الفشل المريع
عنب بلدي ــ العدد 121 ـ الأحد 15/6/2014
من المبكر جدًا أن نفهم تمامًا ماذا حدث ويحدث في العراق والمنطقة العربية ككل. لا يستطيع أحد أن يعطي تفسيرات مؤكدة لتبخر الجيش العراقي بهذه السرعة الكبيرة، ولا يستطيع أحد حتى الآن أن يعرف من الذي يقاتل في العراق، هل هي داعش؟ أم العشائر، أم رجالات البعث العراقي.
هل ما حدث مؤامرة مدبرة للقضاء على السنة على المدى البعيد، من خلال تسليم مناطقهم لداعش كما حدث في غير مناطق؟ أم أن هذا الانهيار ما كان ليحدث لولا تدبير من قادة الجيش العراقي في الموصل، الذين ثبت انتماؤهم لنظام صدام حسين؟
مجددًا… لا أحد يعلم! ما نعرفه بكل تأكيد أن المنطقة تعيش فوضى عارمة لم تشهد لها مثيلًا من قبل، وأن هذه الفوضى لا يبدو عليها أنها ستهدأ قبل أن تعصف بكل هذا الشرق المنكوب الغارق في مصائبه. وما نعرفه أن هذا كله ما كان ليحدث لولا سياسة طائفية انتهجتها هذه الأنظمة العميلة ضد قطاعات من شعوبها، التي لم تدرك أن الزمن غير الزمن الخالي وأن أساليب القمع والاضطهاد التي كانت صالحة من قبل تجاوزتها الشعوب بعد الربيع العربي.
ما يجري في المنطقة هو فشل لكل الأيديولوجيات التي انتشرت في منطقتنا في القرن الماضي، بدءًا بالقومية التي بدل أن تعني بناء هوية ذاتية جامعة للأمة انحرفت لتصبح ديكتاتورية مطلقة واستبدادًا ضد غير العرب بداية ثم ضد العرب ذاتهم. ومن ثم هي فشل للأيديولوجيات الإسلامية، لاسيما الأيديولوجية السلفية الطائفية التي مزقت جسد الأمة ولم تزد هذه البلاد إلا خرابًا، وحين نقول السلفية فإننا لا نعني السنة حصرًا كما يحلو لباقي السلفيين الطائفيين أن يروجوا.
وفشل كذلك للعلمانيين الذين استحكمت من عقولهم الطائفية المقيتة، فترى العلماني العلوي مع الربيع العربي في البحرين وضده في سوريا والعلماني السني ضده في البحرين ومعه في سوريا.
كما أنها فشل كذلك لحركات المقاومة المزعومة ومنظريها المأجورين التي صعدت على أكتاف الشعوب التي حمتها واحتضنتها، ثم ما لبثت أن تخلت عنهم عند أول منعطف، هؤلاء الذي صدعوا رؤوسنا بمعاداة التدخل الأمريكي في سوريا ثم ما لبثوا أن صرخوا مستنجدين بالأمريكي في العراق.
من المهم بعد ما حدث ويحدث في المنطقة العربية أن نعيد التركيز على أنفسنا في النقد والتقريع، وأن نكف عن إلقاء اللوم على الخارج والمؤامرات التي لا تنتهي.
الواقع أن أكثر من يتآمر علينا هو نحن أنفسنا. في العراق حدث تدخل كامل للأمريكيين في سبيل إسقاط صدام حسين، وفي ليبيا حدث تدخل جزئي وفي سوريا لم يحدث تدخل على الإطلاق ولكن في النهاية وجدنا نتائج متشابهة تقريبًا في البلدان الثلاث، انتعاش قوي للعصبيات القبلية والجهوية والطائفية ومن ثم الدخول في حروب أهلية لا تنتهي.
ليس هنالك من حل في الأفق ما لم يقتنع الجميع أن الحل في مشاركة الجميع، وأن الاستبداد مهما امتد فإنه سيعود على صاحبه بالبوار ولو بعد حين. الحل يكمن في بناء ذاتية ثقافية جامعة، تقبل الجميع ولا تستثني أحدًا، وهذا أمر شاق وصعب المنال ويحتاج لتشكله عشرات السنين، ولكنه ضرورة حتمية وجودية لنا كعرب ومسلمين منتمين للعائلة الإنسانية علنا نخرج أخيرًا من هذا الفشل المريع.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :