لماذا بقي مدنيون في مناطق داعش؟

  • 2017/10/09
  • 3:14 م

غولاي ظاظا

مع انطلاق أي معركة تستهدف طرد تنظيم داعش من المناطق التي يحتلها، يُطرح سؤال حرج على كافة الأطراف المعنية بالمعركة ما عدا تنظيم داعش: لماذا يبقى هناك مدنيون في مناطقه؟ ولماذا لم يختاروا النزوح مثل قسم كبير نجا من مخاطر المعارك التي باتت محسومة بهزيمة داعش؟

تختلف الإجابات باختلاف تموضع الأشخاص سياسيًا، وغالبًا يكون ذلك سببًا في زيادة حدة الخلاف، وتكشف عن الصورة المسبقة التي كونها كل طرف عن الآخر. فهناك من يتهم الباقين في مناطق داعش بأنهم موالون للتنظيم، وإلا ما كان بإمكانهم البقاء هناك بأمان في ظل التنظيم. ورغم أن هذه الصورة تكون لغة خطاب بين أشخاص لا يعدون قادة رأي بأي شكل من الأشكال، إلا أن شيوعها وسهولة طرحها تظهر صعوبة التأثير فيها بغرض تغييرها.

في المقابل، تكون إجابات من يمثلون الباقين في مناطق داعش مرتبكة غالبًا، بحسب عيّنات منها، ولا رغبة لديهم في شرح الظروف لأنهم لا يريدون التطرق إلى مسألة محرجة، وهي أن عائلاتهم هناك تخضع للتنظيم وليست في حالة حرب معه. والواقع كلا التصورين بعيدان عن الواقع الفعلي، فغالبية من بقي حتى الآن في الرقة يعد في خانة المستسلم وليس المتواطئ، وهو الوضع الذي لا يبرع في تعريفه من لديهم أقارب وسط هذه الحرب. ويسهم هذا القصور في عدم إعطاء صورة واضحة عن آليات تعامل تنظيم داعش مع المجتمع، فوفق شهادات عديدة، سواء لأفراد ما زالوا مقيمين هناك أو أولئك الذين نزحوا إلى مخيمات في الحسكة، يتضح خلط خطير في توجهات التنظيم، وهو أنه يفضل حكم مجتمعات تستسلم له تحت العنف والإرهاب الذي يمارسه لأن ذلك يتيح إعادة تشكيل اجتماعي وفق تصوراته.

إن التعمق في هذا الجانب يظهر إلى حد كبير هشاشة رؤى شعبية تتصور مجتمعات موالية للتنظيم، وهي في واقع الأمر مستسلمة له تحت الإكراه. والاستسلام يؤدي وظيفة النجاة من الموت إلى حين زوال المحنة. أما التفصيل الآخر عن سبب عدم النزوح فيكمن في سبب واضح للغاية، وهو أن الخروج من مناطق داعش بدون إذن جريمة قد تصل إلى قتل من يقدم عليه، فالأبواب ليست مفتوحة وحافلات النقل لا تنتظر الركاب لنقلهم إلى حيث يرغبون.

في السياق، لا توجد أرقام وإحصاءات دقيقة لعدد المدنيين المتبقين، ومن الاستحالة أن تقدر أي جهة على حصر الأعداد المتبقية أو النازحة، لأن حركة الخروج مستمرة ومعظم الأرقام تقريبية ومتغيرة. فخلال شهر أيلول الماضي نزح 180 ألف مدني إلى خارج المحافظة ونجوا بأنفسهم من التحول إلى دروع بشرية لداعش وبالتالي ربما هدفًا للقصف، كما نزح 200 ألف شخص داخليًا. وبحسب تقارير ميدانية محلية فإن من تبقى داخل مدينة الميادين، التي كان عدد سكانها 200 ألف، لا يتعدى 2% من السكان حتى مطلع شهر تشرين الأول الحالي.

وهناك قصص فردية غريبة عن سبب بقاء البعض في مناطق داعش، فعلى سبيل المثال، هناك امرأة مسنّة خرج جميع أبنائها من الرقة في وقت مبكر، لكنها بقيت رافضة المغادرة، والسبب أن لديها ابنة متزوجة من رجل انضم لداعش، وهي ترفض ترك ابنتها وحيدة هناك. بعض القصص الأخرى أكثر غرابة، ففي الرقة أيضًا يرفض رجل مغادرة المدينة رغم أن الفرصة أتيحت له في بدايات معركة التحرير التي بدأت في شهر حزيران، وسبب ذلك أنه لا يريد الابتعاد عن قبر ابنه الوحيد الذي قتل في الاشتباكات الأولى التي وقعت بين داعش وفصائل تابعة للمعارضة عام 2014. أما السبب الأكثر شيوعًا لعدم التفكير بمغادرة المدينة -حين كان ذلك ممكنًا للبعض- رفضهم التحول إلى نازحين أو لاجئين ينتظرون المساعدات، ويدعم هؤلاء وجهة نظرهم بمقولة شعبية مفادها: لا شرف يوازي أن يموت المرء وهو في أرضه.

مجموع هذه العوامل المتناقضة تقف مانعًا لمغادرة قسم كبير من السكان، ولا يوجد ما يسمح بمحاسبة أي من هؤلاء بسبب بقائهم في الرقة أو دير الزور إذا أزحنا الفكرة غير الدقيقة حول المجتمع الموالي، وطرحنا بدلًا من ذلك واقع المجتمع المستسلم في ظل تنظيم دموي لا يتورع حتى عن قتل عناصره في حال خالفوا تعاليمه. والواقع أن حركة النزوح المتجهة إلى مناطق عمليات التحالف الدولي في منطقة الجزيرة يتم التعامل معها وفق طرح المجتمع المستسلم للنجاة بنفسه من وحشية داعش، وهذا لا ينفي وجود إجراءات احترازية لا بد منها للتحقق من هوية المدنيين، بينما المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام فإن المدنيين فيها متهمون بأنهم من مجتمع موال لداعش!

مقالات متعلقة

  1. داعش خيال الظل
  2. تنظيم "الدولة" لأهالي الرقة: حطموا صحون "الستلايت"
  3. المعارضة تنتزع قرىً من "داعش" شمال حلب
  4. ما بعد الموصل وحلب

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي