حنين النقري – الغوطة الشرقية
في الرابع من حزيران الجاري، افتتحت مكتبة «بيت الحكمة» في الغوطة الشرقية بالتعاون مع فريق «شباب نحو مجتمع إسلامي» معرض «ربيع وكتاب» في موسمه الأول، والذي استمر حتى يوم الجمعة 20 حزيران.
المعرض هو الأول من نوعه في الغوطة المحاصرة، ولعلّ توقيته وفكرته يثيران الاستغراب في وقت يصعب الحصول على الغذاء فيه. عنب بلدي التقت منظمي المعرض وناقشت معهم فكرة تنظيمه في هذا الوقت الذي تشهد فيه الغوطة حصارًا خانقًا.
الآنسة سنا، إحدى منظمات العمل من فريق مكتبة بيت الحكمة، تصف المعرض بالحلم الذي أصبح حقيقة، وتقول «منذ إنشائنا المكتبة كان معرض الكتاب على رأس قائمة أهدافنا فيها، اليوم حاجتنا لهكذا فعالية ماسّة وأكثر إلحاحًا من أي وقت مضى»، وأوضحت سنا أن الهدف الأساسي للمعرض ليس مجرد بيع الكتب، «هدفنا الأساسي حقيقة هو زرع الأمل في عالم الألم، هدفنا وقد تفنن النظام في القتل والإجرام وإفقادنا أحبابًا وإخوة؛ هو زرع حيوات جديدة في كل شخص منا عبر الكتب… ومحال أن تقتل هذه الحيوات بأي سلاح».
ولم ينعكس المجهود الذي قام به منظمو المشروع على قيمة الكتب «المنخفضة»، فكانت الأسعار مناسبة للقدرة الشرائية للمحاصرين، وحول هذا الأمر تقول الآنسة ريم، إحدى مشرفات المعرض من فريق بيت الحكمة، إن «الفارق الأساسي بين معرض ربيع وكتاب وبين معارض الكتب الأخرى هو بيع الكتب المستخدمة، بالإضافة لقسم من الكتب غير المستخدمة»، وتردف «لمزيد من التوضيح ينبغي أن أذكر هنا أن الجوع والفقر جعلا الناس تبيع كتبها بأثمان بخسة حقيقة وعلى قارعة الطريق»، مشيرة «عرضنا فكرة تنظيم معرض كتاب على بائع كتب مستخدمة، ونظمنا المعرض بالتعاون معه ومع فريق شباب نحو مجتمع إسلامي»، وبحسب الآنسة ريم فكون الكتب مستخدمة يعني بالتالي أن أسعارها منخفضة بشكل كبير عن أسعارها الحقيقية.
وكان لنباتات الزينة حضور في المعرض بشكل لافت، وتقول الآنسة أمل المسؤولة عن تنسيق الزهور التي جلبت خصيصًا من مسافة بعيدة «تحمل الزهور رسالة لا تقل أهمية عن رسالة الكتب، منذ لحظات التخطيط للمعرض كان هدفنا واضحًا؛ نريد للزائر أن يترك الحصار وراء ظهره، ويعيش في أجواء تنسيه القتل والقصف والخوف». وفي إشارة إلى المخاطر التي تعرض لها الفريق أثناء جلب الزهور تقول أمل «عقب يومٍ مرير من أيام الغوطة (يوم 3 حزيران انتخابات الدم) فقدنا فيه ما يزيد عن 30 شهيدًا، غامر فريق الشباب وأصر على حمل الزهور وإتمام رسالة المعرض… كان للزهور فضل كبير في الراحة النفسية والرائحة العطرة».
وشهد المعرض إقبالًا ملحوظًا، إذ زاد عدد زواره في أيامه كلها عن الـ 1200 زائر وزائرة من مختلف الأعمار، ومن مناطق مختلفة في الغوطة الشرقية، بحسب المنظمة سنا، أما عن حركة البيع فتقول أنها كانت «جيدة جدًا وبشكل خاص من طلاب المعاهد المتوسطة من مختلف التخصصات».
ورصدت عنب بلدي آراء عدد من زوار المعرض، إذ تقول ولاء وهي خريجة أدب إنكليزي «نحن بحاجة هكذا فعاليات، هناك حاجة ماسة لمكان ما يعرض الكتب ويبيعها لنا في ظل إغلاق الطرق والحصار، وقد استطاع معرض ربيع وكتاب تحقيق هذا الأمر ببراعة»، بينما أثنت عفاف، طالبة طب الأسنان، على تنوع الكتب بين مختلف الاختصاصات «الكتب الطبية راقتني جدًا وكانت مهمة ﻷتابع دراستي ذاتيًا بعد انقطاعي عنها قسرًا»، في حين أضفت «الخلفية الموسيقية جوًا ساحرًا… الداخل للمكان هنا يشعر أنه بعيد عن كل شيء سلبي، والمعرض يذكرنا بأيام زمان».
وعلّق بعض الزوار بأن الأسعار غالية وبأنهم يفضلون القراءة الإلكترونية ﻷنها أرخص، لكن خولة، طالبة اللغة العربية، تقول أن الأسعار منخفضة بشكل كبير «لكن القدرة الشرائية للناس هنا باتت متدنية جدًا»، مضيفة «بالنسبة لي، لذة قراءة الكتب الورقية لا تضاهى ولا تقارن بالإنترنت، وقد اخترت أن أشتري براتبي كله كتبًا… المعرض أعطاني فرصة لتشكيل نواة مكتبة صغيرة ستكبر شيئًا فشيئًا».