خطيب بدلة
قرأت في “عنب بلدي” استطلاع الصحفية “رهام الأسعد” عن الحرية النسبية التي حصل عليها المواطنون السوريون على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنه صار بوسعهم أن يسبوا على أحد الوزراء، فخطرتْ ببالي سلسلة من الأشياء المضحكة التي كنا نراها، أو نعيشها في ظل نظام الأسد. في ذات يوم اتصل بي الصديق الأديب الراحل تاج الدين الموسى، وقال لي: تعا تفرج خطيب، أهل المعرة عاملين اعتصام على الطريق الدولي لمنع تحويل جسر المشاة من مكانه.
نَقَزْتُ حينما سمعت كلمة “اعتصام”، ففي سوريا الأسد تُمنع المظاهرات والاعتصامات ووقفات التضامن والاحتجاج المختلفة تحت طائلة الدعوة لـ “احتساء” فنجان قهوة في الفرع يستغرق، أقصد الاحتساء، بضعَ سنين في بعض الحالات!
ومع أن النشرات الإخبارية كانت تكتظ بعبارات الهجاء للكيان الصهيوني، فإنه لا يحق لأي مجموعة من السوريين تنفيذ اعتصام سلمي للاحتجاج على الإجراءات التعسفية التي يقوم بها العدو الصهيوني العنصري ضد الشعب الفلسطيني، ولا يحق للشعب السوري التجمع والتظاهر حتى ولو كان بقصد تأييد القائد نفسه!
ففي ذات مرة خرج مجموعة من المنافقين إلى الشارع وهم يحملون صور حافظ الأسد، ولافتات تشيد ببطولاته وعطاءاته، وفي مطلع “شارع الجلاء” وجدوا أنفسهم محاصرين بعدة سيارات مخابراتية، وخرج لهم رجل يرتدي نظارات شمسية، وقال لهم: لا تواخذونا يا رفاق.. اليوم ما في قرار أنه تطلع مسيرة. فلما قال أحدهم: مسيرتنا عفوية.. قال له: بالله عفوية؟ ضحكتني. تعال أنت لعندي لهون، والباقي بدي أعد للتلاتة وما ألاقي عرصا منكم واقف هون!
المهم أنني أغلقت سماعة الهاتف ونزلت إلى الشارع حيث سيارتي الفيرنا الزرقا، ركبتُها وذهبتُ إلى منزل تاج، وزمَّرْتُ له، فنزل، وخرجنا في مشوار، ورحت أعاتبه لتهوره وحديثه عن الاعتصام عبر التلفون، وكأنه لا يعرف أن تلفونات السوريين بشكل عام، وتلفوناتنا نحن الاثنين بشكل خاص، مُرَاقَبة، فضحك وقال لي: إنته ما سمعت تتمة الحكاية، المعتصمون، بمجرد ما تجمعوا فوق الجسر، صاروا يصيحوا: بالروح بالدم نفديك يا بشار.. وكل الدوريات اللي حضرت لتفريقهم وقفت حائرة، لأنه إجاهم توجيه من فوق بعدم استخدام العنف ضدهم طالما أنهم يحيون هادا الزلمة.
الحقيقة أن عهد الوريث بشار الأسد كان مختلفًا عن عهد أبيه من هذه الناحية بالذات، ففي الصحافة كنا إذا قرأنا مطلع مقالة يسهب كاتبها في مديح بشار الأسد كنا نتوقع أن الصحفي سيوجه، بعد ذلك، نقدًا خجولًا لإحدى الوزارات أو المؤسسات الحكومية (غير المؤسسات المخابراتية والتشبيحية بالطبع)، ولعل أظرف ما مر معنا، تاج وأنا، بهذا الخصوص، أننا ذهبنا، ذات نهار، إلى “ملعب الباسل” لنتفرج على إحدى مباريات نادي أمية، وقبل بدء المباراة قال لنا أحد الحاضرين:
– يا شباب، إذا صارت مسبات و”… أختك يا حكَم” لا تنسوا تعيشوا بشار الأسد هه، ترى إذا ما عيشناه مناكل إنذار، وبتصير المباريات الجاية بلا جمهور.