ما تخفيه معارك دير الزور
ضربات تحت الحزام بين واشنطن وموسكو
سليمان السعود
قليلة هي الأخبار التي تنشر عن إصابات القوات الغربية في سوريا، ورغم معرفة الجميع بوجود هذه القوات ووقوع خسائر في صفوفها، إلا أن الأمر كان يبقى طي الكتمان أو ينشر بشكل محدود وخاصة مع عدم وجود بيانات معلنة عن القوات المحاربة وفرق المهام الخاصة الموجودة على الجبهات القتالية، حيث ماتزال أغلب الدول الغربية والأوروبية تصرح بأنها تقدم “فقط” الدعم الفني والإسناد اللوجستي للقوات السورية في مختلف جبهات الصراع.
آخر القتلى، وربما أكبر الرتب، كان الجنرال فاليري اسالبوف، من القوات الروسية التي تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري.
لم تنتظر موسكو طويلا “لتثأر” لاغتيال كبير مستشاريها في سوريا، الذي كان السبب المعلن لوفاته سقوط قذيفة من قبل التنظيم على مركز عسكري تابع لقوات النظام في دير الزور، لكن المعارك الدولية تخفي الكثير من الأسرار. الرد الروسي كان واضح الغضب حيث تم توزيع الاتهامات على أكثر من طرف، وخاصة واشنطن، وجاء على لسان العديد من المسؤولين الروس تأكيد مساعدة واشنطن لمجموعات مقاتلة، وأن عناصر من الاستخبارات والمقاتلين الأمريكيين يقدمون الدعم المباشر لعدة تنظيمات متطرفة في سوريا.
هذا الاتهام، وإن كان الأكثر شيوعًا وجاء مباشرًا وغاضبًا، لكنه ليس وحيدًا، وتبعه اتهام موسكو لواشنطن بتحريك الجبهة الشمالية في ريف إدلب وحماة ضد القوات السورية والروسية لتخفيف الضغط عن تنظيم الدولة في دير الزور، ومحاولة أسر ضباط وعسكريين روس لاستخدامهم كورقة ضغط إعلامي ضد موسكو.
لذا ردت روسيا بشكل عنيف عبر الانقضاض على خمسة من قادة هيئة “تحرير الشام”، شاركوا بالهجوم على القوة العسكرية الروسية في حماة، بعدما تكفّلت صواريخ كاليبر المجنّحة بتسديد الدّفعة الأولى من الحساب، حين هاجمت قواعد تدريب للهيئة في إدلب، لتقتل، حسب ما أفادت عنه مؤسسات إعلامية تابعة لروسيا، “متورطين في محاولة أسر العسكريين الروس”.
كل هذه الردود العسكرية والتصريحات الإعلامية من قبل الروس وحلفائهم على الأراضي السورية لم تجد ردودًا أمريكية سوى نفي هذه التهم وتجاهلها، في حين يعتبر عدد من المحللين أن أمريكا ردت فعلًا وعلى الأرض عندما أوعزت لـ “قسد” بتسريع تحركاتها على الأرض في ريف دير الزور، والسيطرة على حقول الجفرة وحقل غاز كونيكو ذي الأهمية الاستراتيجية وأحد أكبر مصادر الطاقة والثروة في المنطقة الشرقية.
وترافقت هذه التطورات مع تهم من قبل “قسد” عن قصف الطيران الروسي لبعض المناطق التي تسيطر عليها.
تسارع تحركات “قسد” جعل الجسور التي مدها النظام والروس فوق نهر الفرات غير مجدية، بعد خسارتهم في السباق على كونيكو وحقول الجفرة.
اللافت في الهجوم الجوي الروسي الذي استهدف مقرات الهيئة والتنظيم في إدلب ودير الزور، أنه لم يكن مجرد رسالة عابرة، فالقاذفات الروسية “تو 95 أم اس” لم تكن لتتكلف رحلة الانطلاق من مطار “اينغلس” في روسيا، والتحليق فوق الأراضي الإيرانية والعراقية وصولًا إلى أجواء سوريا لتوجّه صواريخ “خ 101” المجنّحة صوب أهدافها المُحدّدة في إدلب ودير الزور. فقد صرّحت وزارة الدفاع الروسية أن قاذفاتها قابلت رسالة “الاغتيال الأمريكية” بأحسن منها، عبر استهداف دقيق للمواقع التي تداخل فيها مؤخرًا مستشارون عسكريون أمريكيون ومقاتلون من التنظيم، ما تسبب بمقتلة في صفوف مجاميع الطرفين، بينهم ثلاثة ضباط أمريكيين ثبت تورطهم بعملية الاغتيال.
الضربات المباشرة التي سددتها القاذفات الروسية ضد قوات من “قسد” ومعهم الوحدات الخاصة الأمريكية شمالي دير الزور، الثلاثاء الماضي، كانت جزءًا من الرد.
بمحض الصدفة، وبعد مقتل الجنرال بساعات فقط، نشرت روسيا صورًا قالت إنها لقوات أمريكية في شمال دير الزور، مصطحبة مقاتلين من “قسد” للتموضع إلى جانب قوات التنظيم، دون أي إشارة تدل على اشتباك بين الطرفين.
كما حذر المتحدث باسم الدفاع الروسية، ايغور كوناشينكوف، برسالة واضحة إلى “قسد” عبر إعلانه أن الغارات الروسية تستهدف كل نقاط إطلاق النار التي تقصف مواقع القوات الروسية.
ثمة أمران مهمان تجد فيهما موسكو دافعًا لتحجيم “قسد”، الأول انتشارها إلى جانب الوحدات الخاصة الأمريكية داخل عدد من حقول النفط والغاز على الضفة الشرقيّة لنهر الفرات، وثانيها رصد أجهزة استطلاعها وصول حمولة من 200 شاحنة أسلحة أمريكية إلى هؤلاء المقاتلين في الحسكة الأسبوع الماضي، عشية الاستفتاء على الانفصال في كردستان.
ورغم التطورات على الأرض والتصعيد العسكري والكلامي بين موسكو وواشنطن، إلا أن كلا الطرفين يستبعدان المواجهة العسكرية في معارك دير الزور، إلا أن هذا الأمر قد لا ينطبق على أدواتهما المستخدمة (أطراف الصراع على الأرض)، لا سيما بعد رصد موسكو لسيناريو خطير تتحين “قسد” الفرصة لترجمته في الحسكة، تماهيًا مع مبادرة كرد العراق إلى الانفصال وإقامة “إقليمهم” الموعود.
وأوضحت بعض المصادر الروسية أنه، على ما يبدو، هناك قرار حاسم من بعض الدّول الحليفة بضرورة مواجهة “قسد” عسكريًا وطردها من المواقع النّفطية التي سيطرت عليها في دير الزور، حتى لا تكون حاملًا اقتصاديًا وداعمًا حيويًا لمشروع تقسيم يمكّن من استقلال الجزيرة السورية فيما بعد. وهذا ما أكدته “قسد ذاتها عندما تحدثت عن وجوب سيطرتها على كامل الجزيرة السورية وطرد كل عدو موجود أو “محتمل”، ما يعني وجود نية لدى الإدارة الذاتية في الجزيرة لطرد من بقي من قوات ومؤسسات النظام في الجزيرة، إذ مايزال يمتلك مربعًا أمنيًا محدودًا في الحسكة، فضلًا عن بعض الحواجز ومطار القامشلي وفوج عسكري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :