عنب بلدي- مراد عبد الجليل
تحاول روسيا مجددًا التوغل أكثر في الاقتصاد السوري والسيطرة على مفاصله، عبر إنشاء مصرف مركزي بينها وبين النظام في سوريا، في خطوة أثارت تساؤلات الاقتصاديين للنظر في أهدافها ونتائجها.
المصرف الجديد تحدث عنه رئيس حكومة النظام السابق، وائل الحلقي، في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، في نيسان 2016، وقال إن “الجانبين يدرسان إمكانية إنشاء بنوك مشتركة لتسهيل المعاملات التجارية بين البلدين بالعملات الوطنية، وإن المجلس السوري الروسي المشترك أعرب عن رغبته في فتح مصرف سوري- روسي، على أن يتولى البنك المركزي في البلدين الإشراف عليه”.
وبعد مرور عام ونصف أكد رئيس مجلس الأعمال السوري- الروسي، سمير حسن، في أيلول الماضي، انتهاء مرحلة دراسة إنشاء المصرف المشترك، بهدف تحفيز التبادل التجاري بين البلدين.
هل المصرف لتحفيز التجارة؟
وبرأي كثير من المحللين فإن دخول المصارف الأجنبية إلى بلد ما يعزز اقتصاده ويجلب الشركات الاستثمارية للعمل فيه، وهذا ما ذهب إليه الدكتور في الاقتصاد واستراتيجيات الإدارة عبد الرحمن الجاموس، في حديثٍ إلى عنب بلدي، وأكد أن دخول المصارف الأجنبية إلى اقتصاد أي بلد أمر صحي، لكن في “الحالة السورية ابتلينا بعلّة البنوك الأجنبية التي تُعفى من تسديد كامل رأسمالها لتطرح أسهمها وتموّل عملياتها عبر جمع أموال الناس، ولا يُرى لها أي أثر حقيقي في التنمية، وغالبًا ما يكون مآل هذا المال أن يذهب إلى الخارج لدعم التنمية في الدول الأجنبية”.
وحول مساهمة المصرف في تحفيز ودعم التجارة بين البلدين، قال وزير المالية السابق في الحكومة السورية المؤقتة، الدكتور عبد المنعم حلبي، إنه “من الممكن أن يتم إجراء عمليات تقاص بين مستحقات كل بلد على الآخر ضمن اتفاقيات اقتصادية يشرف على تطبيقها المصرفان المركزيان للبلدين ووزارتا الاقتصاد والتجارة فيهما، ومع المزيد من التسهيلات الائتمانية يمكن أن يتوجه المزيد من رجال الأعمال السوريين إلى تفضيل السوق الروسية على غيرها من أسواق الاستيراد”.
لكن حلبي أكد لعنب بلدي أن التنوع السلعي التجاري في الاقتصادين الروسي والسوري يعتبر محدودًا بالقياس مع الاقتصادات النظيرة النشطة، كتركيا وإيران ومصر وأوروبا، وبالتالي فالحقيقة أن المصرف سيكون شبه حكومي لكلا البلدين، لأنه سيكون مختصًا للتحويلات الضخمة المتعلقة بالإنشاءات الكبرى لمشاريع البنى التحتية الأساسية والثروات الطبيعية.
أهداف وراء إنشاء المصرف
الديون السيادية: هي الديون المترتبة على الحكومات ذات السيادة، وتتّخذ في معظم الحالات شكل سندات، إما أن تطرحها الدولة بعملتها المحلية، وغالباً ما تكون موجّهة نحو المستثمرين المحليين، وفي هذه الحالة يسمى الدين دينًا حكوميًا، أو تقوم الحكومة بإصدار سندات موجهة للمستثمرين في الخارج بعملة غير عملتها المحلية، والتي غالباً ما تكون بعملة دولية (الدولار أو اليورو)، وفي هذه الحالة يطلق على الدين مسمى الدين السيادي. وقد تستدين الحكومة من أجل تمويل الاحتياجات المؤقتة في عجز الموازنة عندما تكون الإيرادات الفعلية أقل من النفقات المتوقعة، إضافة إلى تغطية النفقات العامة، خاصة في أوقات ارتفاع معدلات البطالة والركود الاقتصادي. |
من جهته اعتقد الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، أن المصرف الروسي- السوري هو بداية التدخل الحقيقي بالاقتصاد السوري على أرض الواقع من قبل روسيا وحدد أربعة أهداف للمصرف، الأول يكمن في إدارة الدَّين السوري- الروسي سواء القديم أو الحديث المتشكل خلال الثورة، فلسوريا أموال محتجزة لصالح روسيا في بنك “غاز بروم” الروسي الذي يتخذ من بيروت مقرًا له، والذي يدير كافة العمليات الخاصة بالدين السوري- الروسي سابقًا، التي ازدادت مع بداية الحرب والتدخل الروسي في سوريا.
