جامعة للبعث أم جامعة لحمص
عنب بلدي ــ العدد 124 ـ الأحد 6/7/2014
«لا أطيق بقائي في جامعتي بعد انتهاء محاضرتي».. يوضح عماد، وهو طالب في كلية العلوم، ويضيف «ما إنْ تنتهي آخر المحاضرات حتّى أهمّ هاربًا وكأنّني في قبو من أقبية الأفرع الأمنيّة، لا أعرف اليوم هل هي جامعة البعث والبعثيين أم جامعة لأهل سوريا وحمص».
تتعدد أسباب ابتعاد جامعة «البعث» عن الانتفاض وحمل راية التغيير، ولعلّ أبرزها الانقسام على خلفيّة طائفيّة، الذي شهدته حمص بعد حوادث عدّة استدرجها وأثارها النظام، ما أدّى إلى عدم تعاون الأساتذة والطلاب، يتخلّلهم المخبرون وأفراد هيئة اتحاد الطلبة الذين تسبّبوا باعتقال الكثيرين ممن استشهدوا تحت التعذيب أو مازالوا رهن الاعتقال.
يقول عماد، الذي يضطر لاجتياز الحراسة الأمنية للدخول إلى الجامعة في كل مرة، «لطالما كانت الجامعات تشكّل نواة رئيسة لكلّ الحركات الاحتجاجيّة في العالم، وبيئة حاضنة لكلّ محاولات التغيّير لضمّها الشرائح الشابّة والمتعلّمة في المجتمع، لكنّ الأمر مختلف هنا»، معتبرًا أن «جامعة البعث هي الوجه الآخر لحمص، تشبه اسمها الحالي… اليوم واقع الجامعة سيّئ ويتجه نحو الأسوأ في ظلّ السيطرة الأمنيّة المشدّدة، وهجرة الكثير من الطلاب، وتحول شريحة منهم إلى العمل المسلّح لقاء أجرٍ تحت مسمّى الدفاع الوطني».
وتقول هنادي، وهي معيدة في إحدى كليات الجامعة، «من المفروض أنْ يكون للجامعات دور في ترميم النسيج الاجتماعيّ والطائفيّ في البلاد لكنَّ هذا لن يتحقّق في هذه الظروف أو حتّى في القريب العاجل، الشرخ ليس وليد الثورة، هو موجود من قبل ومن السذاجة عدم الاعتراف بذلك».
وقد شهدت الجامعة فترات انقطاع لم تدم طويلًا، أبرزها حين استخدم الحرم الجامعي كمنصة للراجمات والمدافع الموجهة لقصف حي بابا عمرو القريب، وقد تسبّب ذلك بالإضافة إلى حوادث الاختطاف وحالات الاعتقال في انقطاع الكثير من الطلاب عن الدوام ليعود قسم منهم، بعد الاستقرار النسبيّ لتلك المنطقة.
وعن ذلك تقول آية، الطالبة في كلية الهندسة «أكمل الآن دراستي بعد انقطاع عن الدراسة منذ مغادرة منزلي بسبب تعرّض المنطقة للقصف، تسبّب ذلك في تأجيل تخرجي لعامين، حالي كحال كثيرين هنا».
وتشهد الجامعة اليوم أجواء مزدحمة بالطلاب مع استمرار العملية التدريسية والامتحانات، لكن الأجواء المستقرة لم تُخفّف القبضة الأمنية عن الطلاب، إذ تقول راما «منذ فترة تم احتجازي لساعات بتهمة محاولة أخذ صورة لي مع صديقتي دون إذن مسبق، فقد كان في الخلفيّة رجل أمن لم ننتبه لوجوده، لا يزال الرعب يسيطر عليهم من أيّ تصرّف رغم كلّ السلاح الذي يحملونه، لا أعرف من يجب أن يخاف من الآخر أكثر».
وتتابع زميلتها «في كلّ مرة أدخل فيها وبيدي أو بحقيبتي زجاجة ماء أكون مجبرة على الشرب منها أمامهم ليطمئن قلبهم على أنّها ليست (مية نار) على حد قولهم».
أما مستوى العمليّة التعليميّة في الجامعة فقد تراجع بعد تناقص عدد أساتذتها، جراء اعتقال وفصل البعض لأسباب سياسية، وهجرة آخرين للعمل بجامعات خارج البلاد، بالإضافة إلى غياب الجانب العملي في الكثير من التخصصات وتدني مستوى الحضور والتفاعل نتيجة مخاطر انتقال الطلاب في المناطق البعيدة.
وقد ازداد هذا التراجع في الجامعات السورية بشكل عام بعد منح العديد من الدورات الامتحانيّة الإضافيّة بشكل استثنائيّ، والسماح للطلاب بالانتقال من عام دراسيّ لآخر دون النجاح بعدد المقرّرات المطلوبة.
طلاب جامعة البعث أو جامعة حمص، أو جامعة خالد بن الوليد، كما يحلو لأهل المدينة تسميتها، سواء أكملوا تعليمهم بها أو انقطعوا عنها، يعلمون تمامًا أنهم معنيّون بما يحدث الآن وأن مستقبلهم رهن الاستقرار وبزوغ فجر الحرية المأمولة وخلاص البلاد من ظلمات الاستبداد والفساد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :