محمد رشدي شربجي
من سخرية القدر أن مسعود البرزاني نفسه وقع في الفخ الذي لطالما حذر كرد سوريا منه، فهو الرجل الذي كرر في غير موضع أن العالم يتعامل مع كرد سوريا كمقاتلين أشداء ولكنهم لم يحظوا باتفاق واضح لا مع النظام ولا مع المعارضة، ما يعني أن كل مكتسباتهم قد تكون في مهب الريح وعرضة لاتفاقات سياسية لن يكونوا طرفًا فيها، وهو الرجل الذي أصدر بيانًا شديد اللهجة عشية انهيار الهدنة بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني محملًا فيه الأخير المسؤولية، ومعتبرًا إياه أنه “اغتر بالدعم الأمريكي الذي حصل عليه في سوريا”.
لم يستمع البرزاني لكلامه هو نفسه وخاض في كردستان العراق، مدفوعًا بحسابات خاطئة ورغبة شخصية بالبقاء في الحكم إلى الأبد، مغامرة كارثية أفقدت الإقليم مكاسب 15 عامًا وتبعات قاسية سيكون على الإقليم التعامل معها لسنوات مقبلة.
لقد كان بإمكان البرزاني أن يحصل على نتائج أفضل برغم المعارضة الدولية، لو أنه ذهب إلى الاستفتاء بإجماع كردي داخلي، وهو ما لم يحدث، وإن حدث فبسيف التخوين والابتزاز والمزاودة وعلى طريقة “من هؤلاء الخونة الذين لا يريدون استقلال كردستان؟”، أو أنه لم يدرج مشروع الانفصال ضمن مشروعه الشخصي للبقاء في السلطة، وهو ما يفعله البرزاني الذي يرأس حزبًا يسمى الحزب “الديمقراطي” الكردستاني.
على الجانب الآخر من الحدود ليست الأمور بأفضل حالًا، لا يرى حزب الاتحاد “الديمقراطي” من حاجة للتواصل مع أحد، يكفيه الدعم الأمريكي، وقد حرص خلال مسيرته منذ بداية الثورة على استعداء كافة الأطراف -وهذا سلوك ليس خاصًا به بكل الأحوال، ولفصائل المعارضة خاصة الجهادية منها أسبقية في ذلك- واستغل بشكل غير أخلاقي ضعف المعارضة عندما كانت تتعرض للسحق بكل أنواع الأسلحة. ولعل من أكبر جرائمه أنه أسهم مع آخرين في وضع المظلمة الكردية الممتدة على مدى عدة عقود في مواجهة الثورة بدل نظام الأسد، ولم يقتصر الحزب بسلوكه هذا على غير الكرد، فقد كان عادلًا، وديمقراطيا طبعًا، ليطارد ويعتقل كوادر الأحزاب الكردية في مناطقه.
قبل عدة أشهر صرح السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد، في أحد الندوات ما معناه أن على الكرد ألا يثقوا بترامب، فهو سيتخلى عنهم عاجلًا أم آجلًا عندما تنتهي المعركة ضد تنظيم الدولة، لم ير الناشطون الداعمون لقوات سوريا الديمقراطية في كلام فورد إلا ما يستحق الإدانة، وليس نادرًا أن يقرأ المرء حينها اتهام فورد بكونه متعاونًا مع الإسلاميين ومروجًا لخطابهم، أو حتى داعمًا للقاعدة في غير مكان، وهي طريقة يواجه فيها كل من ينتقد هذه القوات بأي شكل من الأشكال.
ليست التصريحات الأمريكية الحادة ضد إيران أكثر من ذر للرماد في عيون الخليجيين الذين أعطوا ترامب 500 مليار دولار أمريكي على أمل أن يقضي لهم على إيران. الولايات المتحدة هددت الجيش السوري الحر إن هو أقدم على مهاجمة قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية في البادية، مع العلم أنها الطريقة الوحيدة لقطع طريق إيران إلى البحر المتوسط، فوق ذلك هي تضغط على الجيش الحر عن طريق الأردن لفتح معبر نصيب مع الأردن للنظام السوري، وهو ما يعني وصول إيران إلى حدود الأردن بدل محاصرتها.
وإذا كان يمكن تبرير الأمر في سوريا بعدم رغبة أمريكية بالاحتكاك مع روسيا، فما الذي يبرر إحجامها عن إيقاف إيران من اجتياح كركوك وبغداد تقرع قبول الحرب لأكثر من أسبوع؟ فقط قارن بين ماذا فعلت أمريكا حين هددت تركيا باجتياح منبج، وماذا فعلت حين اجتاحت إيران كركوك؟
بعد سقوط كركوك وتخلي الولايات المتحدة عن دعم البرزاني كما كان متوقعًا، يشعر كرد سوريا اليوم أن مصيرهم لن يكون مختلفًا، وعلى عكس ما كان يجري عادة في أحداث مشابهة، لم يكن الاحتفاء الكردي السوري بتحرير مدينة الرقة من تنظيم الدولة الإسلامية كبيرًا، وما زاد الطين بلة الاحتفال الذي أقامته قوات سوريا الديمقراطية بمناسبة تحرير المدينة، حيث خلا من أي علم لسوريا وتصدره صورة غريبة هائلة الحجم لعبد الله أوجلان في تجسيد جميل للديمقراطية القائمة على تقديس الأشخاص!
ستبقى المنطقة مفتوحة على صراعات جديدة، حتى تجد شعوب هذه المنطقة طريقة تستطيع فيها العيش مع بعضها في نظام تتبادل فيه البضائع والثقافة بدل القذائف والدمار، ولن يكون هذا دون ديمقراطية، ولكننا نكره الديمقراطية، فهي حرام بحسب الجولاني وليست أكثر من ديكور عند قوات سوريا الديمقراطية.