عنب بلدي – نينار خليفة
حكمت الحرب الدائرة في سوريا على الأطفال المصابين بمرض السرطان بمزيد من الألم والمعاناة، ومحدودية فرص الحصول على العلاج، لتتدنى نسبة الشفاء من هذا المرض إلى أقل من 20%، بينما تصل إلى 80% في الدول المتقدمة بحسب منظمة الصحة العالمية.
وفي المناطق المحاصرة تتضاعف معاناة الأطفال المصابين بالسرطان ليصبحوا الحلقة الأضعف، وأكثر الفئات تضررًا.
استمرار الحصار، ومنع الدواء من الدخول إلى الغوطة الشرقية حرم العديد من الأطفال المصابين بالمرض من أخذ فرصتهم بالعلاج.
الطفلة “فرح” ذات العشرة أشهر والمصابة بـ “لوكيميا لمفاوية حادة” توفيت، في آب الماضي، نتيجة عدم توفر الدواء في الغوطة.
الطفل كنان، والذي يبلغ من العمر ستة أشهر، أدى تفاقم إصابته بمرض “اللوكيميا” الحاد، ومنع النظام إخراجه للعلاج إلى وفاته، على الرغم من أن حالته كان من الممكن علاجها وبنسبة تصل حتى 90%، وفقًا للطبيبة وسام الرز، التي أشرفت على علاجه في مركز “دار الرحمة الطبي”، وهو المركز الوحيد والمتخصص في علاج الأورام السرطانية في كامل الغوطة الشرقية.
وماتزال الكثير من الحالات في الغوطة بحاجة ماسة لعلاج مستعجل وسط تزايد المطالب بإدخال الدواء، أو إيجاد معابر آمنة لإخراجهم.
وعلى الرغم من تسجيل المصابين على قوائم الهلال الأحمر للإخلاء الفوري من الغوطة، إلا أنه لم يتم ذلك الى الآن، وفق ما صرحت الطبيبة وسام لعنب بلدي.
وفي هذا الصدد، أضافت الطبيبة أن نقص الأدوية أثر أيضًا في سرعة اكتشاف المرض، فقد أدى نقص المواد ببعض المخابر المختصة، إلى تقليص إجراء الفحوصات للأطفال، ما أسهم بتأخير تشخيص المرض لديهم.
200 طفل في خطر
وحول إحصائيات الإصابة بالسرطان عند الأطفال في الغوطة الشرقية، أفادت الطبيبة وسام أن نسبة الأطفال المصابين بالسرطان تتراوح ما بين 18% إلى 20% من أصل 1200 حالة مصابة بالسرطان في عموم الغوطة، أي ما يقدر بنحو 210 أطفال.
وأوضحت الطبيبة أن بينهم من تعافى بشكل كامل، ومنهم من هو تحت المراقبة، بينما توفي البعض الآخر، مشيرةَ إلى أنه مع اشتداد الحصار المفروض، ومنع الدواء من الدخول، أصبح الذين مازالوا يتلقون العلاج في خطر شديد، ومنهم الطفلة سهاد، التي تبلغ من العمر سنتين، وكانت قد قطعت شوطًا كبيرًا في رحلة علاجها، التي استمرت سنة كاملة عانت خلالها الكثير نظرًا لصغر سنها، وضعف بنيتها الجسدية، لكن ومع اقتراب مثولها للشفاء، لم تتوفر الجرعة الأخيرة من العلاج، ما سبب زيادة الخطورة على حياتها.
وأشارت الطبيبة إلى ازدياد نسبة الأطفال الذين يتعرضون للانتكاس في الفترة الأخيرة، وخاصة في المناطق المتاخمة للعاصمة دمشق نظرًا لما تتعرض له مناطقهم من قصف شديد من قبل قوات الأسد.
وأوضحت أن نسبة الشفاء من المرض كانت قد وصلت إلى 37% قبل تشديد الحصار مجددًا.
في درعا لا سبيل للعلاج
وفي درعا جنوبي البلاد، تتشابه المعاناة، أو ربما تزيد لعدم وجود أي مركز للعلاج، حيث يضطر مصابو السرطان إلى الخروج لمناطق النظام للعلاج مع ما يحمله ذلك من صعوبات، ومخاطر أمنية.
“جمعية جورج سمارة لمرضى السرطان”، أسست منذ عامين في درعا البلد، بجهود فردية لمساندة المصابين بالمرض.
وحول الخدمات التي تقدمها الجمعية قال موسى أبازيد، أحد القائمين عليها، إنهم يعملون على تأمين ثمن الجرعات للمرضى، ولكن هذه الجرعات غير متوافرة في المناطق المحررة.
وأضاف أن أغلب مرضى السرطان يعانون من وضع مادي صعب، لما يحتاجه المرض من نفقات كثيرة، موضحًا أن ثمن الجرعة يتراوح ما بين 75 إلى 250 ألف ليرة سورية.
ولفت أبازيد إلى أن الحرب أثرت سلبًا على مرضى السرطان الذين كانت توفر لهم الدولة علاجًا مجانيًا، ولكن اليوم ينحصر العلاج في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
في إدلب لا مراكز للعلاج
الصورة تبدو قاتمة في إدلب أيضًا نظرًا لعدم توفر أي مركز للعلاج الكيماوي، وعدم وجود الأدوية.
