راعي الغنم يحكم كوكب “الذئاب المنفردة”

  • 2017/10/08
  • 3:58 م

عنب بلدي – علي بهلول

“مشكلة عائلية”، بهذه الكلمات وصف جموع الناس الذين تناقلوا خبر تفجير رجل لنفسه في مدينة جرمانا، الخاضعة للنظام السوري، على أطراف العاصمة دمشق.

لم استوعب بادئ الأمر كيف يكون التفجير “مشكلة عائلية”، لكن الصورة اكتملت حين علمت أن الرجل قتل زوجته، وانتحر في حارته بقنبلة يدوية، هكذا، بكل بساطة، وجدت أنها فعلًا مشكلة عائلية.

جرت الحادثة أواخر عام 2014، ولم أكن أعرف بعد حينها شيئًا عن “الذئاب المنفردة”، وأن هذا الرجل الموتور في عشوائيات ريف دمشق قد يكون منتميًا لذات السلالة التي ينحدر منها الأمريكي ستيفن بادوك، الذي أطلق الرصاص عشوائيًا على حفل موسيقي في الهواء الطلق بلاس فيغاس قبل أيام.

والحقيقة أن “حبل السرّة” الذي ألّف بين أعراق مختلفة حول العالم، هو توافر سلاح غير شرعي بيد مدنيين، ساعدهم في تنفيذ عمليات قتل دون الحاجة للانتماء إلى تنظيم يخطط للحدث، إنما يكفي وجود دوافع نفسية أو عقلية أو اجتماعية أو عقائدية لدى الجاني، ليترجم دوافعه على شكل رصاص وقتلى، وينتسب بذلك إلى سلالة “الذئاب المنفردة” التي تمنح اسمها لجميع جناتها دون تمييز.

هنا يبرز تفوق هذه “الفئة” على نظيراتها من المجتمعات المتحضرة، إذ وصفت وسائل الإعلام العالمية “بادوك” بالذئب المنفرد، والسكير المقامر، متجنبةً صفة إرهابي التي يستحقها، وفاتحةً بذلك المجال لنقاشات واسعة حول الإرهاب الذي لا ينعت به سوى المجرمين من المسلمين.

هذا التجنّب لا يحمل ظلمًا للمسلمين، بقدر ما يحمل استهانة بدماء ضحايا لاس فيغاس الذين لم يصنفوا كضحايا “للإرهاب”، ما ينقص من نصيبهم في الحصول على التأييد والتعاطف العالمي الذي يستحقونه، إنه انتصار المجتمع المدني لـ “بادوك” على حساب ضحاياه المدنيين الذين لم يحالفهم الحظ بأن يقتلوا على يد مسلم أو عربي.

يتمتع “بادوك”، المحظوظ أيضًا، بنصيب وافر من الإضاءة على وجهه، وينعت باسمه الكامل لا بدينه أو عرقه، بينما لا يحظى زملاؤه من العرب والمسلمين بهذا القدر الوافر من التقدير، تسرق وسائل الإعلام جهدهم الإجرامي هذا وتوزعه على شعوب بأكملها، إذ أننا فعلًا لا نتذكر منهم سوى أنهم عرب ومسلمون “ملثمون”.

هكذا، ومع غياب ملامح وجه الجاني يصبح من السهل أيضًا أن نعمم الشبهة على المجتمع “الملثم”، فاحتمالات أن يكون عربيًا أو مسلم ذئبًا منفردًا لا حصر لها، هكذا يولد مجتمع الذئاب المنفردة، في بلادٍ تحولت شوارعها إلى جبهات أشبه بـ “ميني ماركت” لبيع الأسلحة غير المرخصة للمدنيين.

تظهر قاعدة الاشتباه هذه أيضًا لدى من يمكن أن نسميهم بـ “السلطات الإرهابية”، مثل إسرائيل التي تعامل كل فلسطيني على أنه ذئب منفرد، لا سيما بعد “انتفاضة السكاكين” الأخيرة، ولا تسعفنا الذاكرة حقيقةً لننسى دور ميليشيات “هاجاناه” في التأسيس العسكري لمجتمع دولة الاحتلال.

يسير أيضًا النظام السوري المشهور بميليشياته متعددة الجنسيات على هذا الدرب بخطى واثقة، فكل سوري خارج تنظيم ميليشياته هو ذئب منفرد محتمل، ضل طريقه عن سرب “الدواعش”. هكذا تتحول “الذئاب المنفردة” إلى عصا بيد “السلطة الإرهابية” لضرب المدنيين.

“السلطة الإرهابية” والخطاب العنصري سرطان يشوه أي ظاهرة مدنية، ولا يتفق وجود أحدهما بحضورها، فبينما كان مشجعو المنتخب الأسترالي يسلّمون خُمس الأسلحة غير القانونية طوعًا، ضمن المهلة التي أعلنت عنها الحكومة الأسترالية قبل ثلاثة أشهر وانتهت في السادس من تشرين الأول، كان مجتمع الذئاب المنفردة المشجع “للمنتخب السوري المفصول عن السياسة” يحتفل بإطلاق النار، ما أدى لمقتل شابة في السلمية بريف حماة، وإصابة ثلاثة آخرين في دمشق أحدهم بحالة خطرة.

“أنت قليل عليك تحكم الوطن يا سيادة الرئيس، أنت لازم تحكم كوكب الذئاب المنفردة”، هذا ما لم يقله بعد مجلس الشعب السوري لبشار الأسد، راعي الغنم، بحسب المعيار الدولي للإرهاب.

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب