عنب بلدي ــ العدد 124 ـ الأحد 6/7/2014
في ظل الواقع المؤلم الذي نعيشه يبقى الطفل أبرز الخاسرين، رغم أنه لا ذنب له يمكن أن يحاسب عليه لا بشريعة من وضعِ البشر ولا بالشرائع الإلهية، فمن أين يستمد أطفالنا ثقافتهم وكيف نستطيع الحفاظ عليهم مما يخالط حياتنا من سموم.
يستمدّ الطفل ثقافته من مصادر كثيرة في البيئة التي تحيط به ويتواجد فيها، فالأسرة، وإن كان تأثيرها بالغًا، لم تعد هي المؤثر الأكبر في الطفل كما كان سابقًا، بل انحسر دورها لمصلحة مؤسسات أخرى، أصبحت بدورها ذات تأثير واضح وجليّ على الطفل.
إنّ الطفل يمارس علاقاته الإنسانية الأولى في ظل أسرته ويكوّن فيها مفهومه عن ذاته ويتعلم لغته وينمّي اتجاهاته وسلوكه المرغوب من قبل المجتمع الذي تنتمي إليه تلك الأسرة.
لكن ما إن ينطلق خارج مجتمع أسرته ويبدأ بمخالطة أقرانٍ له في المدرسة، يبدأ الوعي بما حوله بالنضج، حتى يبدأ التحول لديه في القيم والعادات التي تأسس في أسرته عليها.
ففي المدرسة يخالط أقرانًا من جيله يؤثرون فيه تأثيرًا أكبر أحيانًا من تأثير الأسرة التي أرادت له أن يتطبّع بطابع معين، هذا إضافة لما يتعرّض له من مناهج قد لا تكون متوافقًة أحيانًا مع تربية الأسرة لولدها، وكذلك قدوته الجديدة من معلمين ومعلمات ينتمون في بعض الأحيان لبيئات مختلفة ويتفاوتون بمستوى إعدادهم وتهيئتهم لممارسة دورهم في التربية والتعليم، وتختلف أحيانًا وجهات النظر بين الأسرة والمعلم حول سلوكيات وأخلاق معينة يتم تطبيع الطفل بها.
ويستقي الطفل الكثير من جوانب ثقافته من أقرانه، فيحاكيهم في تصرفاتهم وسلوكياتهم وتكون هذه المحاكاة إيجابية أو سلبية؛ فهي إيجابية إذا كان سلوك أترابه إيجابيًا، وسلبية إذا كانت المحاكاة تقتصر على تقليد السلوك غير المرغوب فيه.
يبقى هذا التأثير الأولي من قبل الأقران والمدرسة غير مقلق، إذ يمكن للأسرة أن تقوم بتنقية وتهذيب ما يعلق في الطفل من شوائب تشوب سلوكه من أمور سلبية يحملها معه من المدرسة إلى المنزل.
لكن يأتي دور الإعلام وأجهزته التي أصبحت منبعًا مهمًا بل ورئيسيًا من منابع استقاء الطفل لثقافته والتي تتميز بتأثير كبير على مكتسبات الطفل من عادات وسلوكيات تختلف عما هو عليه في بيئته، بل وتُعدّ العالم الرحب الذي يستطيع أن يتجوّل فيه الطفل بحرية قد تكون تامة في أحيان كثيرة، وأصبح يأخذ مجالًا كبيرًا من وقته اليومي على حساب حياته مع أسرته ولعبه مع أقرانه أو ما يتحتم عليه من واجب تجاه مدرسته وعلمه.
فتصبح الثقافة التي يسعى إليها الإعلام لتوجيه المجتمع أقوى من ثقافة الأسرة والمجتمع المحيط بالطفل، إذ لا حسيب ولا رقيب ولا تعب في الحصول على هذه الثقافة.
إننا نحتاج إلى ما يقوّم هذا الطابع الإعلامي الذي يتم تطبيع الطفل عبره وهنا يتجلى دَوْر دُور العبادة التي تستطيع كبح جماح إعلام لا يهتم بالطفل أو تربيته، بقدر ما يهتم بالمال «إلا من رحم ربي».
دُور العبادة في هذه الحالة لها الدور الأبرز في تنمية العقيدة، التي بدورها تؤسس لأخلاق تكوّن أساسًا لطفل قادر على تمييز الجيد من الخبيث ويسير في طريق السلامة، رغم ما يكتنف هذا الطريق من مغريات ومُتع قد تبدو في ظاهرها خيرًا ولكنها تبطن شرًا كبيرًا.
أطفالنا هم ملائكة بصورة بشر، ولا يتحولون بشرًا حتى يكبرون، فلنحافظ على أكبر قدر من صفات الملائكة التي يحملونها في صغرهم لتبقى لهم في كبرهم.
ولنسعى لأن يتحلوا بأكبر قدر من هذه الصفة لمستقبلهم. فالمستقبل القادم لم يعد لنا فيه أي نصيب إلا أثرنا الذي نتركه في أطفالنا.