هل يؤثر السوريون على قرارات حكومة النظام السوري؟

  • 2017/10/01
  • 12:52 م
مجلس الشعب السوري (إنترنت)

مجلس الشعب السوري (إنترنت)

عنب بلدي – رهام الأسعد

مساحة من حرية التعبير عن الرأي وجدها المواطنون السوريون صدفةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصلت لحد السخرية من شخصيات “رفيعة” في حكومة النظام السوري، فيما طال صداها جلسات مجلس الشعب وأروقة الوزارات السورية، لكن بالطبع تحت سقف “القيادة” والأفرع الأمنية.

اجتماعات عاجلة وتفقد لمصالح المواطنين يدعو إليها رئيس الوزراء في حكومة النظام السوري، عماد خميس، تسبقها ضجة للمواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجًا على قرار صادر أو سوء خدمات معينة، وتتبعها محاسبة مسؤولين على “تقصيرهم”، ليصبح لصوت المواطنين صدىً، سواء كان شكليًا أم فعليًا.

مواطنون غيّروا المناهج الدراسية

لم يكن السوريون يتوقعون يومًا أن تحدث كلمتهم بصمة، وإن كانت باهتة، في قرارات الحكومة التي تعودوا على إلزامها لهم بكافة القرارات الصادرة عنها، وملاحقتها لأصحاب الرأي “المخالف” لرأيها، عبر عقود من الزمن.

التأثير الأكبر لضجيج المواطنين بدا واضحًا، مؤخرًا، من خلال انتقادهم للمناهج الدراسية التي طرحتها وزارة التربية في حكومة النظام للعام الدراسي 2017 – 2018، والتي لم ترضَ عنها شريحة واسعة من أهالي الطلاب لاحتوائها على قصائد “شعبية” وقصائد لشعراء معارضين لنظام الأسد من جهة، وتصميم أغلفة “مرعبة” للكتب من جهة أخرى.

إذ تضمن كتاب التربية الموسيقية لتلاميذ الصف الأول، قصيدة للشاعر المعارض ياسر الأطرش، أثارت استياء موالين للنظام السوري عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليكون لكلمتهم وقع حين استبدلها وزير التربية، هزوان الوز، بقصيدة “وطني” للشاعر سائر إبراهيم.

إلا أن تكرار “الخطأ” بقصيدة ثانية لشاعر آخر محسوب على الثورة السورية، وهو يحيى بشير حاج يحيى، عرّض وزير التربية إلى شتائم وانتقادات عدة من قبل مواطنين دفعت برئيس الحكومة إلى إعلان جلسة طارئة في البرلمان، في 21 أيلول، للبحث في “أخطاء” المناهج ومحاسبة المسؤولين.

وطالب بعض النواب في الجلسة بإقالة جميع المسؤولين والمدرسين والمعنيين الذين أشرفوا على إعداد المناهج التدريسية والعملية التربوية وإحالتهم فورًا للقضاء، ليأتي رد الوز “نرجو ألا نوجه الاتهامات والتخوين جزافًا، نحن دولة قانون، وهناك زملاء في لجنة التأليف يجب ألا نهدر حقهم”.

ورغم أن الوزارة لم تستبدل القصائد “الشعبية”، التي تحوي كلمات عامية مثل “طش طش” و”اش اش” و”تب تب تاب”، إلا أنها وجدت أنه “من الواجب” تبرير ذلك للمواطنين بأن مثل هذه الكلمات موجودة في قاموس اللغة العربية الفصيح، ومناسبة لتعليم الطفل السلم الموسيقي، على حد قولها.

وعن أغلفة الكتب “المخيفة”، المتمثلة في كتاب صف العاشر بتمثال للملك “إيشوب إيلوم” في مملكة ماري، تعهد هزوان الوز للطلاب بأنه سيستبدلها ولكن في النسخ المقبلة.

شتائم وسخرية ومطالب باستقالة وزراء

في وقت لم يكن يجرؤ فيه السوريون على شتم موظف صغير في دوائر الدولة، أصبح بين يديهم حرية، غير واضحة المعالم، لشتم الوزراء ورئيسهم وانتقادهم على قرارات وتصرفات، بل وتوجيه الأوامر لهم بما عليهم فعله.

تمثلت تلك الجرأة في مواقف عدة شتم فيها المواطنون وزير الكهرباء السابق، عماد خميس، والحالي زهير خربوطلي، بسبب سوء وضع الكهرباء في البلد وانقطاعها لفترات طويلة عنهم، مشككين في صدق ما تقوله الحكومة عن “أعمال تخريبية” طالت محطات التوليد بفعل “الإرهابيين”.

وفي سابقة لم يعتد عليها السوريون، وجه أحد المواطنين صفة “حيوان”، التي كانت تلاحق المواطنين السوريين من قبل المسؤولين، لوزير الكهرباء خربوطلي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حين صرح الأخير، في شباط الماضي، أن التيار الكهربائي عاد بنسبة 80%، إلا أن المواطنين لم يلمسوا ذلك حينها.

وكتب منهل إبراهيم عبر حسابه في “فيس بوك”، “غريب أمر هالبلد، انو شو شغلتك ياحيوان لكن، بس القسمة اجت عليك وحطوك وزير مشان الحصص بس”.

وتابع منتقدًا أعضاء مجلس الشعب والقيادات القطرية في النظام السوري “وين أعضاء مجلس الشعب؟ شو شغلتون؟ منظر بس؟ وأعضاء القيادة القطرية والقومية والحزبية واللي مدري شو، مفضيين حالون للقضية بس”.

ونال وزير التربية، هزوان الوز، نصيبًا من شتائم المواطنين على خلفية أخطاء المناهج الأخيرة، وكتبت فاطمة عبد القادر تعليقًا عبر “فيس بوك”، “ما ضل غير وزير التربية يخرب الأجيال، الحرب أخدت شبابنا وبهدلتهن، والوزير الطش خرب عقول أطفالنا، والله شي مخزي وعار عليك يا وزير”.

لم يكتفِ بعض المواطنين بالسخرية وشتم مسؤولين في النظام السوري، إذ طالبوا من منبر مواقع التواصل بإقالة بعض المسؤولين من منصبهم، فطالب زهير حمود زيود عبر “فيس بوك” بإقالة زهير خربوطلي من منصبه بسبب “عدم التزامه بوعوده” تجاه المواطنين، وكتب معلقًا “إذا ما عنده شيء إلا الحكي الفاضي يستقيل أفضل، شبعنا تبريرات فارغة”.

وتابع متهمًا إياه بالفشل، “يستقيل لأنه فشل بأداء واجبه كموظف بخدمة الشعب، الاستقالة شرف في حال حس بنفسه عديم الفائدة”.

ورغم أن رضوخ الحكومة للمواطنين بإقالة مسؤولين في الدولة غير واضح حتى الآن، إلا أن تعديلات عدة حصلت في حكومة عماد خميس، التي تشكلت قبل عام واحد فقط، أطاحت بوزراء عدة مثل وزير الاقتصاد أديب ميالة، ووزير العدل نجم الأحمد، على خلفية قضايا “فساد وتلقي رشاوى”، بحسب مجلس رئاسة الوزراء.

هل نجح السوريون باستثمار “المتنفس” الوحيد؟

مع كل مطالبهم بالحرية في التعبير عن الرأي والمشاركة في صنع القرار، والتي أدت نهاية المطاف إلى نزاعات وحروب صُنفت بالأعنف في التاريخ الحديث، وجد السوريون بالتخفي وراء الشبكة العنكبوتية متنفسًا للتفريغ عن الضغوط التي يعانون منها، وإن كان بالكلام فقط.

ومن وجهة نظر الخبير في الشبكة الاجتماعية، طارق الجزائري، فإن السوريين لا يملكون أي مخرج للتعبير عن آرائهم سوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وأرجع الجزائري الأسباب إلى إمكانية تخفي المواطن وراء أسماء وهمية عبر تلك المواقع، وإن ظهر باسمه الحقيقي فإنه غالبًا ما يخفي بقية المعلومات المتعلقة فيه أو يقدّم معلومات غير صحيحة، ما يعطيه حرية أكبر بالتعبير عن رأيه.

وأضاف الجزائري أننا الآن في عصر أصبحت فيه وسائل التواصل وسيلة تأثير “فعّالة” في أغلب دول العالم، وفي الحكومات “الديمقراطية” خاصة، التي تخصص خبراء تقنيين لمراقبة آراء الناس عبر تلك الوسائل.

وأشار إلى أن في هذا التأثير مصلحة مشتركة بين الحكومة وشعبها، إذ غالبًا ما يسعى بعض السياسيين إلى “تلميع” صورتهم واكتساب شعبية عن طريق عرض نشاطاتهم “الإصلاحية” عبر مواقع التواصل.

ويظهر ذلك جليًا من خلال سعي رئيس وزراء حكومة النظام السوري، عماد خميس، “الدؤوب” إلى التقرب من المواطنين عبر تنظيم جولات تفقدية في المدارس والمطارات، وبثها عبر موقع “فيس بوك”.

والموقف الأشهر لخميس هو زيارته لمطار دمشق الدولي، في 14 آب الماضي، والتي أسفرت عن إقالة مدير المطار على خلفية شكوى من مسافرة، قالت إن موظفي المطار لم يهتموا بشؤون المسافرين.

وبالحديث عن المصالح المتبادلة، اعتبر بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن الفيديو الذي انتشر عن تفقد خميس لأحوال المسافرين مجرد “مسلسل” سبق معرض دمشق الدولي، الذي عُقد في الفترة بين 17 و26 آب الماضي.

وهنا يبدو أن حكومة النظام السوري، بعد تشريد 11 مليون سوري وقتل نصف مليون آخرين، بدأت بتحسين صورتها أمام المواطنين في الداخل، بقولها “نحن نسمع آراءكم ونستجيب لمطالبكم”، لتجد في مواقع التواصل الاجتماعي الوسيلة الأسهل والأقرب لمخاطبتهم.

فيما تبقى المواقع نفسها الوسيلة “الأكثر أمنًا” للمواطنين للتعبير عن آرائهم وانتقاد كبار المسؤولين في الدولة، باستثناء رئيس النظام ومؤسساته الأمنية، التي مايزال انتقادها إلى اليوم “استهتارًا بأمن الوطن”، ودعمًا لما تصفه الحكومة بـ “الجماعات الإرهابية”.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع