عنب بلدي – علي بهلول
حظي العديد من الأطفال السوريين بشهرة واسعة في بدايات الحراك الشعبي، مثل “نسمة الثورة”، الطفلة الحلبية التي قادت العديد من المظاهرات وردد المحتجّون معها هتافات الثورة وأغانيها.
إلا أن هذه الشهرة الشعبية سرعان ما أخذت طابعًا إعلاميًا تغلب عليه إما الدعاية السياسية أو التجارية، ما أدى إلى اصطفاف الجمهور بين مؤيد لهذه الظاهرة ومعارض لها.
أطفال أمثال إيلان الكردي، وعمران دقنيش، وبانا العابد، باتوا اليوم تحت الأضواء، وأكبرهم لم يتجاوز ثماني سنوات من عمره، وبعضهم باتت صورته خارج نطاق تحكمه وإرادته بعد أن تحولوا إلى رموز عالمية.
برواز الدعاية السياسية
الطبيب النفسي جلال نوفل قال لعنب بلدي إن من شروط أخذ الصور هو الحصول على موافقة أصحابها، وغالبًا ما لا تتوافر هذه الموافقة لدى الجهة الناشرة للصورة، واستنادًا إلى هذا المبدأ يمكننا القول إن هؤلاء الأطفال تعرضوا “للاستغلال” وسوء التعامل.
ويضيف نوفل، أنه سواء كانت نتائج هذه الصور خطيرة أم لم تكن، فإن “يونيسف” وضعت ضوابط لتصوير الأطفال غالبًا لم يتم الالتزام بها، سواء أثناء مساعدة هؤلاء الأطفال، أو أثناء تسليط الضوء على النقاط الإيجابية لديهم.
أطفال مثل إيلان الكردي، الذي وُجد غارقًا على أحد الشواطئ التركية أيلول 2015، أثناء محاولة عائلته اللجوء إلى أوروبا ضمن موجات الفرار من سوريا تحت ضغط الحرب، لا يمكن الوقوف على رغبته بعرض صوره من عدمها، لا من حيث عمره وتكوّن الإدراك لديه، ولا من حيث أنه تعرض لأشد أنواع الضرر بفقدانه حياته.
لكن أطفالًا آخرين مازالوا على قيد الحياة مثل عمران دقنيش، الذي انتشرت صورته في سيارة إسعاف بحلب بعد غارة جوية استهدفت منزله آب 2016، وكان يمسح وجهه المذهول المليء بالدماء والتراب، ما أثار تعاطفًا عالميًا معه.
وبالرغم من أهمية صورة عمران لتوثيق عنف النظام وحلفائه ضد المدنيين، إلا أنه سرعان ما استخدم في الدعاية السياسية بعد سيطرة النظام على أحياء حلب الشرقية، وظهوره على وسائل إعلام موالية برفقة والده ليدعم خطاب النظام.
برواز الدعاية التجارية
الطفل عمران استخدمته أيضًا شركة زين الكويتية للاتصالات في إعلان لها لمكافحة الإرهاب، خالطة ضحايا تنظيم “الدولة الإسلامية” بضحايا النظام السوري، وإن كان عدد من المتابعين للشأن السوري لا يجدون فرقًا بين الجهتين، إلا أنه ومع التوجه الدولي لدعم الأسد فإنه من الواجب أن تنسب الجريمة لصاحبها دون أي مواربة.
الدكتور نوفل قال “كلما كان الطفل غير راضٍ عن صورته التي روجها الإعلام، كلما كانت هذه الصورة تملك أثرًا قويًا بتذكيره بحدث سيئ، مثل صورة الطفل عمران، التي قد توحي له كلما رآها مستقبلًا بأنه شخص مذهول وعاجز بشدة، فبالرغم من أهمية الصورة للتوثيق إلا أنها كانت سيئة بالمعنى الأخلاقي والإنساني”.
كذلك حازت الطفلة بانا العابد على شهرة عالمية واسعة بسبب تغريداتها عبر “تويتر” أثناء حصار حلب الشرقية، واقتحامها من قبل قوات النظام وحلفائه، لكنها فاجأت العالم بنشرها لكتاب يحمل عنوان “العالم العزيز” نشرته دار “سيمون وشستر” الأمريكية، وأقامت حفل توقيع لكتابها في كلية الحقوق بنيويورك، وهي لم تتجاوز الثامنة من عمرها.
لا يمكن دراسة الأطفال بصورة واحدة
الدكتور نوفل قال إنه لابد من التركيز على كيفية إحاطة كل طفل بالرعاية، وكيفية تعامل محيطه مع شهرته، لنحاول إما دعمه في حال وجود آثار سلبية، وإما أن نسعى لتعزيز النقاط الإيجابية مع تشذيب الموضوع.
ونوّه الطبيب النفسي إلى ضرورة التعامل مع هذا الأمر وفقًا للحالة الفردية لكل طفل، إذ تختلف الآثار الإيجابية والسلبية تبعًا للشبكة الاجتماعية الداعمة للطفل، ولمدى الإساءة التي احتوت عليه صوره المنشورة، سواء كانت هذه الصور تظهره كبطل أو كضحية، والوضعيات التي وضع فيها الطفل سواء لأغراض تفيد الأكبر سنًا منه، أو تفيد بفضح أحد الأطراف.
وأشار الدكتور أيضًا إلى الصور التي تظهر الأطفال مع السلاح، واصفًا إياها بجريمة الحرب، معتبرًا هذه الصور أنها أسوأ ما تم تداوله للترويج للعمل العسكري.
وبحسب بعض العائلات السورية، الذين استطلعت جريدة عنب بلدي آراءهم، فإنهم فضلوا التمهل قليلًا والحذر في الحكم على الأطفال المشاهير، لا سيما وأن الحياة تمتد أمامهم، ما يمنحهم فرصة للتعبير أكثر عن رغباتهم، وقد تكون الفرص التي حصلوا عليها اليوم بداية لحياة هانئة لم يوفق بها أهلهم.