محمد رشدي شربجي
في مشهد أقرب للخيال منه للواقع، أعلن أبو بكر البغدادي، بعد أخذ مشورة «أهل الحل والعقد» الذين عينهم، أعلن الخلافة الإسلامية على المناطق التي يسيطر عليها تنظيم دولة العراق والشام. وقد نصب أهل الحل والعقد البغدادي أميرًا للمؤمنين داعيًا المسلمين في كل العالم بضرورة البيعة للأمير وإلا عوملوا معاملة المرتدين الخارجين عن طاعة ولي الأمر.
العروبة والمقاومة والممانعة والإسلام، كانت هي القضايا الأساسية التي عاش عليها السوريون لسنوات طويلة قبل الثورة، استهلكوا أنفسهم وأفكارهم وأعمارهم وأولادهم في دعم هذه القضايا التي ظنوا أنها ستعود لتدعمهم عندما يحتاجونها.
لم يقدم العرب للسوريين شيئًا في محنتهم، ليس ذلك فقط، بل هم يسعون لطردهم وتحميلهم مسؤولية أي حادث في بلدانهم، حتى بعض الدول العربية التي أخذت على عاتقها دعم الثورة كان دعمها أقرب للضر منه إلى النفع، بل وساهم في تشظي المعارضة وتفتيتها وترك الفراغ لداعش وأشباهها. أما جماعات المقاومة والممانعة فقد ثبت للسوريين أنها لا تقاوم إلا سعيهم نحو الحرية والانعتاق.
إعلان داعش الخلافة الإسلامية بهذا الشكل، وبعد كل ما ارتكبته من موبقات، سيكون بمثابة تشويه ما تبقى من قيم في وجدان الشعب السوري المنكوب.
منذ نعومة أظفاري وأنا أسمع الخطيب يوم الجمعة وفي الفضائيات المتكاثرة بعدها مبشرًا بدولة الخلافة، ومقدمًا إياها على أنها الحل لكل المشاكل التي نعرفها والمشاكل التي لا نعرفها حتى، لقد جرت على مدى سنوات طويلة عملية «أسطرة» لدولة الخلافة رفعتها من حالة إمبراطورية كمنتوج بشري له إيجابياته وسلبياته، إلى دولة فاضلة لا يأتيها الباطل لا من بين يديها ولا من خلفها.
حالة الأسطرة هذه جعلت دولة الخلافة مثالًا مستحيل المنال، ونقاشه غالبًا ما تم خارج أي منطق أو أساليب عقلانية يمكن قياسها أو محاكمتها، فقط هي كذلك، الدولة التي لا يظلم فيها أحد ولا يحزن فيها أحد ولا يفقر فيها أحد ولا يعتدي فيها أحد على أحد.
كرس كل هذا حالة الضعف والتبعية التي غلبت على حال الأمة الإسلامية في القرن الماضي وهو ما ألجأ المسلمين نحو ماضيهم المجيد الذين وجدوا فيه ملاذًا بغية تجاوز الواقع المرير.
من الصعب فهم ما يجري في المشرق العربي المنكوب، ومن الأصعب أن نفهم ظاهرة داعش أو القاعدة بدون مساعدة من أجهزة استخبارات عالمية، ولكن بالتأكيد ما هو الأصعب على الإطلاق أن يكون هذا شكل حلم الخلافة الإسلامية الذي عاشت عليه الملايين لسنوات طوال.
يتعرض الشعب السوري منذ ثلاث سنوات ونيف لحرب إبادة بشرية منقطعة النظير في القرن الجاري، وبموازاة ذلك يتعرض السوريون لحرب إبادة شاملة لأفكارهم وأحلامهم وتطلعاتهم التي استحالت ركام كوابيس.