصار فرضته قوات الأسد عليها منذ بداية الحملة في تشرين الثاني 2012. لكن قوات الأسد ما لبثت أن خرقت الهدنة بعد عودة آلاف الأهالي إلى المدينة، وعادت إلى فرض الحصار عليها وإغلاق المعبر الوحيد في المدخل الشرقي، مشترطةً فصلها عن مدينة داريا لمعاودة فتح المعبر، وعملت على ذلك بالتعاون مع بعض الموافقين على الفصل، إلا أن خلافات شديدة حصلت بين الموافقين والرافضين لقرار الفصل، تعدى الأمر إلى إطلاق النار على التركسات التي قدمت إلى المنطقة للفصل بين المدينتين، ومازال الأمر معلقًا ريثما تحل مشكلة الخلافات والتوصل إلى حل يرضي الجميع. 600 يوم على بدء الحملة العسكرية على مدينة داريا، تمكن فيها الجيش الحر من إيقاف حملات الأسد للسيطرة عليها بينما استطاعت قوات الأسد بدورها السيطرة على أجزاء في شرق وشمال المدينة، بعد معارك عنيفة ضد مقاتلي الحر. ويثمّن ناشطو المدينة الجهود الكبيرة التي بذلها المسؤولون في المدينة لحل المشكلات والحد من تأثيرها على جبهات المدينة، إذ تمكنت من الحد منها بشكل كبير، ولكن غياب الكفاءات وحساسية المرحلة جعلها أمام مواقف يصعب تجاوزها ومحاسبة المخطئين.