عنب بلدي ــ العدد 122 ـ الأحد 22/6/2014
بيسلان عمر – داريا
من الذي جعلنا نؤمن بأن كل ناجح غشاش، وكل غني لص، وكل أنيق متكبر، وكل لبق مكولك، وأن النجاح مرهون بمقدار أعمالك لأموالك وعلاقاتك العامة وحتى الخاصة منها
فإذا بنا في ضجيج المظاهرات والمسيرات وهتافات بالروح بالدم نفديك يا «فلان»، نسينا أن لنا عقولًا، واعتمدنا على منظومات أجدادنا التي عاشوها (الآبائية العمياء)، ونقلوها إلينا بمحض إرادتنا لا إرادتهم فقط.
لكنّ هذه «الآبائية» ليست العامل الوحيد، إنما مجموعة من العوامل التي تتكامل مع بعضها في منظومة إفسادنا، فإذا أخذنا «الإعلام» نموذجًا آخر، فإننا سنجد فئة تلقي اللوم على الإعلام، بوصفه الأداة التي تصنع النجوم، فتجعل أحدهم أشبه ببطل قومي وتغيّب آخرين ليصبحوا غرباء بكل ما يحملونه من علوم، وأيضًا بإرادتهم إذ آثروا الاعتزال.
أو ربما «الفساد الاجتماعي» يصلح ليكون بدوره نموذجًا، فها هو يجلس وصديقته على حافة الرصيف، يلف يده على خصرها النحيل، ويداعب بيده الأخرى خصلات شعرها، ونظراتهما متعانقة تقطر نشوى، ليمارسا طقوس حبهما على أعين المارّة، غير آبهين إلا باستعراض المزيد من الرجولة المبتذلة أمام أنوثة مفرغة إلا من مساحيق التجميل في زمن قُهر به الرجال، متأثرين بـ «تقليد الآخر والغرب» وحريته كما يدّعون.
ولعله «الفساد السياسي» متمثلًا بالقوى الحاكمة التي تمسك بالسياط فتلف بها رقاب المطالبين بإصلاح مجتمعاتهم، والأمثلة كثيرة على ذلك في مجتمعاتنا العربية.
ويأتي «نفوذ المال» سلاحًا يقطع بدوره رقاب من اعتاد أن يقتات من فتات موائد الأغنياء، قانعًا نفسه مع كل كسرة خبز أنه معجب بكلامهم، حتى يحصل ذلك فعلًا، فتذهب إرادته، ويبدأ حياة يعبد فيها وريقات نقدية يلقونها في وجهه، عله لا يرتد بصيرًا بعدها، فيبقى خاضعًا لهم، ومرة أخرى بإرادته لا بإرادتهم.
ويبقى للتعليم آثاره، فما زال شبح المعلم ماثلًا في طالب العلم، فلا يعقل أن يخطئ المعلم –كما علمونا- وإن أخطأ فلا يحق لأحد أن يصوّب له دون أن نعمّم على كل المعلمين، وقد اختيرت المناهج بعناية لتنشئة جيل لا يجيد إلا فن النوم أثناء الدرس، وفن التهرب من الإجابة، والغش في الامتحانات، فقد بلغ ببعض الكتب المدرسية أن عدد صفحات تصويبات الأخطاء العلمية في الكتاب فاقت عدد صفحات الكتاب ذاته، ولا ننكر وجود حشو كبير بالمعلومات، وتوسيع أفق المناهج بعيدًا عن التخصص بمجال محدد وإتقانه، ليضيع الطلاب في غياهب المواد الدراسية.
وإن استلم «المشايخ» مادة التعليم، يستخدم البعض منهم «وعّاظ السلاطين» أسلوب التنويم المغناطيسي للرعية، حتى يحلو للراعي بأن يصول ويجول في البلاد متمسكًا بدعائنا له بأن يحمي الله ولاة أمورنا، فطاعة الوالي من طاعة الله، وحتى طاعة ولي الأمر من طاعة الله أيضًا فلا يحق الخروج عنها، لمزيد من جرعة الخمول في المجتمع.
وها هو أسلوب «تقييم الآخر بل إلغاؤه» يغزو حياتنا، فبتنا نصطفي من الناس خيارهم وشرارهم وفق معادلات اصطنعناها، فمرة يكون التصنيف حسب العرق أو الطائفة، وأخرى حسب الجنس، وقد يكون حسب المرتبة العلمية أو العمر أو ربما المكانة الاجتماعية، ومرات عبر حجم التضحيات المادية التي يقدمها أصحاب قضية ما.
بل لعله «الخوف» من أصحاب السلطة المادية والحكّام ومن «ثورة التغيير»، هو الذي يدفع البعض لتعداد آلهتهم درءً لخطرها، والبقاء في بلادة أدائه اليومي.
ونحن أيضًا كثيرًا ما نقول لا ندري لم هذا، ولكن وجدنا آباءنا هكذا يفعلون، رغم صدى صوت «قل هو من عند أنفسكم».