عنب بلدي – نينار خليفة
تواجه مريضات سرطان الثدي في سوريا معاناةً مضاعفة جراء الحرب، وتزايدت الصعوبات التي تواجههن بدءًا من ندرة الأدوية إلى ارتفاع تكاليف العلاج، وصعوبة الوصول إلى المشافي التي تقدمه، وتشتد وطأة هذه المعاناة في المناطق المحاصرة.
أدوية السرطان مقطوعة عن الغوطة
سميرة، إحدى المصابات بسرطان الثدي، والتي شهدت حالتها تحسنًا نتيجة المتابعة والعلاج، لكن بعد انقطاع الدواء نتيجةً لاشتداد الحصار على الغوطة الشرقية تعرضت حالتها للانتكاس، وبدأت بالتراجع بشكل سريع، ما أدى إلى وفاتها.
حال سميرة هي حال غالبية المرضى بالوقت الحالي وفقًا للطبيبة، وسام الرز، مديرة “مركز دار الرحمة للأورام السرطانية”، وهو المركز الوحيد المتخصص في علاج الأورام بكامل الغوطة الشرقية.
وفي حديثها لعنب بلدي، قالت الطبيبة وسام “لا نستطيع تقديم الكثير لهم فمع انقطاع الدواء، ومنع النظام لدخوله بدأت حالات الوفاة تتزايد يومًا بعد آخر، وكل ما بإمكاننا هو الوقوف متفرجين”.
وفي معرض حديثها عن عدد الإصابات بالسرطان في الغوطة الشرقية أوضحت أن 669 امرأة يعانين من المرض، منهنّ نحو 300 حالة إصابة بسرطان الثدي، شفيت منهن 110 نساء بشكل كامل، بينما توفيت ثماني نساء خلال الشهرين الماضيين.
وأوضحت الطبيبة أن المركز يؤمن الأدوية، وتكاليف العلاج كاملة بشكل مجاني للمرضى وذلك من خلال تمويل تقدمه بعض المنظمات.
وتشهد بلدات الغوطة الشرقية حصارًا خانقًا زادت حدته مع الحملة العسكرية التي شنها قوات الأسد على منطقتي برزة والقابون جنوبي دمشق، في شهر آذار الماضي، الأمر الذي أسهم في تفاقم معاناة أصحاب الأمراض المزمنة.
تأثير الحرب على نسب الإصابة بسرطان الثدي
وعن تأثير الحرب على تزايد أعداد الحالات وانتكاس الكثير منها، أرجعت الطبيبة وسام ذلك إلى تأثير عاملين أساسيين هما:
أولًا، العامل النفسي: نتيجة تأثر المرضى بشدة القصف، والافتقار للشعور بالأمان، وما يمرون به من أحزان وألم بسبب فقد الأحبة.
ثانيًا، الحصار المفروض: فقد أسفر منع النظام السوري دخول الغذاء والدواء للغوطة عن وقف استخدام بعض الأدوية حتى في حال وجودها نتيجة لضعف البنية الجسدية لدى المريض وعدم قدرته على تحمل بعض الجرعات العالية، وغالبًا ما يتحكم المرض أكثر بالجسد الضعيف.
وأضافت الطبيبة “هكذا كان الوضع في الفترة الماضية التي كنا نعاني فيها من النقص الكبير في الأدوية، أما حاليًا فقد أصبح الوضع أخطر فلم يعد الدواء متاحًا مطلقًا ولم يعد بالإمكان إدخاله بسبب الحصار التام الذي فرضه النظام”.
وكثيرة هي الحالات التي تعرضت للانتكاس نتيجة الحصار المفروض على الغوطة بحسب الطبيبة التي أوردت لنا قصة عائشة، وهي إحدى المصابات بسرطان الثدي، وقامت بإجراء فحوصات في مركز الرحمة بداية شهر آب الماضي ليتأكد الأطباء حينها أنها قد تماثلت للشفاء بشكل تام تقريبًا، لكن وبعد شهر واحد فقط تراجعت حالتها، وتعرضت للانتكاس لتدخل بطور متسارع من الانهيار، الأمر الذي أدى إلى وفاتها في نهاية شهر أيلول.
أما بخصوص التوعية بأهمية الكشف المبكر عن المرض فأشارت الطبيبة إلى أنه تم عقد عدة ندوات بالغوطة للتوعية من هذا المرض لكنها لم تكن بالحجم المطلوب، ولم تصل إلى عموم الناس لافتةً إلى أهمية إقامة حملات توعية منتظمة بهذا الخصوص.
لا مراكز للعلاج بالكيماوي في إدلب
وعن وضع مرض سرطان الثدي في محافظة ادلب أفادنا الطبيب أنس دغيم، مسؤول الرعاية الصحية الأولية في مديرية صحة إدلب، أن هناك زيادة في نسبة حدوث المرض نتيجة ازدياد المواد المسرطنة، وخاصة المواد الكيماوية التي ألقاها النظام على إدلب، وريف حماة.
كما أن عدم توفر الأدوية، ومراكز العلاج الكيماوي والشعاعي، وصعوبة الدخول إلى تركيا، أو إلى مناطق النظام بسبب الوضع الأمني والخوف من الاعتقال، كلها أسباب تؤدي إلى تزايد أعداد الحالات، وتفاقم الإصابات.
وأوضح الدغيم أن علاج سرطان الثدي يكون على شقين جراحي ودوائي، مبينًا أن العلاج الجراحي متوفر في معظم المشافي، وبكفاءة جيدة.
أما العلاج الكيماوي والشعاعي فهو غير متوفر، ولا يوجد أي مركز متخصص في إدلب، كما أن الأدوية الخاصة بسرطان الثدي يتم الحصول عليها من تركيا، أو من مناطق النظام.
إصابات بسرطان الثدي في سن مبكرة
وعن تأثير الحرب واللجوء على مرضى سرطان الثدي تحدث الطبيب وسام الدالاتي، مدير قسم أمراض الثدي في منظمة “مابس”، ومركزها في لبنان، لعنب بلدي، أن أغلب الحالات التي يتم تشخيصها في المركز تأتي في مراحل متأخرة، فتكون نسبة الاستجابة للعلاج ضعيفة.
وأوضح أن 80% من النساء اللواتي يأتون إلى المركز للعلاج يكنّ في المرحلتين الثالثة والرابعة من المرض، مبينًا أنه في المرحلة الرابعة يكون الورم قد انتشر في كامل الجسم ولا سبيل للعلاج، أما في المرحلة الثالثة فهناك إمكانية للشفاء ولكن مع الاحتياج لكل أنواع العلاج من الجراحة للكيموثيرابي وغيرها فتكون التكلفة عالية، ونسبة الشفاء منخفضة.
وأشار مدير القسم إلى أن مركز المنظمة بدأ بالعمل منذ سنة ونصف تقريبًا في لبنان تم خلالها إجراء مسح لحوالي 4000 امرأة، شُخّص منها نحو 55 حالة إصابة بمرض السرطان، أي بمعدل ثلاث حالات في الشهر.
ولفت الطبيب إلى أن نسب الإصابة بالمرض قريبة من النسب العالمية للدول التي يحدث فيها انتشار مرتفع جدًا لسرطان الثدي، كما يلاحظ أن الإصابة بالمرض تكون في أعمار مبكرة، فـ 45 % من النساء يصبن بالمرض تحت سن الخمسين، بينما عالميًا تكون 20% فقط من النساء المصابات تحت سن الخمسين.
أعراض سرطان الثدي
أما عن أعراض الإصابة بالمرض فحددها الدكتور وسام الدالاتي بـ:
- الإحساس بكتلة في الثدي (وهو العرض الأساسي).
- الشعور بآلام في الثدي.
- تقرح ونزيف دموي في حلمة الثدي.
- وجود عقدة تحت الإبط.
وأكد الطبيب على أهمية إجراء مسح دوري لكل امرأة يفوق عمرها الأربعين كل عام أو عامين بحسب توافر عوامل الخطورة عندها والتي لخصها بالتالي:
- الوراثة (وهي العامل الأساسي).
- الدورة الباكرة.
- تأخر انقطاع الطمث.
- العلاج الهرموني التعويضي بعد سن اليأس.
- البدانة.
- التدخين.
- تعاطي الكحول.
الوقاية من سرطان الثدي
أما عن عوامل الوقاية التي قد تخفف من حدوث المرض فقد حددها الطبيب بالتالي:
- الإرضاع الطبيعي.
- الإنجاب في سن مبكرة.
- الرياضة.
- تخفيف الوزن.
- الابتعاد عن التدخين والكحول.
كما أكد على أهمية الكشف المبكر عن الورم، والفحص الذاتي للثدي، ومراجعة الطبيب في حال وجود أي شكوى، مشيرًا إلى أن الكشف المبكر بالمرحلة الأولى من الورم يفضي إلى نسبة علاج تصل إلى مئة بالمئة في حال توافر العلاج الفعال.
أما في المرحلة الثانية من حدوث الورم فتكون نسبة الشفاء حوالي 90%.
وفي المرحلة الثالثة تتراوح نسبة الشفاء من 50% إلى 70%.
تشرين الأول شهر التوعية بسرطان الثدي
وخصص شهر تشرين الأول للتوعية بسرطان الثدي في بلدان العالم كافة، وهي مبادرة لزيادة الاهتمام بهذا المرض، وسبل الوقاية منه على المستوى الدولي.
ويأتي سرطان الثدي في مقدمة أنواع السرطانات التي تصيب النساء وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
وتحدث سنويًا نحو 1.38 مليون حالة جديدة للإصابة بسرطان الثدي و458 ألف حالة وفاة من جراء الإصابة به، بحسب المنظمة.
وتشير إحصائيات عالمية إلى أن عدد الوفيات الناتجة عن مرض السرطان في الدول النامية، يشهد تزايدًا كبيرًا بسبب الحروب، وغياب العلاج، والكشف المبكر، في حين تشهد الدول المتقدمة تراجعًا في عدد الوفيات نتيجة الإجراءات المتبعة في الكشف المبكر عن المرض، وخيارات العلاج المتقدمة.
ويرجّح الأطباء زيادةً مستقبليةً في عدد مرضى السرطان في سوريا نتيجة التأثير طويل الأمد لمخلّفات الحرب، كالتلوّث بالمواد الكيماوية والعضوية والمعدنية.