عنب بلدي – رهام الأسعد
طرحت قضية اللجوء السورية نفسها بقوة في عالم السياسة والإغاثة والمجتمع المدني، إلا أن رواد عالم الفن وجدوا منها مادة دسمة لتجسيد إبداعهم من جهة، وربما لإيصال صوت اللاجئ السوري الذي أرهقته ظروف اللجوء القاسية من جهة أخرى.
وبين الهدفين، أُنتجت أفلام عدة بعضها لمس سقف العالمية ودخل مضمار المهرجانات السينمائية الدولية، وأخرى لم تضع بصمتها في العالمية واكتفت بالبصمة “الإنسانية”.
لعل قضية اللجوء بحرًا إلى أوروبا طغت في السنوات الأخيرة كإحدى المشكلات التي يحاول المجتمع إيجاد حلول لها، مع وصول ما يزيد عن 400 ألف لاجئ سوري إلى القارة الأوروبية معرضين أنفسهم لأقصى درجات الخطر بحثًا عن الأمان.
من هذه الفكرة انطلق مؤلفون عرب وغربيون نحو إنتاج أعمال تجسد معاناة السوريين في “رحلة الموت”، ومنها فيلم “ماريه نوستروم” السوري الفرنسي، المشارك حاليًا في مهرجان “طنجة” الدولي بالمغرب، في الفترة بين 2 و7 تشرين الأول الجاري.
وتدور أحداث الفيلم، خلال 13 دقيقة فقط، على أحد شواطئ البحر المتوسط حيث اتخذ أب سوري قرارًا يضع حياة ابنته في خطر، في رحلة “موت” إلى أوروبا.
الفيلم من تأليف وإخراج رنا كزكز وأنس خلف، وتمثيل زياد بكري وزيان خلف، وهو إنتاج فرنسي سوري أردني مشترك.
حاز “ماريه نوستروم” على ثماني جوائز، منها جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان ”بي بي سي عربي” في لندن، والجائزة الأولى في لقاءات السينما الأوروبية في فان بفرنسا.
وبالدرجة ذاتها استقطبت قضية اللجوء مؤلفين ومخرجين سوريين حملوا قضيتهم إلى العالمية وحازوا على جوائز “مرموقة”، كما هو الحال مع فيلم “قمر في سكايب”، للمخرج السوري غطفان غنوم، الذي سلط الضوء فيه على قصص لسوريين خابت آمالهم بالوصول إلى “الفردوس الأوروبي”.
وحمل “قمر في سكايب” صاحبه السوري إلى عالم “هوليوود” حين نال، في حزيران 2016، جائزة “التميز” لأفضل فيلم وثائقي طويل، خلال فعاليات مهرجان هوليوود العالمي للأفلام المستقلة، الذي احتضنته قاعة “شارلي شابلن” في استديوهات “رالف” بالولايات المتحدة.
غنوم قال في حديث سابق لعنب بلدي إن “كل نجاح لأي سوري في كافة المجالات حاليًا هو نجاح للسوريين جميعًا”، مضيفًا أن “النجاح يتقاسمه الجميع ولذلك من المفرح والمبهج بالنسبة لي أن أسمع بنجاحات السوريين، وهذا يدل حتمًا على أن الحرية أساس أي نجاح”.
معاناة السوريين “مصدر للإلهام”
أصبحت حياة الخيام والتشرد والمعاناة في بلدان اللجوء جزءًا من واقع السوريين بعد لجوء ما يزيد عن خمسة ملايين سوري إلى دول مجاورة، 500 ألف منهم يعيشون في مخيمات حدودية في لبنان والأردن وتركيا.
ووجد منتجو الأفلام الوثائقية والسينمائية في المخيمات مسرحًا لإنتاج أفلام تجسد معاناة أهلها وتلفت أنظار العالم نحوهم، متمثلة في أعمال عدة، منها فيلم “مليونان” الوثائقي التركي، الذي يروي حكاية السوريين في تركيا ومحاولتهم التمسك بالحياة مجددًا، حين بلغ عددهم 2.5 مليون سوري عام 2016.
ترشح فيلم “إيكي مليون” (مليونان) لمسابقة أفضل فيلم في مهرجان “ريل هارت” للأفلام والسيناريوهات في كندا، في الفترة بين 3 و8 تموز الماضي، ولاقى التفاتة دولية من صناع الأفلام كونه مستوحى من قصص حقيقية عاشها السوريون.
وقالت مخرجة العمل، درين باراكتا لوكالة “الأناضول”، في 1 تموز الماضي، إنها وفريق العمل ركزوا على معاناة السوريين الجدية، لإظهارها بشكل فني وعرضها على العالم بأسره.
وفي لبنان، أخرج اللبناني كريم الرحباني فيلمًا بعنوان “شحن”، تعرض خلاله لمسألة تسول الأطفال السوريين في شوارع لبنان، والذي شارك، الأسبوع الماضي، في مهرجان “طنجة” الدولي للفيلم المتوسطي.
وتدور أحداث الفيلم حول معاناة طفل سوري يلجأ مع جده من سوريا إلى لبنان بطريقة “غير شرعية” عبر شاحنة، هربًا من النزاعات الدائرة في بلدته.
ويضطر الولد أن يتسول في شوارع المدينة لتأمين الدواء لجده المصاب بمرض الزهايمر كي لا يموت.
أفلام اللاجئين كنوع من “التكفير عن الذنب”
من وجهة نظر نقّاد فنيين فإن الحديث عن حياة اللاجئين السوريين كان “جذابًا” خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بالنسبة لمنتجي ومخرجي الأعمال الفنية، إلا أن إيقاعها خف العام الجاري، ومعظم الأعمال المعروضة في مهرجانات 2017، هي إنتاج العام الذي سبقه.
الكاتب والمخرج المسرحي، وسيم الشرقي، قال لعنب بلدي إن تركيز المنتجين على أفلام خاصة بحياة اللاجئين السوريين بعيدًا عن قضايا أخرى أنتجتها الحرب في سوريا، يعود إلى أسباب لوجستية تقنية، كونهم قادرين على الوصول إلى اللاجئين والتصوير معهم، فيما يستحيل ملامسة واقع السوريين داخل سوريا.
وسيم أضاف أن معظم الأعمال الفنية التي تتطرق لمعاناة اللاجئين تأتي في الغالب نتيجة دعم أوروبي مالي يُقدم إلى الرائدين في عالم السينما والأفلام الوثائقية، كون قضية اللجوء أصبحت مرتبطة بأوروبا التي شهدت موجة تدفق “غير مسبوقة” نهاية عام 2015.
واعتبر أن ذلك جزء من الآلية الأوروبية للتكفير عن ذنبها حيال اللاجئين السوريين عبر عرض قصصهم عالميًا وإعلان التضامن الفني معهم، على حد قوله.
وعن فاعلية تلك الأفلام قال وسيم الشرقي “يكفي أن رسالتها نبيلة من حيث المبدأ، حتى وإن لم تحقق هدفها المنشود”.
وبذلك انضمت قضية اللاجئين السوريين إلى المواد الملهمة في عالم الإنتاج الفني، جنبًا إلى جنب مع قضايا حقوق المرأة والطفل والإنسان على وجه العموم، بانتظار رجع صداها وإحداث تغيير في حياة البؤس التي يعيشها سكان الخيام.