الطبيب محمد العمر، الاختصاصي بأمراض الأطفال قال لعنب بلدي، إنه لا توجد إحصائيات دقيقة عن المرض، وبيّن أنّ مراكز الاستشفاء بالنسبة للحالات السرطانية متوفرة فقط في المناطق التي يسيطر عليها النظام (في دمشق وحلب واللاذقية)، حيث تتوافر الأدوية المضادة، أما في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لا يتوفر أي مركز للمعالجة، ولا حتى أي مركز لتشخيص المرض.
وأشار إلى أنه حتى في المراكز التي يعالج فيها النظام لا تتوفر جميع أنواع الأدوية، فيضطر الأهل لشرائها من السوق السوداء.
ولفت إلى أن المرضى يتم تحويلهم إلى مناطق النظام، أو إلى دول الجوار (تركيا ولبنان والأردن) في حال عدم امتلاكهم لوثائق رسمية، أو لوجود مخاوف أمنية لديهم، أما من يتعذر عليه ذلك فيعاني معاناة شديدة، فضلًا عن وفاة العديد من الأطفال بسبب عدم تلقي العلاج.
أكثر الأمراض السرطانية شيوعًا
وحول أكثر أمراض السرطان شيوعًا عند الأطفال، أشار إلى أن “مرض ابيضاض الدم اللمفاوي الحاد” هو أكثر الأمراض مصادفة في الممارسة السريرية، ويصيب الأطفال في الأعمار ما بين سنة إلى خمس سنوات، بالإضافة لوجود حالات أمراض عصبية سرطانية وأمراض عظمية سرطانية.
وعن إمكانية الشفاء من المرض أوضح الطبيب أن الأمراض السرطانية تعتبر شافية إذا استمرت الحياة لمدة خمس سنوات بعد اكتشاف المرض والمعالجة، وفترة الشفاء نسبية فقد يكون الشفاء كاملًا كما قد يحدث هجوع، أو عدم شفاء، وعدم استجابة للمعالجة.
أما عن الكشف المبكر عن المرض فأشار إلى أن ذلك ممكن من خلال التحاليل المخبرية، والممارسة السريرية، والمراقبة السريرية الدقيقة.
وعن أهميته، أضاف أنه يقلل من الاختلاطات، ويطيل فترة البقية عند الأطفال، كما أن المعالجة المبكرة من الممكن أن تؤخر حادثة الوفاة، وأحيانًا يمكن أن يمتد هجوع المرض لفترة أطول مع قابلية النكس.
الوقاية من مرض السرطان
وحول الوقاية من الأمراض السرطانية أوضح الطبيب أن الوقاية تكون عادة من الأسباب، لكن أسباب السرطان تبقى غير معروفة، ومن المؤكد حاليًا في ظروف الحرب التي نعيشها هو تأثير المواد المتفجرة التي تحوي مواد مشعة.
ولفت الطبيب إلى مشاهدة حالات غريبة في الممارسة السريرية، وظهور أمراض وتشوهات وأمراض سرطانية أكثر في ظل ظروف الحرب السائدة لم تكن تشاهد في أيام السلم، مشددًا على أهمية تجنب العوامل المشعة قدر الإمكان.
العلاج والدواء لمرضى السرطان السوريين مجانًا
“جمعية الأمل لمكافحة مرض السرطان” هي واحدة من المنظمات الفاعلة في مجال علاج مرضى السرطان وتأمين الدواء اللازم لهم بالمجان.
وحول الجمعية، قال الطبيب عبد الرحمن زينو، رئيس مجلس إدارة الجمعية، في حديثٍ إلى عنب بلدي، إن “جمعية الأمل هي جمعية بحثية علمية تعالج وتساعد مرضى السرطان المنسيين حتى من قبل المؤسسات الأممية والدولية، وهي جمعية مرخصة في تركيا ولها خمسة أفرع فيها، وثلاثة أفرع في سوريا”
وأضاف “لدى الجمعية أكثر من 100 طبيب وباحث، ونحو 150 متطوعًا وعاملًا، وتقوم بمساعدة المرضى، وإيوائهم، وإطعامهم، وتأمين العلاج لهم مجانًا، بهدف تسهيل وصولهم من الداخل السوري، وتقدم الجمعية يوميًا خدمات لمئات المرضى في مختلف المراكز والمدن”.
بارقة أمل
محمود هو أحد الأطفال المتطوعين حاليًا في جمعية الأمل، والذي كان قد تعالج فيها من المرض حتى شفي تمامًا.
وتحدث محمود لعنب بلدي عن تجربته الناجحة في مصارعة المرض، والتغلب عليه بعد علاج دام خمس سنوات.
وفي رسالة وجهها محمود للمرضى المصابين قال “شفيت من مرض السرطان بالأمل، والابتسامة، والنفسية الجميلة. رسالتي للجميع التحلي بالأمل، والثقة، ومتابعة العلاج، وعدم الاستسلام أو الخوف”.