وأشار الكريم إلى أن الطرفين اتفقا قبل الثورة على تسديد النظام السوري 30% من ديونه “كاش” في حين تسترد 70% منها مقابل تسهيلات استثمارية وعسكرية مدفوعة من الجانب السوري بسعر الصرف الرسمي.
الهدف الثاني لإنشاء المصرف، بحسب الكريم، هو إدارة الاستثمارات الروسية في سوريا، فموسكو حظيت باستثمارات سيادية مهمة ستضع سوريا لسنوات طويلة تحت رحمة الروس، مثل المصانع ومطاحن الدقيق، إضافة إلى شبكة المياه ووضع يدها على نبع عين الفيجة، وبالتالي محاولتها السيطرة على جميع مفاصل الحيوية في سوريا”.
وأكد أن الاستثمارات الروسية تحتاج إلى تمويل ضخم، وروسيا لا تثق بأي مصرف بسبب المشاكل الاقتصادية والعقوبات، إضافة إلى أن أي بنك على علاقة مالية مع جهات مالية أمريكية وأوروبية، وبالتالي هو خاضع لمراقبتهم، فلابد من مصرف سوري- روسي لضخ الأموال من روسيا إلى سوريا لبناء الاستثمارات.
أما الهدف الثالث فيكمن في تمويل “الميليشيات الروسية” على الأرض، وخاصة بعد الحديث عن تأسيس ميليشيا روسية- سورية في عدة مناطق، من بينها ما أعلن عنه مؤخرًا تحت مسمى “قوات عشائر إدلب”، ودعوات للانضمام لها، وهذا ما أكده حلبي بأن البنك سيكون المعتمد لدفع رواتب الجنود الروس وتكاليف الوجود العسكري الروسي في سوريا.
كما أن المصرف سيمكّن روسيا من شراء جزء من الديون السيادية التي يريد النظام طرحها بحسب ما نشر على مواقع الإعلامية للنظام، وعلى لسان مسؤولي وزارة المالية، إضافة إلى أن هذا البنك، حسب الكريم، سيكون من مهامه شراء الديون المتعثرة لدى كل من المصرفين العقاري والصناعي، والتي تمكن البنك الروسي من شراء كثير من العقارات السكنية والصناعية بأسعار زهيدة، معتبرًا أن هذا الشراء هو استحواذ على المصرفين وزبائنهم.
مصير الليرة السورية
وسائل إعلام موالية للنظام السوري ادعت أن المصرف المشترك الجديد سيكون صفعة لسعر صرف الدولار في سوريا، كونه سيسهم في تحسن الليرة أمام العملات الأجنبية.
حلبي أكد أن دور أي مصرف هو تقديم التسهيلات المصرفية للمدفوعات، قيمة السلع والخدمات التجارية بين الطرفين، وذلك سيحد من الطلب على الدولار إذا ما تمت تلك العملية بعملتي البلدين، وبالتالي تخفيض الطلب على الدولار.
في حين اعتقد الكريم أن الليرة السورية ستتحسن لفترة مؤقتة، لأن تجار النظام سوف يعملون على إيهام المدنيين بأن “الحل السياسي بدأ بالنضوج وأن الليرة تحسنت، وبالتالي قيام مدنيين بعرض عقاراتهم للبيع من أجل إيداع الأموال في المصرف الجديد من أجل العائدات المالية، كونه أكثر أمانًا، ما سيؤدي إلى تنافس كبير في السوق وانخفاض أسعار العقارات بحدود 50%، وبالتالي قيام روسيا بشراء أهم العقارات في مراكز المدينة”.
وأشار إلى أن المصرف سيكون منافسًا قويًا بسبب الامتيازات التي يحصل عليها من الجانبين الروسي والسوري، وسيكون بديلًا للمصرف المركزي، وخاصة مع ارتباط طباعة العملة في روسيا، وبالتالي إنشاء المصرف سيقضي على أي سياسة نقدية ومالية خلال الفترة المقبلة، خاصة في المرحلة الانتقالية إن كتب لها النجاة عبر محادثات أستانة.
هذه الاتفاقيات تضع الاقتصاد السوري تحت هيمنة روسيا وتحكمها على مدار السنوات المقبلة في حال بقي النظام أو رحل، ما يحرم الشعب السوري من حقوقه في ثرواته.