حمص كما هي اليوم.. حاضر بائس ومستقبل مجهول
عنب بلدي ــ العدد 122 ـ الأحد 22/6/2014
«حمص اليوم لم تعد كما كانت قبل سنتين» بصوت مريض بائس يقولها أبو عمّار، ويكمل «كيف يمكنك أن تبقى على قيد الحياة في مدينتك التي أصبحت هدف نار كل الآلات القاتلة التي لا تميّز بين جماد أو نبات أو بشر».
حمص المدينة التي شغل اسمها السياسيين والصحف العالمية منذ بداية الثورة، لا تشبه نفسها في الأشهر الأولى للثورة، عندما كان أهلها يعيشون في عرس للحريّة بالمعنى الحرفيّ للكلمة. لم يبقَ اليوم من هؤلاء إلا القليل موجودين في بضعة أحياء تقبع تحت سيطرة النظام وحي الوعر المحاصر من جيشه.
تقول سارة، وهي طالبة جامعيّة، عن حال ما بقي من المدينة «من يجوب شوارع حمص اليوم لن يجدها بالتأكيد كما اشتعلت من قبل، لن يجد الشعارات على الجدران، بل سيجد صور الحملة الانتخابية للأسد مترافقة مع العبارات التي تمجّده، بالإضافة إلى المحلات التجاريّة التي طليتْ جميعها بألوان العلم الحكوميّ وانتشار كبير لأفراد من الجيش والدفاع الوطني يسيرون باطمئنان بين الناس، قد يبدو ذلك غريبًا قياسًا لكل ما مرت به المدينة، لكنها الحقيقة اليوم».
وتضيف سارة «مراحل الثورة منذ آذار 2011 تركت أثرها على طبيعة
الحياة الاجتماعية داخل المدينة، من تكافل وتضامن وإقبال على العمل التطوعيّ وصولًا إلى الاستغلال وتجارة المعونات وظهور ما يسمّى بتجّار الأزمات، واليوم بات حديث الناس وهمهم يدور بمعظمه عن سبل تأمين العيش اليومي. ولكنْ لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال حدوث تغيير جوهريّ في موقف السكان مما يحدث في حمص.»
المزاج الشعبي اليوم لم يعد يلتفت لكل الأخبار التي لا تلامس يومياته، ولم يعد يعنيه أن تحصد جراحه جوائز «استنكار» عالميّة. بذل سكان حمص جهدًا في تحويل بقايا المدينة إلى فسحة تصلح للعيش، فجعلوا الشوارع الضيّقة تتّسع للسيارات والمشاة وأصحاب المهن الذين افترشوا الأرصفة، لكن من يمشي في شوارع حمص من الصعب جدًا ألا يلاحظ غياب شريحة الشباب عنها، فبين شهيد وشريد وجريح ومعتقل توزّع شباب المدينة.
كما يسيطر اليوم هاجس المستقبل على الكثيرين فيها، حالهم كحال بقيّة السورييّن في ظلّ الظروف الاقتصاديّة للبلاد وملاحقة من تخلّف عن أداء الخدمة العسكريّة الإلزاميّة وتدنّي المستوى التعليميّ في المدارس نتيجة تقليص ساعات الدوام إلى أقلّ من النصف، بالإضافة إلى انعدام فرص العمل لحملة الشهادات العلميّة.
وعند سؤال الناس عن أسباب البقاء في حمص تتراوح الإجابات بين ضيق الخيارات الأخرى وبين الاختيار الشخصي، كما تؤكد طبيبة بقولها «واجبي أن أبقى هنا. هجرة الأطباء أثّرت بشكل كبير على الخدمات الصحيّة في المدينة.. الكثير منهم أصبحوا خارج البلاد ويستطيع أيّ طبيب أن يعمل خارج البلاد لكن من يبقى لهؤلاء الناس».
وصحيح أن مشافي حمص اليوم لم تعد تغص بجرحى القذائف والرصاص كما قبل، لكنها تغص بالمصابين بالجلطات والأزمات القلبية بعد تفقدهم لمنازلهم ومحلاتهم في حمص القديمة، هذا ما تؤكده إحدى الممرضات بشكل يومي.
أما عن الأحاديث التي تدور بين الناس عن العودة والسكن في بقية أحياء المدينة، فيؤكد كثيرون على عدم واقعيتها واستحالة الحياة في تلك الأحياء في الظروف الراهنة بسبب الدمار الواسع في الأبنية والبنية التحتية والسخرية من الترويج لبدء إعادة إعمارها، فالجميع يعلم أن المقصود هو تأهيل الأبنية وإصلاح شبكات الكهرباء والصرف الصحي في مركز المدينة حيث توجد المؤسسات والدوائر الحكومية، والتي سيتم التركيز على تأهيلها بالسرعة القصوى، بما يضمن عودة الموظفين إلى عملهم فقط، فكيف لمن دمر مدينة أن يعلن البدء بإعمارها، وفي حال فعل ذلك فهل ستعود المدينة لأهلها أم لغيرهم.
يشغل القلق من إجابة هذا السؤال حيزًا من تفكير الناس، لكن يبقى بالتأكيد في قلوبهم الكثير من الأمنيات والرهانات على غدٍ لا يشبه حاضرهم ولا ماضيهم، يقطفون فيه ثمار تضحيات أبناء البلاد في صراعهم الطويل لنيل حياة يستحقونها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :