بلال العلي – عمان
يومًا بعد يوم تزداد معاناة الشعب السوري، وتزداد معها تعقيدات حياتهم اليومية داخل سوريا وخارجها على حد سواء، فمن قتل واعتقال وحصار وتشريد داخل سوريا، إلى ظلم وإذلال في دول الجوار، هذه هي حال السوريين الذين يقصدون الأردن هربًا من ظلم حاكمهم، ليقعوا في ظلم أخوتهم. ففي كل يوم ومنذ تفاقم الوضع في سوريا هناك مأساة إنسانية في مطار عمّان، هذا جاء للقاء عائلته بعد غياب طويل، وتلك قطعت المسافات الطوال لتكحل عينيها برؤية أبنائها قبل أن يوافيها الأجل، وذاك جاء لاصطحاب عائلته بعد أن فرقت بينهم الظروف، إلا أن كل تلك الآمال تخبو لحظة الوصول إلى موظفي ختم الجوازات في مطار الملكة علياء في عمان.
عنب بلدي رصدت العديد من الحالات الإنسانية التي حصلت في مطار عمان والتقت بالعديد منها في سياق هذا التقرير..
حنان، 35 عامًا، مقيمة في الأردن منذ حوالي السنة تقريبًا، غادرتها مؤخرًا إلى الإمارات لمدة شهر، تتحدث عن قصة عودتها إلى الأردن وترحيلها إلى سوريا بعد احتجازها لمدة 24 ساعة في مطار عمان «وصلنا للموظف المسؤول عن ختم الجوازات للدخول إلى الأردن، وكالعادة كوني سوريّة يجب أن أنتظر حتى يقرروا أأدخل أم لا، عاد موظف الأمن ليصطحبني عبر ممر طويل حتى وصلنا لباب حديدي كبير لا يفتح إلا بقفل كهربائي. فُتح الباب لأرى عددًا من الناس يجلسون على الكراسي ومنهم من يجلس على الطراريح الموجودة على الأرض…، وهناك قال لي الضابط المناوب: أنت ستعودين من حيث أتيت أو إلى سوريا، وعندما سألته عن السبب قال: الأوامر من فوق». لم تفلح محاولات حنان في إقناع موظفي الأمن للسماح لها بالدخول لفترة مؤقتة رغم إبلاغهم بأن عودتها إلى سوريا تشكل خطرًا عليها، كما لم تفلح محاولاتها في معرفة سبب منعها من الدخول.
تتابع حنان «فقدت إحدى حقائبي ولم يقدموا لي أي مساعدة بل على العكس اعتبر ضابط الأمن أنه أسدى لي معروفًا، وقال: ما بكفي الخير يلي عملناه معك». وتقول حنان أن السوريين المحتجزين كانوا تحت حراسة أمن المطار، حتى الباص الذي نقلوا به إلى الطائرة كان مخصصًا لهم فقط، على عكس المسافرين الآخرين الذين نقلوا بباص آخر، ما جعلهم يشعرون وكأنهم «إرهابيون» كما تصف حنان، أما جواز سفرها فقد تم تسليمه لأمن الطائرة السورية التي نقلوها إليها.
وتنقل حنان عن مشاهداتها خلال فترة الاحتجاز «كان معنا بالمطار بغرفة الحجز رجل ختيار بالثمانينات جابوه على كرسي متحرك ونايم طول الوقت، الصبح قرروا يسفروه مع بناته التنتين، يبدو أن الطيارة تأخرت وهو تعب كتير إجتو نوبة قلبية ونقلوا على المشفى، تخيل ما خلو بناته يروحوا معه وبنته تبكي وتقلن ما بدي ابقى بالأردن بس خلوني اطمن على أبي. بس للأسف ما ردوا عليها».
أما أمجد، 28 عامًا، فله مع محاولة العودة إلى الأردن قصة أخرى، حيث أنه دخل إلى الأردن وأقام فيها حوالي ستة أشهر ثم غادرها إلى إحدى الدول الإفريقية على أن يعود بعد مدة لزيارة أهله واصطحاب زوجته، إلا أن الأمور لم تسر كما هو مخطط لها «حال وصولي إلى الأردن قادمًا من الجزائر (محطتي الثانية بعد مالي) وبعد أن طلب ضابط الأمن في المطار جوازي وعرف أنني سوري طلب مني الانتظار بعيدًا، وبعد انتظار ساعتين تقريبًا، أدخلوني إلى مكتب يبدو أنه للتحقيق وبدأت رحلة الأسئلة، سألوني عن المكان الذي قدمت منه، وأجبتهم أنني قادم من الجزائر وأحمل إقامة في مالي وجئت لاصطحاب زوجتي، سألوني عن سبب عدم التحاق زوجتي بي دون الحاجة إلى مجيئي إلى الأردن، وأجبتهم أن الهدف أيضًا هو زيارة أهلي، فرد الضابط: قول انو جاي تزور أهلك». وبعد سلسلة التحقيقات طلب من أمجد الانتظار مجددًا، وبعد 4 ساعات جاء ضابط ليخبره بأن عليه أن يعود إلى حيث أتى ثم اقتاده إلى قاعة الحجز حيث وجد الكثير من السوريين على شاكلته، كما يقول.
خلود، 22 عامًا، تنقل مأساة حصلت مع إحدى العائلات المقربة منها، حيث تحدثت عن أب وأم مسنَيْن جاءا إلى الأردن لرؤية ابنهما بعد غياب سنتين، وعند وصولهما مساء إلى مطار عمان وبعد أن كان الابن قد قام باتصالاته من أجل عدم عرقلة إدخالهما، وبعد أن عرض مبالغ مالية مقابل دخولهما، باءت كل محاولاته بالفشل وتم إعادتهما إلى سوريا بعد حجز في المطار دام لمدة اثنتي عشرة ساعة دون أي رأفة أو رحمة، ودون النظر إلى حالتهما بالتشوق لرؤية ابنهما، اللافت في الأمر كما تقول خلود أن أحد عناصر أمن المطار سمح للوالدين برؤية ولدهما لمدة خمس دقائق مقابل مئة دولار. لقاء عائلة لمدة خمس دقائق فقط بعد غياب سنتين والمشاعر التي تتخلل هذا اللقاء لم تكن كفيلة بإسقاط كل تلك القوانين الجائرة ولم تشفع لتلك العائلة ولا لغيرها بالسماح لهم بالدخول، كما تعبر خلود
أما جهاد، 33 عامًا، الذي وصل إلى الأردن بدعوة رسمية لحضور مؤتمر ثقافي تنظمه إحدى المؤسسات الأردنية المحلية، فقد منع من تجاوز المطار، وأكد أن المنع مزاجي ولا يستند إلى قرارات واضحة، إذ إن موظف الأمن في المطار سلمه جوازه للدخول قبل أن يأتي موظف آخر بالصدفة ويسأله عن سبب قدومه إلى الأردن، ليوقفه بعد أن سمع منه كلمة «مؤتمر» ويعيد التحقيق معه. يقول جهاد «استمر التحقيق معي حوالي نصف ساعة، تعرضت خلالها لأسئلة كثيرة عن عملي وعن سبب قدومي والجهة التي دعتني إلى الأردن، وملأت خلالها استمارة أمنية تحوي أسئلة عديدة من بينها مكان خدمتي العسكرية واختصاصي في الجيش ومعلومات عن أقاربي المتواجدين في الأردن، وقد كان واضحًا جهل الموظفين التام باللغة الإنكليزية أثناء قراءة أوراق الدعوة والحجز الفندقي التي اصطحبتها معي، الأمر الذي جعلهم يترددون في تفهم ضرورة دخولي إلى الأردن وحضوري المؤتمر»، بعد ذلك طلب عنصر الأمن من جهاد الانتظار خارجًا ليسوقه بعد ساعة إلى غرفة الحجز في المطار ويجبره بعد 5 ساعات على صعود طائرة العودة إلى بيروت. يضيف جهاد «لم تكن حالتي هي الأسوأ، فقد التقيت في غرفة الحجز سوريين محتجزين منذ عدة أيام، أحدهم شاب عالق بين مطاري عمان والجزائر يرفض البلدان استقباله، وآخر جاء ليزور أهله ويحمل إقامة إماراتية لم يتم الاعتراف بها، بالإضافة إلى العديد من النساء والرجال الذين صودرت جوازاتهم بانتظار إعادتهم إلى حيث أتوا». وينهي جهاد بالقول «عبارة واحدة كان يرددها عناصر أمن المطار عند سؤال المسافرين السوريين عن سبب احتجازهم بهذه الطريقة: إذا ما عندك واسطة تدخلك لا تعذب حالك معنا».
تجدر الإشارة إلى أن الأردن ومنذ تفاقم الوضع الأمني في سوريا بدأ بتشديد إجراءاته تجاه دخول السوريين إلى الأردن إما عن طريق الحدود البرية النظامية أو عبر المطار، وقد أصدر العديد من القرارات في هذا الشأن كان آخرها منذ أيام، إذ أصدرت السلطات الأردنية قرارًا يحدد الفئات التي يسمح لها بدخول الأردن من السوريين ويمنع كل من لم يشمله القرار من دخول الأردن إلا بموافقة وزارة الداخلية الأردنية.