ضعفاء إدلب ينتظرون من يقصفهم

  • 2017/10/08
  • 2:24 ص
محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

منذ عدة سنوات خرجت القضية السورية، أكبر مأساة معروفة في هذا القرن، من أيدي السوريين، وليس هذا مكان توزيع الملامة والمسؤوليات عن الحالة التي وصلنا لها، ولا يجب أن يكون الأمر مثارًا للاستغراب بطبيعة الحال، فتمويل المعارك لا يقدر عليه أحد، ولا حتى دول أحيانًا، ومن يمول يملك كما هو شائع، وعليه بات قرار المعارضة والنظام منذ عدة سنوات ملكًا لغيرهم.

خاضت الثورة السورية آخر معاركها ضد النظام في حلب، المعركة التي استمرت أربع سنوات وكللت بلحظات نجاح ظن السوريون فيها أنهم ملكوا العالم، انتهت لصالح النظام في نهاية المطاف بأخطاء الثورة نفسها وبالتفوق العسكري الذي أضافه التدخل الروسي للنظام. ليست حلب مدينة عادية، ولم يسيطر النظام على بضعة أبنية مهدمة لا تشكل مساحة تذكر من مجمل الجغرافيا السورية كما قيل وقتها على سبيل المواساة، بل كانت هزيمة قوية معنوية للثورة التي لطالما تعاملت مع حلب كمعركة محسومة لصالحها طال الزمن أم قصر، بعد معركة حلب بات الجميع مقتنعًا أن الطريق أصبح ممهدًا أمام الروس لاستعادة كامل الجغرافيا الروسية.

بعدها بعدة أشهر خاضت الثورة السورية آخر معاركها على الإطلاق، فقد كانت معركة “تنظيم القاعدة” في سوريا (جبهة النصرة) مع حركة “أحرار الشام” آخر فرصة للحركة وللثورة السورية للبقاء على سطح الأرض، ولوجود فعلي ولو صغير على طاولة مفاوضات جنيف أو أستانة، ولكن المعركة انتهت بسرعة غير متوقعة بانهيار “أحرار الشام” وسيطرة القاعدة على ما تبقى من مناطق المعارضة. انهيار الحركة كتب آخر فصول الثورة، ولم يبقَ لملايين المدنيين والمشردين في محافظة إدلب إلا الله واتفاق من نوع ما يتيح لتركيا التدخل في إدلب مقابل تنازلات يقدمها الأتراك للروس في مكان آخر.

بشكل مجرد ليس دخول الأتراك أو أي دولة أخرى إلى سوريا هو محط ترحيب، ولا يمكن لثائر على نظام الأسد كان يحلم بدولة ديمقراطية مدنية تعددية أن يرى في أي تدخل ما يدعو للفرح، فكيف إذا كان التدخل التركي سيتم برعاية روسية بل ودعم جوي روسي للجيش الحر كما يبشرنا بذلك الرئيس التركي، الذي سبق أن أخبرنا -أو ورطنا- بأشياء كثيرة من قبل، ولكن لا خيار لدى المعارضة سوى القبول، وهي لا تملك قوة الرفض على كل حال. فإما أن يسيطر الأتراك على مناطق المعارضة بدعم من الروس، أو يسيطر الروس وحدهم على هذه المناطق.

على عكس بقية سوريا، لا تحظى مناطق المعارضة بحماية من أحد، الكرد لديهم أمريكا، والنظام لديه روسيا وإيران، اللهم إلا مناطق درع الفرات التي استطاعت تركيا انتزاعها على أمل التوجه نحو منبج أو الرقة وهو ما لم يحدث، واليوم قد تصب سيطرة الأتراك على مدينة إدلب في صالح المعارضة، فهجوم الروس في المستقبل على مناطق تحت سيطرة تركيا عسكريًا هو أمر معقد ومستبعد، مع ما يعنيه ذلك من خطر حرب مباشرة بين الدولتين.

الخسارة في الجغرافيا هي خسارة في السياسة، وكذلك المكاسب، ولا شك أن المفاوضات السياسية التي باتت قريبة سواء في جنيف أو في دولة أخرى ستنتهي بناء على حصة كل طرف في الجغرافيا السورية، وهذه المفاوضات لن تكون بين السوريين بطبيعة الحال، بل بين أطراف دولية على أراض يعيش عليها سوريون، وفي حالة كحالتنا فإن إضعاف سيطرة الأسد على سوريا، وضمان ذلك من خلال تثبيت وجود عدة دول داخلها يجب أن يكون هدفًا استراتيجيًا للمعارضة.

لا شك أن ما سنحصل عليه لا يشبه بحال ما حلمنا به، ولا يكافئ بحال ما ضحى السوريون لأجله بعد نصف مليون شهيد وعدة ملايين تركوا بيوتهم للعيش في المخيمات، ولكن ماذا يمكن للضعيف أن يفعل في عالم حقير كهذا مفتوح على صراعات جديدة كل يوم؟ قاتل الله الضعف، وأعان الضعيف على جحيم هذا العالم.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي