“سأخون وطني”، يعلن الكاتب السوري محمد الماغوط نيّته هذه في كتاب يحمل عنوانه هذه الجملة المرعبة، واضعًا القارئ في حيرة مربكة أمام هذا الاعتراف الفج، فما الذي ستحمله صفحات الكتاب إذن؟
إلا أن الكتاب الذي يضم 132 مقالة ونصًا قصيرًا للماغوط ينفي عن نفسه صفة الصعوبة والارتباك منذ مقالته الأولى، التي يعلن فيها الماغوط بشكل واضح أنه متحيز للأشخاص البسطاء الصادقين، أولئك الذين لم تسعفهم الحياة ليروا العالم خارج حدود قراهم.
كما يعلن الكاتب عن أسلوب شديد السخرية وإن كانت بمرارة، فهو يحاكم خلال 508 صفحات حياة جيله المخدوع بشعارات المقاومة والوحدة والنهضة العربية، حتى سرقت منهم الأنظمة العربية طاقة شبابهم، وتركتهم يبحثون في الواقع عن شيء من الأكاذيب التي أحرقوا عمرهم في الركض وراءها.
تأتي شهادة محمد الماغوط “الساخرة” في وقت انهارت فيه جميع أقنعة الكذب أمام الجيوش العربية التي فتكت بشعوبها، واتجهت الأنظمة لحكم قبضتها هذه المرة بالرصاص والنار على الناس.
فالكتاب الذي صدرت طبعته الأولى سنة 1987، استوعب بشيء من الجنون الأحداث المهولة التي حفرت عميقًا في الذاكرة العربية والسورية، فها هو حافظ الأسد يخمد الحراك الشعبي والمدني في المدن السورية، ويرتكب مجزرة مروعة في حماة سنة 1982، بينما تدخل جبهة الجولان في سبات سيمتد إلى 35 عامًا بعد المجزرة حتى الآن.
كذلك شهد هذا الجيل انهيار الوحدة السورية المصرية، وعبث جمال عبد الناصر بالتجربة الديمقراطية في سوريا ما أسس لوصول مجرمين مثل حافظ الأسد إلى السلطة لاحقًا.
يوضح الكاتب زكريا تامر في مقدمته لكتاب “سأخون وطني”، أن الأوطان نوعان مزورة وحقيقية، أما الأوطان المزورة فهي أوطان الطغاة، وأما الأوطان الحقيقية فهي أوطان المدنيين الأحرار، والولاء لوطن الطغاة خيانة للإنسان، فإذا خان الماغوط “وطنه” إنما هو ينتصر لإنسانيته.