بعد اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في شباط من العام 1999 وحتى العام 2003، شاعت حالة من الإحباط بين القواعد الشعبية للحزب، والذي مرّ ذراعه السوري بحالة من الشلل التنظيمي، وخاصة إثر تدهور العلاقات مع النظام السوري في عهد بشار الأسد.
تقلص الحزب شعبيًا وتنظيميًا خلال السنوات الأربع الأولى من الألفية الجديدة بشكل كبير، وانحسر وجوده في معقله الرئيسي (جبال قنديل في العراق). وأدت المراجعات التي تمت في المقر الجبلي إلى تبني استراتيجية جديدة، تقوم على تقسيم ساحات العمل السياسي، فتم الإعلان عن تأسيس ثلاثة أحزاب جديدة، هي حزب” الحياة الكردستاني” في إيران، حزب” الحل الديمقراطي” في العراق، وحزب ”الاتحاد الديمقراطي“ في سوريا.
واجه الحزب الوليد في سوريا انشقاقًا مبكرًا، وشهد عمليات تصفية طالت عددًا من القياديين على جانبي الانشقاق، قبل أن يعيد الحزب تشكيل نفسه مجددًا في العام 2004، متبنيًا ما وصفه بـ “النضال الديمقراطي السلمي” في سوريا. لكن الحزب واجه صعوبات في إعادة تنشيط الشبكة الاجتماعية التي كانت مرتبطة سابقًا بحزب ”العمال الكردستاني“، لأن الكثير منهم أصبح خارج هذه الدائرة، وبعضهم انخرط في أحزاب كردية سورية. وبسبب حداثة عهد الحزب في العمل السياسي، فإنه واجه أيضًا ممانعة من بقية الأحزاب المحلية، لذلك لم ينل الاعتراف كمكون في الحركة السياسية الكردية السورية إلا بعد عام 2006، حين انخرط في تنظيم فعاليات كردية على أساس قومي.
عاد الحزب شيئًا فشيئًا إلى لملمة أوراقه، دون أن يمضي في خيار المواجهة الكاملة مع النظام السوري، معتمدًا على مواصلة الاستعداد لحدوث تحول جذري في البلاد استنادًا للظروف المحلية والإقليمية والدولية المتغيرة في المنطقة، إلى أن اندلعت الثورة السورية في آذار من العام 2011، حينها بدأ الحزب مرحلة جديدة في تاريخه، أسفرت عن سيطرته على مناطق في شمال وشمال شرقي البلاد، متحولًا بذلك إلى تنظيم بأذرع سياسية وأمنية وعسكرية ومؤسسات خدمية.
“PYD” والإدارة الذاتية
من نسخة حزبية عابرة للحدود إلى ”سلطة أمر واقع“ في سوريا
لم تكن فكرة الحكم الذاتي بعيدة عن حزب “الاتحاد الديمقراطي” قبل الثورة السورية، إذ دعا في البيان الختامي للمؤتمر الثاني الطارئ للحزب عام 2005 إلى ”حث الدولة على سلوك التغيير“ والانتقال إلى النظام الكونفدرالي الديمقراطي.
وجد الحزب في انطلاق الثورة السورية فرصة لتنفيذ أهدافه السابقة، وبدأ مسيرته بإعلان مجلس ”غرب كردستان“ نهاية عام 2011، مشكلًا بذلك جسدًا سياسيًا منافسًا لـ ”المجلس الوطني الكردي“ الذي بدأ بتنظيم صفوفه وعقد مؤتمراته التأسيسية.
انضم ”مجلس غرب كردستان“ إلى ”حركة المجتمع الديمقراطي” (TEV-DEM) ودخل في تفاوض مع المجلس الوطني الكردي، وتم بالفعل الاتفاق على تشكيل ”الهيئة الكردية العليا“ في تموز 2012، لكن الخلافات مع ”المجلس الوطني الكردي أدت إلى إعلان الحزب الإدارة الذاتية من طرف واحد في 11 تشرين الثاني 2012.
في صيف عام 2013 أعلن ”مجلس غرب كردستان“ عن ”مسودة دستور الحكومة المؤقتة لغربي كردستان”، بينما جاء الإعلان الأول عن ”الإدارة الذاتية المدنية“ في تشرين الثاني من العام ذاته تحت اسم ”الإدارة المدنية الانتقالية لمناطق غرب كردستان“، أما الإعلان الرسمي عن الإدارة الذاتية فلم يصدر حتى بداية عام 2014.
وتشمل مناطق الإدارة الذاتية ريفي القامشلي والحسكة وبعض قرى ريف الرقة وريف دير الزور ومنطقة عفرين في شمال حلب، إضافة إلى أجزاء من مدينتي القامشلي والحسكة اللتين يتمركز النظام في أجزاء منهما.
كما تتبع للإدارة الذاتية 22 هيئة تشمل قطاعات مختلفة من الدفاع إلى الشؤون الدينية، فضلًا عن ”قوات سوريا الديمقراطية“ (الذراع العسكري لـ PYD)، و”قوات الأمن الداخلي“ (أسايش)، و“قوات حماية المرأة“ (YPJ).
”ديمقراطية“ الحزب ”المرفوضة“
يرى حزب ”الاتحاد الديمقراطي“ أن عملية التغيير الديمقراطي هي الأساس في حل ”القضية الكردية“ في سوريا، من مبدأ أن ”نموذج الدولة القومية وعقلية المجتمع القومي الواحد“ ما عادا مجديَين.
مستشار الرئاسة المشتركة لـ “PYD”، سيهانوك ديبو، اعتبر في لقاء مع عنب بلدي أن فكرة الدولة الوطنية في سوريا لم تثبت نجاحها، وذلك بسبب التباعد بين مكونات المجتمع المختلفة، لافتًا إلى أن تجربة الفيدرالية التي طبقها PYD تعد ناجحة بالاستناد إلى تجارب عدة، مثل الإمارات العربية المتحدة، وسينغافورا، وغيرها، وهي ضرورية لجمع المكونات المختلفة في سوريا.
والفيدرالية التي أعلنها الحزب تختلف عن الفيدرالية التي يتبناها ”المجلس الوطني الكردي“ في أدبياته، إذ يرى الأخير أن ”الفيدرالية السياسية“ هي الشكل الأفضل لحكم الدولة، وأن ”إقليم كردستان سوريا هو وحدة سياسية وقانونية متصلة جغرافيًا ضمن الدولة السورية“.
كما يذهب المجلس الوطني إلى رفض فيدرالية حزب ”الاتحاد الديمقراطي”، معتبرًا أن “تفرّد الأخير بالإعلان عن (الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا) من طرف واحد، وبعيدًا عن الخصوصية القومية والجغرافية في كردستان سوريا، “سيلحق الضرر الأكبر بالنضال القومي والوطني ويبعد شعبنا الكردي عن تطلعاته القومية والوطنية المنشودة“.
وكما لاقى إعلان فيدرالية PYD انتقادات كبيرة من المعارضة السورية والنظام والمجلس الوطني الكردي، لم يكن مريحًا بالنسبة للتيارات السياسية المعارضة المقربة من الحزب (هيئة التنسيق الوطنية، وتيار قمح).
وكان المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية، حسن عبد العظيم، قال في حوار نشره موقع الهيئة في آب 2013 إنه أبلغ حزب ”الاتحاد“ ضرورة ”عدم القيام بأي إجراء يمس بوحدة البلاد أرضًا وشعبًا“.
النظام وPYD.. تنسيق أم حفاظ على المؤسسات؟
تتهم المعارضة السورية وناشطون كرد حزب PYD بأنه يمتلك علاقات قوية مع النظام السوري، وتصل هذه الاتهامات حد التأكيد على أن الحزب يحمي مصالح النظام السوري في الشمال الشرقي حيث تتركز مناطق انتشار الإدارة المدنية و”قوات سوريا الديمقراطية“.
ولعل الاستدلال على هذه العلاقة يتم من خلال ”مؤشرات إدارية وعسكرية وأمنية“، كون بعض مؤسسات النظام ماتزال موجودة في محافظة الحسكة إلى جانب مؤسسات الإدارة الذاتية، فضلًا عن انتشار عناصر من قوات الأسد وميليشيا ”الدفاع الوطني“ في الحسكة والقامشلي دون أن يكون هناك صدام مع “قوات سوريا الديمقراطية“ وقوات ”أسايش“ (الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية).
لكن سيهانوك ديبو، مستشار الرئاسة المشتركة لـ PYD ينفي هذا التنسيق، معتبرًا أن تعامل الحزب مع المؤسسات الموجودة في الحسكة يأتي في إطار الحفاظ على مصالح السكان، مشيرًا إلى أن مطار القامشلي الذي يسيطر عليه النظام السوري هو منفذ مهم للمدينة.
من جانبه يذهب المجلس الوطني إلى التشديد على العلاقات بين النظام وPYD، إذ يشير فؤاد عليكو، ممثل المجلس الوطني الكردي وعضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني المعارض، إلى أن حزب ”الاتحاد الديمقراطي“ لم يشارك في الثورة، ونسق مع النظام، كما يصف سلطة الحزب بأنها ”سلطة وكالة“، معتبرًا أن تسليمًا واستلامًا ممنهجين في المدن ذات الغالبية الكردية كعفرين وعامودا والدرباسية ورأس العين تم بين النظام وPYD، حيث بقي النظام في النقاط المهمة في القامشلي والحسكة ”وهذا نتيجة اتفاق وتوافق“.
تحالفات ”جزئية“ مع ”المعارضة“
لم تكن العلاقات بين المعارضة السورية وحزب الاتحاد جيدة يومًا، بل شابها الكثير من الاتهامات بين الطرفين، ووصلت إلى اعتبار الائتلاف الوطني المعارض أن PYD ”تنظيم إرهابي“.
ولعل الاشتباكات المتكررة بين فصائل المعارضة و”قوات سوريا الديمقراطية” وعلى رأسها ”وحدات حماية الشعب“ تشكل دليلًا على حالة العداء بين الطرفين.
وعلى الرغم من ذلك تمكن الحزب من عقد تحالفات من شأنها أن تبقيه في خانة ”المعارضة“، وإن كانت هذه التحالفات تمت مع تيارات متهمة هي أيضًا بالميل إلى القبول بالنظام وفق حل سياسي، وبعيدة عن التمسك بثوابت ”الائتلاف الوطني“ و“الهيئة العليا للمفاوضات“، كجسمين رئيسيين يمثلان المعارضة السياسية، لكن هذه التحالفات سواء مع ”هيئة التنسيق الوطنية“ أو ”تيار قمح“ لم تتسم بالثبات أيضًا ولم يكتب لها الاستمرار.
علاقة ”شائكة“ مع المجلس الوطني
يقترب “المجلس الوطني الكردي” من المعارضة السورية ويشارك كممثل عن الكرد ومنادٍ بحقوقهم في سوريا، فيما يؤكد سيهانوك ديبو، مستشار الرئاسة المشتركة لحزب PYD، في لقاء مع عنب بلدي أنهم ”تيار ثالث“، بمعنى أنهم غير محسوبين على المعارضة أو على النظام.
وبينما يستمر المجلس في محاولة تصنيف الحزب في الخانة المقربة من النظام، تمارس الإدارة الذاتية التابعة للحزب ضغوطات كبيرة على أعضاء المجلس الوطني الكردي وأعماله في مناطقها.
وهذه الضغوطات تتمثل في الاعتقالات المتكررة وإغلاق مقار المجلس، وبحسب فؤاد عليكو فإن مكاتب المجلس الوطني التي يصل عددها إلى 70 جميعها مغلقة، الأمر الذي يبرره سيهانوك ديبو بأنه نتيجة عدم ترخيص هذه المكاتب، ما يجعلها مخالفة للقوانين، وهذا الأمر يستدعي اعتقال بعض أعضاء أو أنصار الحزب، بحسب ديبو، الذي أكد أنه في الوقت الحالي لا يوجد معتقلون للحزب في سجون الإدارة الذاتية.
التضييق الأمني في مناطق الإدارة.. ”انتهاكات“ أم ”فرض نظام“؟
ترصد تقارير إعلامية وحقوقية ”الانتهاكات“ الممارسة من PYD، سواء ضد المدنيين، من “تهجير السكان، وتقييد حرية الإعلام، واعتقالات، وتجنيد إجباري“، أو ضد المجلس الوطني باعتباره جسمًا سياسيًا مخالفًا للحزب على المستوى الأيديولوجي وعلى مستوى الأدوات.
لكن الحزب يؤكد أن هذه الاتهامات غير صحيحة، ويشير بالمقابل إلى مستوى جيد من ”الديمقراطية“ التي يتخذ منها عنوانًا عريضًا لرؤيته السياسية، وتجسدها الانتخابات التي تقام في مناطق الإدارة الذاتية وآخرها انتخابات ”الكومينات“ (مجالس الأحياء)، والتي تمت في نهاية أيلول الماضي.
سيهانوك ديبو أكد لعنب بلدي أن نسب المشاركة في هذه الانتخابات كانت جيدة، لافتًا إلى أن جميع المكونات التي تضمها مناطق الإدارة، كالعرب والسريان، شاركت وأدلت بأصواتها في الانتخابات، نافيًا وجود أي ضغط على السكان للمشاركة.
بينما يقول الصحفي في ”مركز راصد الشمال السوري“ (NOS)، ضرار خطاب، إن مركزهم، المتخصص بإنجاز تقارير دورية عن الوضع في الشمال السوري بما فيها مناطق الإدارة الذاتية، لم يسجل حالات ضغط على الأهالي بشكل مباشر في الانتخابات الأخيرة، مضيفًا أن الإدارة ”أجبرت الأهالي على الانتخاب بشكل غير مباشر، إذ إن مجالس الأحياء، أو ما تعرف لديهم بالكومينات هي المسؤولة في كل حي أو قرية عن بعض الخدمات الأساسية بالنسبة للسكان، حيث لا يمكن لابن القرية الواقعة تحت سيطرة مسلحي PYD أن يجري أي معاملة رسمية إلا عن طريق الكومين“.
كما أشار ضرار إلى أن ”الكومين هو المسؤول عن توزيع المازوت في الشتاء والمعونات على المدنيين، وخلال الانتخابات، وجهت سلطات الحزب إنذارًا إلى جميع السكان في مناطق سيطرتها، مفاده أن المنطقة التي لا تشارك في الانتخابات، لن يتم تعيين كومين فيها، وبالتالي لن تحصل على أي نوع من الخدمات“.
على الصعيد الإعلامي، فإن الناشطين الصحفيين في مناطق الإدارة الذاتية يجب أن يمتلكوا تراخيص من مديرية الإعلام التابعة للإدارة الذاتية، والتي أعلنت في صيف عام 2015، عن ضرورة التعاون مع الصحفيين، وطالبت المؤسسات كافة بعدم التمييز بين الصحفيين أو تجاهلهم، داعيةً ”جميع الصحفيين والإعلاميين إلى توثيق أي انتهاك لدى مديرية الإعلام كتابيًا خلال يومين من حدوثه“.
لكن الأمر لم يكن بتلك الإيجابية، إذ لم يمض شهر على التعميم حتى ألغت الإدارة الذاتية تراخيص قناتي ”روداو“ و“أورينت“ بحجة أنهما ”تحرضان على ممارسة العنف والفوضى وتأليب مكونات سورية على أخرى بناء على نشر أفكار عنصرية وشوفينية“، كما منعت قنوات وصحفًا عدة من الحصول على تراخيص للعمل في الحسكة أو عفرين.
ويرى خطاب أن ”السلطة الحاكمة في مناطق الإدارة الذاتية ترفض أي وجود لصحفيين لا يتوافقون مع سياستها ويتناولون الانتهاكات التي ترتكبها القوى العسكرية التابعة لها“. على صعيد آخر، يشار إلى حزب PYD على أنه نفذ حملات تهجير لقرى عربية عدة، ويقول الصحفي في ”مركز الراصد السوري“ إنه ”لا أرقام دقيقة عن أعداد المهجرين من المناطق التي سيطر عليها مسلحو PYD“، لافتًا إلى وجود مناطق عدة تم ”تهجير سكانها على أساس عرقي، ومنها أكثر من 25 قرية في منطقة جزعة بريف الحسكة الشرقي، تم تجريف منازلها وتجهير عشرات الآلاف من سكانها إلى المخيمات أو إلى تركيا، وقرى بريف حلب تابعة لمنطقة صرين أيضًا، بينها قرية سبت، التي تم بناء مطار عسكري أمريكي بالقرب منها، ومنع أهلها من العودة إليها“.
نبذة عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)
تشكلت في 10 تشرين الأول عام 2015 في مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، من تحالف عسكري يضم قوات كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية، أبرزها “وحدات حماية الشعب” (ypg)، العمود الفقري لها.
حددت أهدافها العسكرية بطرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من كافة المناطق التي يسيطر عليها في منطقة الجزيرة السورية، وعرفت نفسها بأنها “قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين تجمع الكرد والعرب والسريان، وكافة المكونات الأخرى”.
ينضوي فيها كل من “جيش الثوار”، “غرفة عمليات بركان الفرات”، “قوات الصناديد”، “ألوية الجزيرة”، “المجلس السرياني”، “وحدات حماية المرأة”، إلى جانب “وحدات حماية الشعب”.
استطاعت بعد تشكيلها بأشهر تحقيق تقدم نوعي في محافظة الحسكة بسيطرتها على بلدة الهول وطرد تنظيم “الدولة” منها، لتنتقل بعدها إلى مدينة الرقة وريف حلب، خاصةً في مدينتي تل أبيض و”كوباني”.
تتلقى دعمًا أمريكًيًا بشكل أساسي، يتمثل بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، بالإضافة إلى المدرعات والمصفحات التي استلمتها مؤخرًا قبل البدء بعملية السيطرة على مدينة الرقة، إلى جانب الاستشارات العسكرية من قبل ضباط يديرون العمليات العسكرية على الأرض.
لا توجد إحصائيات رسمية بأعداد مقاتلي “قسد”، إلا أن تقارير صادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية قالت إن عدد المقاتلين يصل إلى 45 ألف مقاتل، بينهم خمسة آلاف من المقاتلين العرب.
مطلع حزيران 2017 الجاري أعلنت “قسد” مشاركة عدة جهات عسكرية في معركة الرقة إلى جانبها، منها “جبهة الأكراد”، “لواء الشمال الديمقراطي”، “قوات العشائر”، “لواء مغاوير حمص”، إضافةً إلى “صقور الرقة”، “لواء التحرير”، “لواء السلاجقة”، “مجلس منبج العسكري”، “مجلس دير الزور العسكري”، “قوات النخبة”، “قوات الحماية الذاتية”، “مجلس الرقة المدني”، “مجلس سوريا الديمقراطية”، و”وجهاء ورؤساء عشائر المنطقة”.
الموارد المالية للإدارة الذاتية..
شحّ يعوضه النفط المتسرب من قنوات خفية
لا يختلف الحال بالنسبة لمناطق الإدارة الذاتية عن باقي المناطق السورية من حيث صعوبة استثمار الموارد المتاحة، لكن المختلف في الأمر أن الإدارة الذاتية طرحت في بداية تأسيسها شعارات كبيرة، مثل ”التنمية الشاملة العادلة والاستدامة المرتكزة على تطوير القدرات العلمية والتكنولوجية“، وهو الأمر الذي يبدو صعب التحقيق على الأقل بالنظر إلى الأوضاع الأمنية، إذ تحتاج مثل هذه الشعارات الاستراتيجية بدايةً إلى استقرار حدود السيطرة والانتشار، وهو ما لم يتمكن حزب PYD من تحصيله حتى الآن.
من المعروف عن محافظة الحسكة، التي تسيطر الإدارة الذاتية على معظم مساحاتها، أنها السلة الغذائية لسوريا، وذلك لكثرة المحاصيل التي تنتجها وأهميتها (القطن والقمح)، كما تضم المحافظة مجموعة من آبار النفط المهمة، أما عفرين في شمال حلب، والتي تعد إحدى ”مقاطعات“ الإدارة الذاتية، فهي منطقة غنية بالموارد الزراعية.
لكن الإدارة الذاتية بدت منذ تشكلها عام 2012 وحتى الآن عاجزة عن الاستثمار في القطاعات الأهم والاعتماد عليها لسد احتياجات المناطق التابعة لها، والمؤسسات المشغلة للآلاف، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية المتمثلة بـ “قوات سوريا الديمقراطية”.
وبحسب تصريحات منشورة على موقع ”مونيتور“ لنائب رئيس الهيئة لاقتصادية التابعة للإدارة الذاتية، جمال حمو، يصل عدد الموظفين في مؤسسات الإدارة الذاتية إلى 3700.
القمح.. تجارة خاسرة في ظل السلطتين
تراجع إنتاج القمح في الحسكة من نحو 1.8 مليون طن سنويًا، إلى أقل من نصف مليون خلال العام 2015، وفق الأرقام الصادرة عن هيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية، وعلى الرغم من صعوبات زراعة القمح المتمثلة في نقص المحروقات المشغلة للآلات الزراعية إلى جانب التوتر الأمني المستمر، إلا أن السياسات المتبعة من قبل الإدارة الذاتية والنظام، أضافت عبئًا على المزارعين الذين باتوا يخسرون في بيع محاصيلهم أكثر مما يربحون.
في تحقيق سابق لعنب بلدي بعنوان ”المجاعة المؤجلة“ تم تسليط الضوء على أبرز مشكلات زراعة القمح في الحسكة، حيث تلجأ قوات حزب الاتحاد الديمقراطي إلى فرض غرامات وأتاوات على المزارعين، وترغمهم على دفع مبالغ مالية مقابل زراعة محاصيل القمح والكزبرة وغيرها.
النظام أيضًا يمنع المواطنين من التصرف بمحاصيلهم، وخاصة القمح والشعير، ويجبرهم على تسليمها لفروع مؤسسة الحبوب وبالسعر الذي أعلن عنه، وتصرف فواتير القمح من المصارف الحكومية التي ماتزال تفتح أبوابها في القامشلي، وهي المصرف التجاري السوري، والزراعي، والتسليف الشعبي.
واستمر هذا الحال في إنهاك المزارعين لمدة أربعة أعوام قبل أن تدخل الإدارة الذاتية على خط شراء القمح، ربيع العام الجاري، لتكون منافسًا للنظام، وفق خطة لشراء 200 ألف طن قمح، الأمر الذي من شأنه أن يحقق الاكتفاء الذاتي من القمح.
لكن الفلاحين لم يكونوا راضين بما فيه الكفاية عن التوجه الجديد للإدارة فيما يخص القمح، وسط حديث عن إجبارها المزارعين على بيعها القمح وبسعر أقل من سعر شرائه لدى النظام.
كما تحدثت تقارير صحفية عن تهريب القمح إلى العراق للمتاجرة به، الأمر الذي تنفيه الإدارة الذاتية مرارًا.
النفط وخطوط التصريف ”المنفية”
تشرف “قوات سوريا الديمقراطية”، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، على حقول رميلان منذ عام 2013، بعد أن تراجع إنتاج هذه الحقول من 9 ملايين و384 ألف متر مكعب خلال عام 2010، إلى نحو 800 ألف متر مكعب من النفط الخام خلال 2013.
”قوات سوريا الديمقراطية” لم تتمكن من تحسين مستويات إنتاج النفط من حقول رميلان بشكل كبير، رغم كون الإدارة الذاتية تعتمد على النفط كأحد أهم مواردها الاقتصادية بحسب الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، بدر ملا رشيد، الذي أكد في لقاء مع عنب بلدي أن الأسباب الأمنية والاشتباكات المتكررة في محيط منطقة الرميلان حالت دون تحسين الإنتاج.
الباحث رشيد أشار إلى أن تضرر أنابيب النفط الواصلة إلى المصافي الرئيسية في سوريا حال دون تحسين مستويات الإنتاج، إضافة إلى عدم وجود قطع غيار لحفارات النفط المتضررة، ما أدى إلى تراجع الإنتاج اليومي منها من 150 ألف برميل نفط إلى 10 آلاف برميل.
وتحدث رشيد عن التقارير المتعلقة بتقاسم نفط رميلان بين “قوات سوريا الديمقراطية” والنظام السوري، إلا أنه أكد أن النسب المذكورة فيها ليست دقيقة بالضرورة.
ووفق تقارير إعلامية، فإن PYD يصرف النفط الناتج عن حقول رميلان عبر ثلاثة منافذ، الأول عبر البيع في السوق المحلية، والآخر إلى الساحل السوري عبر أراضي تنظيم ”الدولة“ وبمساعدة تجار وسماسرة، والثالث هو طرق التهريب إلى إقليم كردستان العراق.
لكن حزب الاتحاد الديمقراطي ينفي أيضًا تهريب النفط، كما ينفي التقارير حول تقاسم عائدات النفط بين الحزب والنظام.
”ضريبة تسند جرة“
يرى الباحث بدر ملا رشيد أن للضرائب التي تجبيها الإدارة الذاتية دورًا في دعم ماليتها، سواء كانت هذه الضرائب على البضائع المنقولة عبر معبر ”سيمالكا“ مع العراق، أو على السكان بشكل عام.
وكانت عنب بلدي رصدت في تقارير عدة حالات فرض ضرائب على المدنيين في الحسكة، التي ولدت نوعًا من الامتعاض نتيجة ارتفاع نسب الضرائب بالمقارنة مع الدخل.
أكثر هذه الضرائب ارتفاعًا كانت تلك المفروضة على الاتصالات، وذلك كون رواتب موظفي الاتصالات تدفع من ضرائب المستخدمين، وفق القرار الذي أصدره محافظ الحسكة ومدير الاتصالات عام 2014، القاضي بزيادة قيمة فواتير المواطنين تلقائيًا حتى لو لم يستعملوا الهاتف، وفرض ضرائب إضافية عليهم لتتمكن المديرية من تغطية رواتب العاملين فيها.
قوانين الإدارة الذاتية..
تغييرات مجتمعية وإنهاك اقتصادي
أصدرت الإدارة الذاتية منذ تأسيسها وحتى اليوم جملة من القوانين المحدثة، التي من المفترض أنها ”تتناسب مع الدولة الديمقراطية“، وفق رؤية حزب الاتحاد الديمقراطي، لكن أغلب هذه القوانين كانت مثيرة للجدل، خاصةً ما يتعلق منها بالمرأة والضرائب والتجنيد الإجباري.
مساحة الجدل حول قوانين الإدارة الذاتية الجديدة تركزت حول مدى تناسبها والشريعة الإسلامية من جهة، مع الإشارة إلى كون الغالبية العظمى من سكان الحسكة وعفرين من المسلمين، ومن جهة أخرى سرعة تطبيقها وعدم استعداد المجتمع لها.
وعلى الرغم من الحديث عن ضعف التقبل الشعبي لبعض هذه القوانين، إلا أن سيهانوك ديبو، مستشار الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي أكّد لعنب بلدي أن قبول هذه القوانين كان واسعًا في مناطق تطبيقها، خاصة أن ”المجتمع الكردي أكثر انفتاحًا بالمقارنة مع باقي المجتمعات في سوريا“.
قوانين المرأة.. ”لا تعدد زوجات ولا مهر“
في عام 2014 أصدرت الإدارة الذاتية (مقاطعة الجزيرة) مرسوم رقم /22/ الذي يساوي بين المرأة والرجل “في كافة جوانب الحياة السياسة والاجتماعية“.
المثير للجدل في القرار هو البنود المتعلقة بالزواج، إذ منع تعدد الزوجات، وتم تسجيل حالات اعتقال لشبان أقدموا على الزواج مرة ثانية، اضطروا على إثرها لدفع غرامة وصلت إلى 500 ألف ليرة سورية، إضافة إلى إجبارهم على ترك الزوجة الجديدة.
ووفق الشريعة الإسلامية، فإن الرجل يستطيع أن يتزوج أربع نساء، لكن سيهانوك ديبو أكد لعنب بلدي أن الهدف من هذه القوانين ليس مخالفة الشريعة، بل إن الكثير من ”الفتاوى والاجتهادات تحرم تعدد الزوجات“.
القرار ألغى ”المهر باعتباره قيمة مادية هدفه استملاك المرأة ويحل محله مشاركة الطرفين في تأمين الحياة التشاركية”، إذ يجب على العروسين أن يدفعا المبلغ المادي ذاته لشراء مستلزمات المنزل ومستلزماتهما الشخصية بالتساوي.
وفي لقاء سابق لعنب بلدي مع المسؤولة في المكتب القانوني وعقود الزواج في بلدية القامشلي، ميادة أحمد، بررت قوانين الإدارة الذاتية المذكورة بقولها إن “عقد الحياة المشتركة بني على أساس قانون المرأة التي تعرضت للعديد من المشكلات السياسية والاجتماعية في مجتمعاتها، كما أنه صدر بناءً على مبادئ أساسية منها الترشح والمساواة بين شهادة الرجل وشهادة المرأة“.
وتعتبر المسؤولة، أن “مبدأ التشاركية في مؤسسات الإدارة الذاتية يتيح أيضًا رئاسة مشتركة بين الرجل والمرأة”، وهو ما تمثلّه الرئاسة المشتركة لـ “مجلس سوريا الديمقراطية”، التي تتقاسمها إلهام أحمد مع رياض درار.
ويمنع القانون تزويج الفتاة دون رضاها، أو إذا كانت قاصرًا، وتصل عقوبة تزويج الفتاة من دون رضاها إلى السجن من شهر إلى ثلاثة أشهر، إلى جانب غرامة مالية تتراوح بين 50 و100 ألف يدفعها الرجل،
كما يعاقب الرجل بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنة، مع غرامة مالية تتراوح بين 100 و300 ألف، في حال تم الادعاء من قبل المرأة بعد الزواج.
ضريبة الدخل.. أعباء إضافية على السكان
أقر “المجلس التشريعي في مقاطعة الجزيرة” التابع للإدارة الذاتية، ضريبة جديدة على المواطنين تحت مسمى ”ضريبة الدخل“، في أيلول 2016، ثم صادقت “الإدارة” عليها لتصبح قانونًا نافذًا في 15 حزيران الماضي، وهي ما رأى فيها السكان عبئًا يضاف إلى الأعباء المتمثلة في نقص فرص العمل وتراجع الموارد المالية للسكان، في حين تأتي هذه الضريبة كوسيلة لتخفيف الضغط الاقتصادي على الإدارة الذاتية.
وقُسم المشمولون بالقانون إلى تسع شرائح، بحسب الإيرادات التي تتقاضاها سنويًا، وتنقسم إلى موظفي “الإدارة الذاتية”، ثم المنظمات والمؤسسات المحلية والإقليمية والدولية، فأصحاب المهن الصغيرة، والحرفيين، والمصورين والتجار.
أما بحسب الدخل، فيقسم المكلفون إلى شريحتين، الأولى يتراوح دخلها سنويًا بين ليرة سورية واحدة ومليون و200 ألف ليرة سورية، وتكون الضريبة عليها ألف ليرة، أما الثانية من مليون و200 ألف حتى مليوني ليرة، تكون الضريبة عليها بنسبة 1%.
الضريبة قوبلت بكثير من الرفض بين السكان، إذ لم تفرق بين نازح ومقيم، كما أشار الباحث الاقتصادي، زانا عثمان خلال لقاء سابق مع عنب بلدي إلى أنه يجب على “الإدارة الذاتية” أن تملك المقومات لتفرض الضرائب، وهي سيادة الإدارة وإمكانية تطبيق نظام الضريبة على جميع المواطنين والشركات داخل أراضيها، وإمكانية جباية الضريبة من جميع المكلفين بأقل التكاليف، إضافة إلى إمكانية تحديد المكلفين في دفع الضرائب، متسائلًا ”كيف سيتم فرض ضرائب على شخص يبيع خضارًا على عربة؟”.
وأكد عثمان أن فرض الضرائب يجب أن يكون ضمن مجموعة قواعد ومبادئ مدروسة، وضمن خطة قابلة للتطبيق، وتستخدم المبالغ المحصّلة من الضرائب في مشاريع تنموية ومشاريع البنى التحتية، والتي تعود بالنفع العام على جميع المواطنين.
كابوس ”خدمة العلم“ لا يفارق شباب الحسكة
تتبنى الإدارة الذاتية الكردية في المنطقة الشرقية مشروع قانون يلزم الشباب بالانضمام إلى ”وحدات حماية الشعب“، وفق بنود ومواد تشابه إلى حد ما قانون التجنيد السوري.
ويشمل القانون تسع مواد، عرف من خلالها “واجب الدفاع الذاتي”، وهو “خدمة إلزامية يخضع لها الذكور ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة، وتتبع ”هيئة الدفاع في الإدارة الذاتية الديمقراطية”، معتبرًا أن “الدفاع الذاتي واجبًا اجتماعيًا وأخلاقيًا يشمل جميع المكونات الاجتماعية”.
ويشار إلى القانون على أنه سبب هجرة أغلب شباب الحسكة، في حين يضطر الكثير ممن تبقوا في المحافظة إلى الاختباء في منازلهم وتجنب الحركة، خوفًا من الملاحقة والتجنيد.
وتصف منظمات حقوقية سياسة التجنيد الإجباري في الحسكة بأنها ”انتهاكات فظيعة“ بحق المدنيين، وفي بيان وقعت عليه مجموعة من المؤسسات الحقوقية والإعلامية في الحسكة ونشرته في تموز الماضي، اعتبر الموقعون أن ”قانون التجنيد باطل وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان وفق اتفاقية جنيف وكافة المواثيق والقوانين الدولية“.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن حملات التجنيد تشمل الطلاب المؤجلين دراسيّا والذين تعدوا السن المحدد وبعض القاصرين.
ولا يقتصر التجنيد على أبناء الحسكة من الكرد، بل أصدرت الإدارة الذاتية صيف العام الجاري تعديلًا على قانون ”الدفاع الذاتي“ ليشمل أبناء القرى العربية، فضلًا عن تجنيد شبان نازحين من دير الزور في صفوف ”قوات سوريا الديمقراطية“.
فيما سجلت مراصد حقوقية حالات اشتباك بين سكان بعض القرى ورجال أمن تابعين للإدارة الذاتية خلال محاولة سَوق شبان للقتال.