عنب بلدي ــ العدد 123 ـ الأحد 29/6/2014
«ارحل أريد أبي المعتقل».. رفعها طفل في السادسة في اعتصام للمطالبة بالمعتقلين، «ارحل يا قاتل أمي» صدح بها طفل آخر قتلت آلة الأسد العسكرية أمه، وآخر يصرخ من شدة الألم في أقبية سجون الأسد، حيث لا يدري لم وكيف أتى إلى هذا المكان، وأطفال ثلاثة يعيشون برفقة أمهم في زنزانة منذ أشهر.
طليعة من «طلائع البعث» يبيع العلكة في الشوارع، ويفترش الرصيف لتلميع الأحذية، ويركض بين السيارات لتنظيفها، ويجلس في ركن الشارع ينظر في وجوه المارة ينتظر عطفًا بدل عطف أبيه، ويدًا حانيةً تذكره بيد أمه التي فقدها مؤخرًا.
هي ليست مسرحية لنتفرج ونصغي ونبكي أو نضحك، فالأطفال لا يتقنون التمثيل، بل تدفعهم براءتهم ليكونوا كواقعهم، دون مواربة أو كذب، إلا أن الكوكب الآخر الذي يعيشه البعث ومنظماته يجبرهم على التعامي والتغافل والكذب على أنفسهم قبل غيرهم، عما حل بطلائعهم نتيجة ما اقترفت أيديهم.
في يوم الطفل العالمي، 25 حزيران، أطلقت منظمة طلائع البعث مهرجان الطفولة المركزي في وسط دمشق «لزرع البسمة على وجوه الأطفال وتنمية الروح الوطنية لديهم»، وعلى بعد أمتار قليلة في الريف الشرقي والغربي لدمشق يعيش آلاف الأطفال المحاصرين المحرومين من أقل حقوقهم، تركتهم الحياة يواجهون مصير العنف والجهل الذي ورثته لهم وحشية الأسد.
«إن أطفال سوريا يحملون الكتاب بيد والكلمة بيد ويمتشقون القلم للذهاب إلى مدارسهم».. هذا ما قاله عضو القيادة القطرية لحزب البعث أركان الشوفي في كلمته في المهرجان.. فأي كتاب هذا الذي يحمله أطفال سوريا اليوم، هل هو عبوة تنظيف الأحذية أم علبة العلكة في الشارع، أم العبوة الناسفة التي تعلم كيفية صنعها نتيجة الحرب. وأي كلمة يحملونها بيدهم الأخرى، كلمات الدمار والخراب، والنار والحصار والجوع، التي بات أطفال سوريا يتقنونها ويفهمونها جيدًا. إضافة إلى أنه، ما يقارب 3 ملايين طفل لا يواظبون على الدراسة بشكل منتظم، وخُمس مدارس سوريا دمرت، وتضررت أو استخدمت لأغراض عسكرية بحسب تقرير منظمة اليونيسيف بداية 2014 الجاري.
ومن ضمن كلمته في مهرجان الطفولة، أوضح وزير السياحة بشر يازجي، «أنه يجب أن ننشئ جيلًا حريصًا على كل ذرة من التراث الوطني في المستقبل».
ما هو الجيل الذي ينشده البعث في ظل الحرب الطاحنة التي طحنت رحاها كل شيء غض وطري، حاضر وماض ومستقبل، وأين هو التراث الذي يحرص على الحفاظ عليه في الأجيال الناشئة، وقد دمرته الآلة الأسدية، وسرق ما تبقى منه مرتزقة يعيثون خرابًا في سوريا بقيادة البعث الرشيد.
بينما بينت أمينة فرع دمشق لمنظمة طلائع البعث شفيعة سليمان خلال المهرجان، «أن المهرجان طفولي بامتياز يحاول زرع الفرح في نفوس الأطفال». يزرع الفرحة أمام الشاشة ويقتلها في آن. في المسرحية حمل وديع يحنو على الأطفال ويزرع البسمة على وجوههم، وفي الكواليس وحش مفترس يفتك بهم، بيد أن الكواليس باتت معلنة ومعروفة أكثر من سيناريو المسرحية المقيت، الذي يؤلفه البعث ويحضره مناصروه ويمثله مؤيدوه، وكأنه لا مكان لغير البعث وطلائعه في سوريا.
مهرجان الطفولة في بلد فيه 5 مليون طفل لاجئ داخل حدوده وخارجه، بالتزامن مع تحذير من وكالة الإغاثة الدولية من حلقة العنف والتشرد التي لا تنتهي، بالإضافة إلى تدهور الوضع الصحي والانقطاع عن التعليم والآثار النفسية الخطيرة على ملايين الأطفال السوريين. كما يقول المدير التنفيذي لليونيسيف، أنه لا يمكن لأطفال سوريا أن يعيشوا عاما آخر من الرعب، ويجب أن تنتهي العنف والقسوة التي شوهت حياتهم لسنوات.