حسام الجبلاوي – ريف اللاذقية
لم يكن من قبيل الصدفة ربما أن يعمد التلفزيون السوري في الذكرى الثانية لمعركة الحفة، وما تلاها من دمار للبلدة وتهجير أهلها، إلى اختيارها شاهدًا على عرس الأسد الانتخابي، وبث رسالة «طمأنة» إلى السوريين منها بالعودة إلى ديارهم ومزاولة نشاطهم، أو إقناعهم أن الحفة هي نموذج للعودة إلى «حضن الوطن والتعايش السلمي».
في شهر حزيران من العام 2012 بدأت قوات الأسد قصفها لمدينة الحفة بعد سيطرة الجيش الحر عليها، الأمر الذي أدى إلى نزوح معظم سكانها، الذين يزيد عددهم عن 20 ألفًا بحسب إحصائية 2004، نتيجة الدمار الكبير الذي لحق بالمدينة.
وقد نزح بعضهم إلى مدينة اللاذقية التي تخضع للأسد بشكل كلي، بينما آثر البعض الانتقال إلى قرى جبل الأكراد القريبة من الحفة والمحررة من قبل المعارضة، في حين لجأ آخرون إلى مخيمات اللجوء في تركيا، وبقيت المدينة حينها خالية من سكانها، ليتسابق «مؤيدو الأسد وشبيحته في القرى المجاورة إلى نهبها وسرقة بيوتها» بحسب ناشطين في المدينة.
«سياسة الانتقام والقمع التي انتهجها النظام لم تترك مجالًا لعودة الحياة إلى طبيعتها»، كما أكد الأستاذ طارق السعيد، أحد أبناء المدينة وناشطيها السلميين لجريدة عنب بلدي، «بل زاد النظام في انتقامه باعتقال الكثير من شبانها النازحين إلى اللاذقية، ووصل الأمر به لتهديد سكانها النازحين بفقدان بيوتهم وأرزاقهم، وهو ما قام به فعلًا حين وهب بعض الشبيحة الموالين له والقادمين من حلب ما بقي صالحًا للسكن فيها».
وعن الرسالة التي أراد النظام إيصالها لأهل الحفة من عرض مظاهر الاحتفال أثناء الانتخابات، قال الأستاذ طارق «جميع أهل الحفة يعلمون من ظهر في ساحة البلدة، وهم من شبيحة القرى المجاورة والموالين للأسد… إنها رسالة انتقام سيما أن معظم شباب البلدة هم مقاتلون في صفوف الجيش الحر، وقد قدمت البلدة عشرات الشهداء منذ بدء الثورة وكانت من أوائل المدن السورية تمردًا على نظام الظلم».
وتدور مؤخرًا أنباء عن هدنة عرضها نظام الأسد على أهل الحفة وعودة «المطلوبين» من قبل النظام، مقابل إيقاف العمليات القتالية في جبل الأكراد وانسحاب مقاتلي المعارضة منه، لكن المباحثات لم تثمر عن شيء بعد.
يقول الأستاذ طارق أن النظام عرض منذ أيام هدنة لإيقاف القصف على جبل الأكراد والسماح بعودة المطلوبين من أهل الحفة، ومبلغ مالي وصل إلى 300 ألف لكل عائد، مع إصدار عفو عنهم مقابل وقف العمليات القتالية في جبل الأكراد وانسحاب المسلحين منه، والمفاوضات لم تأتِ بنتيجة حتى الآن، كما أكد لنا.
الحفة التي سميت بذلك لانحدارها، عانت كما يقول سكانها من «التهميش والإلغاء نتيجة مشاركتها في الانتفاضة ضد نظام الأسد في أحداث الثمانينات من القرن الماضي»، خصوصًا لموقعها بين سلسلة من القرى المؤيدة للأسد «ولم يشفع لها رجال كبار في الدولة من أبنائها مثل وزير الداخلية محمد الشعار الذي هدد بحرق المدينة بداية الثورة» بحسب الأستاذ طارق.
ورغم حساسية موقعها إلا أنّ المدينة شاركت في الثورة منذ الأسبوع الثالث على انطلاقتها، وقد خرجت بمظاهرات سلمية طالبت بالحرية وفك الحصار عن درعا، ولايزال الكثيرون من شبابها بين معتقلين أو ناشطين في نشاطات المجتمع المدني أو مشاركين في العمل العسكري ضد نظام الأسد.
فهل ينجح نظام الأسد بإخماد صوت الحفة وتمرير رسالته، أم أن السياسة التي اتبعها زادت من الشرخ بينه وبين أبنائها المتجذر أصلًا من سياسة التهميش منذ عقود.