سرمد الجيلاني
نقترب من عام 2018 ، أشهر ويكون قد مضى ثلاثون عامًا على نشأة تنظيم القاعدة، أشهر التنظيمات الجهادية المتطرفة في العصر الحديث، التنظيم الذي يعتبر من أوائل الحركات الجهادية متعددة الجنسيات التي كانت تنتشر في أفغانستان وباكستان بشكل رئيسي ليتوسع لاحقًا إلى اليمن ومن ثم العراق وسوريا وعدّة دول أخرى، وقد اشتهر التنظيم كثيرًا عقب الأحداث التي أسماها “غزوة مانهاتن”، وعرفت بهجمات 11 سبتمبر التي استهدفت أبراج التجارة وعدّة نقاط في عام 2001، والتي تبعتها قرارات أمريكيّة تنص على “الحرب على الإرهاب” المستمرة حتى هذه اللحظة.
تنظيم القاعدة الذي استمرت عملية تشكيله ما يقارب العامين والذي كان يتزعمه أسامة بن لادن تنظيميًا حينها، وعبدالله عزام كأبٍ روحي، وحاليًا أيمن الظواهري قد تفرعت منه عدة تنظيمات وتعاونت معه أخرى، كان أهمها وأشهرها حاليًا تنظيم الدولة الإسلاميّة المعروف باسم “داعش”.
كانت نواة التنظيم مجموعة من المقاتلين العرب والأفغان تدربوا في معسكرات في أفغانستان والسودان يعملون في نظام البيعة الإسلامية، معلنين ولاءهم لأسامة بن لادن مباشرة أو القادة التابعين له والمتوزعين في أنحاء العالم، وقد انقسمت عملياته بين اشتباكات مباشرة كانت بدايتها ضد القوات السوفيتية ومن ثم الأمريكية، والعمليات الخارجية وهي عبارة عن هجمات على مراكز أجنبية مثل السفارات ومراكز حكومية سواء مدنية أو عسكرية، ولطالما نادى التنظيم بمحاربة من أسماهم “الكفار” و”المرتدين” عمومًا و”اليهود” بشكل خاص.
اعتمد التنظيم نظامًا مركزيًا في القرار ولا مركزيًا في التنفيذ، وهذا بسبب عزل القيادة جغرافيًا عن معظم مراكز العمليات والتي تعتمد على قيادات إقليمية منتشرة تعمل في ظل التنظيم، مثل قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين والذي كان بقيادة أبو مصعب الزرقاوي وقاعدة الجهاد في جزيرة العرب التي تتخذ اليمن مركزًا لها وقائدهم مهدي الريمي أو المعروف بأبو هريرة الصنعاني، والذي خلف ناصر الوحيشي، بعد قتله في غارة للتحالف الأمريكي منذ عامين تقريبًا، بالإضافة لتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام والذي كان يقوده أبو محمد الجولاني قبل إعلانه الانفصال تنظيميًا عن مركز قيادته.
يعتمد التنظيم منهجيًا على منهج السلفية الجهادية، المتأثرة بسيد قطب بالإضافة للتعاليم التي طورها منظرون في التنظيم مثل عبدالله عزام وأسامة بن لادن وأبو مصعب السوري وغيرهم ممن كانت لهم بصمتهم الواضحة في تطور التنظيم، والذي يصنف كـ “منظمة إرهابية” من قبل مجلس الأمن والامانة العامة لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ومعظم حكومات دول العالم.
اعتمد التنظيم الانتشار الأيدلوجي في ظل عدم قدرته على الانتشار التنظيمي وإنشاء حكم محلي بسبب الحرب المُقامة على التنظيم والتنظيمات الجهادية الأخرى منذ نشأتها، وهذا السبب الرئيسي لبقاء التنظيم حتى هذا اليوم رغم المحاولات المتكررة لمجابهته.
كان الأسلوب الأساسي للقوات السوفيتية في القرن الماضي والتحالفات العدة بقيادة أمريكا هي محاربة التنظيم بالقوة، إذ اعتمدت على الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بالإضافة للقصف الجوي والطيارات المسيرة عن بعد، مع ضعف كبير في محاربتهم فكريًا، ليعتمد التنظيم وأشباهه من التنظيمات الجهادية على أسلوب المحاربة الأيديولوجية والبروبوغندا الإعلامية ذات التطور الملحوظ، مع تجهيز كوادر لهذا الأمر وعدم الاعتماد على القيادة المركزية فقط، وهذه كانت العلامة الفارقة في الحرب على التنظيم، إذ أن قتل قائده أسامة بن لادن في عام 2011 والكثير من قادته في الأعوام العشرين الأخيرة لم تكن كافية للقضاء على التنظيم وإنهائه، بل انعكس على محاربيه بزيادة أعداد التنظيمات العاملة بفكر تنظيم القاعدة حتى غير المنضوية تحت رايته.
و كان للمؤسسات الإعلاميّة المناصرة للتنظيمات الجهادية أثرها عالميًا مثل مؤسسة الفرقان والملاحم وأنصار المجاهدين ومؤسسات أخرى تابعة لتنظيم القاعدة ومؤسسة الفرقان ومؤسسة الاعتصام ومؤسسة أجناد ومؤسسة البيان وغيرها المناصرة لتنظيم داعش بشكل رسمي بالإضافة إلى المؤسسات المناصرة إعلاميًا فقط لا تنظيمًا، مثل مؤسسة ترجمان الأساورتي والبتّار، فضلًا عن مؤسسات الولايات الرسميّة لكل ولاية يسيطر عليها تنظيم داعش والتي بدأت بنشر مقاطع مصورة للعمليات التي تقوم بها هذه التنظيمات، وتصبح لاحقًا مؤسسات إعلاميّة تقوم بإنتاج مقاطع مصورة تم التعديل عليها وإضافة المؤثرات الهوليودية لها بطريقة احترافية، وتنشر المقاطع المسماة “إصدارات” بشكل شبه يومي، كما عملت التنظيمات على إنشاء وكالاتها الإخباريّة الخاصة والتي حاولت التسويق لها على أنها حيادية نوعًا ما، مثل وكالة أعماق والتي تعتمد تسمياتٍ مثل “الجيش السوري” لا تعتمدها بقية المؤسسات الإعلاميّة التي لها خطابها المعادي الواضح لكل الأطراف التي تعاديها هذه التنظيمات.
وفي ظل تطوّر المنظومة الإعلاميّة المتطرفة والعمل الدؤوب من هذه التنظيمات على إبقائها مجارية للأوضاع حتى وصولها لطبع مناهج دراسية تم تحضيرها بدقة واحترافية، لم يكن هنالك إعلام مجابه لها بنفس المستوى، وخصوصًا الإعلام المحسوب كندّ، مثل إعلام التحالف الدولي وأكبر مثال عليه هو فريق التواصل الإلكتروني الأمريكي والذي كان ينشر صورًا أقلّ ما يقال عنها أنها من تصميم هاوٍ، بالإضافة إلى اللغة العربيّة الركيكة المستخدمة حتى في المنشورات التي يلقيها إعلام التحالف على المدن الواقعة تحت سيطرة هذه التنظيمات.
ولعدم رجاحة هذه الكفة، انعكس الأثر الأكبر على المدنيين حيث استطاعت التنظيمات أن تنتشر بكثافة وتستجر عددًا كبيرًا من المنضمين لها والمنحدرين من جنسيات متنوعة حول العالم، وتثير إعجابًا سواء بالترغيب أو بالترهيب في قلوب الكثير من الناس.
واستمرت التحالفات الدولية في حربها على الإرهاب بذات الخطأ حديثًا، إذ أن مسح مدن بأكملها مثل الموصل والرقة وقتل آلاف المدنيين في الغارات العشوائية بحجة محاربة الإرهاب، مع استثمار التنظيمات المتطرفة لهذا الأمر على أنّه حربٌ على الإسلام لا على التطرف، مع غياب الخطاب الفكري المضاد هو السبب المرجح أنه الأكبر في استمرار هذه التنظيمات حتى يومنا هذا، والذي يراه كثيرون أنه مستمر مستقبلًا حتى العمل على محاربة فكرية تقضي على انتشار هذا الفكر المتطرف والذي لن يقضي عليه كل السلاح المستخدم سواء القديم منه أو الحديث، إذ أن الفكرة الخاطئة لا تُحارب إلا بتصحيح، وهذا ما ينقص محاربي هذه التنظيمات.