الحمى مجهولة السبب.. مشكلة تحيّر الأطباء
د. أكرم خولاني
كثيرًا ما يصاب الناس بالحمى (ارتفاع درجة حرارة الجسم)، ومعلوم أن الحمى ليست مرضًا بحد ذاتها، وإنما هي عرض يشير إلى وجود مرض ما في الجسم، قد يكون بسيطًا كالزكام والتهاب اللوزات والتهاب الأذن الوسطى والتهاب الأمعاء..، وقد يكون خطيرًا كالأورام.
ومعظم أمراض الحمى تستمر لفترة زمنية قصيرة أو أنها تستوجب إجراء فحوصات واستفسارات قليلة لتشخيص السبب، لكن نسبة قليلة من أمراض الحمى تستمر لفترة طويلة، وأحيانًا من الصعب معرفة مصدرها، فتسمى “الحمى مجهولة السبب Fever of Unknown Origin”.
ما المقصود بالحمى مجهولة السبب
هي ارتفاع في درجة حرارة الجسم أعلى من 38.3 درجة مئوية في عدة مناسبات، وباستمرار ودون تشخيص لمدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع رغم إجراء الاستقصاءات في المستشفى لمدة لا تقل عن أسبوع واحد.
ويوجد أربعة تصنيفات للحمى مجهولة السبب:
- الحمى مجهولة السبب التقليدية: تصيب الأشخاص الأصحاء، وهي حمى غير مفسرة تستمر لثلاث زيارات للعيادة الخارجية أو ثلاثة أيام إقامة في المستشفى أو أسبوع واحد من الاستقصاءات، وقد يكون سببها العدوى أو الأورام أو الاضطرابات الأخرى كالأمراض التي تصيب النسج الضامة.
- الحمى المشفوية: ويصاب بها المرضى أثناء إقامتهم في المستشفى لمدة لا تقل عن 24 ساعة، حيث يدخلون إلى المستشفى لعلاج سبب آخر غير الحمى فيصابون بالحمى فيها، وتتضمن الأسباب الشائعة لها الصمة الرئوية والتهاب الوريد الخثري الإنتاني والالتهاب المعوي القولوني والتهاب الجيوب الأنفية المرتبط بالتنبيب الأنفي المعدي وتركيب القثاطر البولية وغيرها.
- حمى العوز المناعي: يصاب بها المرضى ذوو الجهاز المناعي المضعف كما هو الحال عند تلقي المعالجة الكيميائية أو مرضى الأورام الدموية.
- حمى الإيدز: يسببها فيروس العوز المناعي المكتسب بذاته، بالإضافة إلى أنه يجعل المريض أكثر استعدادًا للعدوى التي تسبب الحمى أيضًا.
ما الأسباب المحتملة للحمى مجهولة السبب؟
تصنف الأسباب المحتملة إلى خمس فئات:
- العدوى: الخراج البطني، السل المنتشر أو الخارج رئوي، التهاب الشغاف ، التهاب المسالك البولية المعقدة، الحمى التيفية أو المعوية، الفطار المتوطن، العدوى بفيروس إبيشتاين بار، العدوى بالفيروس المضخم للخلايا، داء البروسيلا، داء الليشمانيا، التهاب البروستات، الملاريا، العدوى بالريكتيسيا، الخراج السني، التهاب الجيوب المزمن.
- الأورام: الليمفوما، الورم الكبدي والنقائل الكبدية، سرطانة الخلايا الكلوية، ابيضاضات الدم، سرطان الكولون، سرطان البنكرياس، الأورام الكظرية.
- اضطرابات النسج الضامة: الذئبة الحمامية الجهازية، التهاب المفاصل الرثواني الشبابي، التهاب الكبد بالمناعة الذاتية، التهاب وعائي جهازي، مرض النسيج الضام المختلط، ألم العضلات الروماتزمي، داء الأمعاء الالتهابي، الساركوئيد، داء كاوازاكي، التهاب الشريان الصدغي.
- أسباب متنوعة: حمى البحر الأبيض المتوسط، الخثار الوريدي العميق، الصمة الرئوية، فرط الغدة الدرقية، التهاب الكبد الكحولي، الحمى الدوائية (وتتضمن الأدوية الأكثر شيوعًا في إحداث الحمى البنسلينات والسيفالوسبورينات ومضادات التدرن والكينيدين والبروكائيناميد والميثيل دوبا والفينيتوئين)، الحمى المصطنعة (ادعاء الأم وتوهمها أن لدى طفلها حرارة مرتفعة).
. حالات غير مشخصة تشكل 25% من حالات الحمى مجهولة السبب.
كيف يتم تشخيص سبب الحمى مجهولة السبب؟
يتم تشخيص السبب عادة بطريقة البواقي أو الاستبعاد، أي من خلال استبعاد الأسباب المحتملة حتى يبقى تفسير واحد محتمل، ويتم ذلك عن طريق البحث بشكل دقيق في التاريخ الطبي السابق للمريض، بالإضافة للتاريخ العائلي والاجتماعي والمهني للحصول على أدلة مهمة، وإجراء فحص سريري متكرر.
كذلك يجب إجراء مجموعة من التحاليل المخبرية: تعداد دم كامل، سرعة التثفل، البروتين الارتكاسي C، شوارد المصل، بولة وكرياتينين، وظائف الكبد، فوسفاتاز قلوية، تحليل بول، فحص براز، زروعات للدم والبول والبراز.
في حال لم يتم التوصل لتشخيص السبب بعد إجراء ما سبق، يجب إجراء مجموعة أخرى من الفحوص المخبرية: أضداد النوى ANA، أضداد فيروسات إبيشتاين بار والمضخم للخلايا وأضداد التوكسوبلاسموز واختبار السللين الجلدي.
كما تعد الدراسات الشعاعية ضرورية في حال عدم التوصل للتشخيص: صورة صدر بالأشعة السينية، إيكو للبطن والحوض، إيكو قلب، تصوير طبقي محوري وتصوير بالرنين المغناطيسي للرأس والصدر والبطن والحوض عند الاشتباه بمشاكل في هذه المناطق، ويمكن اللجوء لاختبارات تستخدم المواد المشعة (الطب النووي) باستطاعتها كشف مناطق العدوى والالتهاب التي كان من المستحيل سابقًا إيجادها.
يمكن اللجوء للتقنيات الغازية كأخذ خزعات من أي منطقة مشبوهة اكتشفت بتصوير الأشعة باستخدام تقنيات الجراحة التقليدية أو التنظيرية، أو فتح البطن الاستقصائي.
كيف يتم علاج الحمى مجهولة السبب؟
ينصح المريض بالراحة وشرب كميات وفيرة من السوائل، واستخدام خافضات الحرارة كالباراسيتامول ومضادات الالتهاب غير الستيروئيدية (ديكلوفيناك، إيبوبروفين…).
وربما يطلب منه التوقف عن تناول أدوية الأمراض الأخرى، لأنها قد تكون سبب الحمى، وعندما يتعافى المريض بعد إيقاف الدواء فإنه من المرجح أنها حمى الأدوية.
وفي حال تحديد سبب الحمى فإن العلاج يوجه نحو هذا السبب، وربما تستخدم المضادات الحيوية ومضادات الفطر في التجارب العلاجية التجريبية عند المرضى الذين فشل لديهم تشخيص السبب.
وحتى في الحالات التي لا يكتشف فيها سبب الحمى فإن معظم المرضى يشفون دون عقابيل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :