محمد رشدي شربجي
يحاجج البعض بأن منطقة الشرق الأوسط لم تكن يومًا إلا في حال صراع منذ ألف عام، كما قال مرة الرئيس الأمريكي سيئ الصيت، باراك أوباما، محاولًا تفسير حالة الفوضى في الشرق الأوسط، وهو كلام يصلح أن يقال في الحانات والمقاهي في أحسن الأحوال.
المنطقة تعيش الصراع منذ فترة ليست قصيرة هذا صحيح، أي منطقة في العالم أساسًا لا تعيش الصراع منذ الأزل! ولكن الحروب في بلادنا على الأقل منذ قرن من الزمن ليست من مسؤولية شعوب المنطقة بقدر ما هي نتيجة سياسة استعمارية انتهجها الغرب الديمقراطي ضد بلادنا ثم لحقته دول العالم بعدها.
ليست شعوب المنطقة مسؤولة بأي حال عن إنشاء كيان استيطاني اسمه إسرائيل، بل هو تصدير لمشكلة يهودية أحرقت أوروبا في الحرب العالمية الثانية إلى العرب، الذين تعامل معهم الغرب كمكب أنقاض عالمي.
لقد شنت إسرائيل ستة حروب على الدول العربية، وخلقت أزمة لاجئين فلسطينيين -شكرًا للعالم الحر الذي أسعفنا بوكالة غوث- جرت عليهم وبسببهم وبدعم إسرائيلي طبعًا حربان أهليتان في لبنان والأردن. وبسبب هذا الكيان المعاكس للتاريخ والجغرافيا والمنطق دعمت دوليًا ديكتاتوريات حكمت المنطقة بالحديد والنار لعقود. انقلابات جرت في العالم العربي لأجل فلسطين كانقلاب الزعيم في سوريا الذي كان رد فعل على هزيمة العرب في حرب 48، وتدخلات دول عربية بأخرى تم تبريرها لأجل فلسطين، صدام حسين اشترط انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967 لكي ينسحب من الكويت!
دبرت الولايات المتحدة بالتعاون مع بريطانيا انقلابًا على رئيس إيراني منتخب هو محمد مصدق، وأعادت الشاه للحكم الذي حكم الشعب الإيراني بالحديد والنار من خلال جهاز الشاباك، ولم تكتف بذلك طبعًا، بل دعمت نصف مجنون مثل صدام حسين في شن حرب ظالمة ضد الأمة الإيرانية خلفت مليون قتيل وبلدين مدمرين على جانبي الحدود.
ولعل من أكبر خطايا إسرائيل على الإطلاق، أنه بسبب وجودها ابتلينا بمحور مرتزقة إقليمية اسمه محور المقاومة، ولأن هناك قضية فلسطينية أشرفت وتشرف الولايات المتحدة على استمرارها وحماية المجرمين فيها، استطاعت إيران اختراق العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه. من قال إن المظلوم لا يتحول إلى ظالم ومصاص دماء؟ إيران تقود اليوم ميليشيات تعيث فسادًا في بلدين عربيين وقتلت من العرب أضعاف ما فعلت إسرائيل، عدا عن رعايتها لتجنيد مرتزقة فقراء لا يجدون قوت يومهم من أفغانستان ليقاتلوا شعب سوريا.
ولا يعني هذا بطبيعة الحال أن نرمي كل أخطائنا ومصائبنا على الشماعة الأمريكية، أو أن كوارثنا لم تكن لتوجد لولا أمريكا، فهناك استعمار وقابلية للاستعمار كما يحاجج مالك بن نبي، ولكنه يعني أن مشكلاتنا كانت ممكنة الحل لولا هذه الظروف الدولية التي فرضت علينا.
كما أن شعوب المنطقة ليست مسؤولة عن احتلال العراق، الذي حركته دوافع مختلفة ليس أقلها الحقد والكراهية والجنون، الاحتلال الذي دمر بلدًا كاملًا كان يعيش المجاعة -بفضل رئيسه المقاوم طبعا صدام حسين- لم يجد باراك أوباما من سبب يدعو للاعتذار للشعب العراقي عنه، بل للشعب الأمريكي الذي وعده أنه سينفذ الانسحاب من العراق بأي ثمن، وهو ما كان.
مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة بإداراتها المتعاقبة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن دمار بلادنا، ولكن بكل تأكيد من الصعب أن يفوق التأثير التدميري لأي رئيس أمريكي ما فعله أوباما، سلم العراق لإيران لتأمين انسحاب “سلس” للقوات الأمريكية من هناك، وهذا الانسحاب “السلس” يعني تدخل أوباما شخصيًا بتنسيق مع إيران لإبطال نتائج الانتخابات العراقية التي أدت لفوز إياد علاوي وهو شيعي ليبرالي مدعوم من السنة والتمديد للمالكي الطائفي لولاية ثانية، وهو ما أسهم بابتعاد السنة عن العملية السياسية برمتها وتوجههم أكثر إلى أحضان تنظيم الدولة الإسلامية.
ذات الأمر تكرر في سوريا، حين أطلق أوباما يد إيران في سوريا ومارس أقصى ما يستطيع من ضغوطات على “حلفائه” لكيلا يدعموا الثورة بتسليح نوعي قادر على قلب ميزان المعركة أو إنهائها، عدا طبعًا عن تراجعه عن معاقبة الأسد لاستخدام الكيماوي، وهو أمر مايزال يتفاخر به حتى اليوم، ومما لا شك فيه أن أوباما فعل كل ذلك بغية إنجاح الاتفاق النووي.
الاتفاق النووي الإيراني هو اتفاق حقير صاغه شخص حقير مسؤول مباشرة عن كل هذا العفن العالمي، بما فيه وجود ترامب في السلطة اليوم، اسمه باراك أوباما، ومفاده أن الغرب قرر إلقاء القنبلة الإيرانية التي رباها وضخمها بنفسه بوجه العرب كما ألقى بوجوهنا سابقا القنبلة اليهودية، والموقف الأوروبي من الاتفاق هو أشد حقارة طبعًا، إذ ما معنى أن تدافع عن اتفاق يتيح للحرس الثوري مئة مليار دولار إضافية، وأنت ترى ماذا تفعل هذه الميليشيا في سوريا والعراق وحجم المأساة التي سببها النظام الإيراني في المشرق العربي؟
بغض النظر عن قناعتي من أن الولايات المتحدة لن تحارب إيران لا في سوريا ولا في العراق، وإلا لما هددت الجيش الحر إن هو هاجم قوات الأسد في البادية السورية، إلا أنه من الأشياء الصحيحة النادرة التي فعلها ترامب بعد قصفه قوات الأسد هو بدء تقويضه لهذا الاتفاق.