عنب بلدي – وكالات
قصف مستمر منذ أسبوعين تتعرض له مدن وبلدات محافظة إدلب في الشمالي السوري من قبل الطيران الحربي الروسي والتابع للنظام السوري، راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى وتدمير منشآت مدنية، في خرق واضح لاتفاق الجولة السادسة من محادثات “أستانة”، والذي أفضى إلى إدخال المنطقة ضمن اتفاق “تخفيف التوتر” ونشر قوات تركية فيها.
أكثر من مليونين ونصف المليون مواطن يقطنون في المنطقة، سواء من أهلها الأصليين أو المهجرين إليها من باقي المدن السورية، ترقبوا بحذر ما ستؤول إليه أوضاع مدينتهم بعد الاتفاق، وسط تحليلات تارة بتدخل عسكري تركي بالتعاون مع “الجيش الحر” للقضاء على “هيئة تحرير الشام”، المتهمة من قبل المجتمع الدولي بأنها فرع “تنظيم القاعدة”، وتحليلات تارة بحل الهيئة نفسها وإقامة إدارة مدنية تشرف عليها الحكومة السورية المؤقتة تجنب إدلب ويلات الحرب.
معركة “هيئة التحرير” حجة لروسيا
لكن الهيئة فاجأت الجميع وأعلنت عن إطلاق معركة “يا عباد الله اثبتوا” في ريف حماة الشمالي، في 19 أيلول الماضي، لتتخذها موسكو ذريعة وتبدأ مسلسل القصف اليومي على المدينة وريفها.
القصف طال أغلب مدن المحافظة، وكان أعنفها على المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا، مثل جسر الشغور وحارم وأرمناز وأوقع مجازر فيها، وسط أنباء عن استخدام الطيران الروسي للمجال الجوي التركي في قصف هذه المناطق، بحسب ما أورد ناشطون تواصلت معهم عنب بلدي، الجمعة 29 أيلول.
إلا أن وزارة الدفاع الروسية أنكرت قصف طائراتها للأحياء السكنية وقتلها لعشرات المدنيين، واعتبرت على لسان متحدثها، إيغور كوناشينكوف، في 28 أيلول ، أن “طائرات القوات الجوية الفضائية الروسية لا توجه ضربات إلى مناطق سكنية في البلدات، لتجنب سقوط ضحايا بين المدنيين، وإنما تستهدف فقط قواعد الإرهابيين وآليات ومستودعات ذخائر تابعة لهم، بعد تحديد مواقعها باستخدام طائرات من دون طيار”.
كما اعتبرت أن الدفاع المدني الذي تستند إليه الوكالات في مزاعمها حول سقوط ضحايا بين المدنيين، هم من “الخوذ البيضاء” التي تتهمهم روسيا بخدمة “إرهابيين” في سوريا، وتعتبرهم مصدرًا غير موثوق به.
تقريران حقوقيان يؤكدان القصف الروسي
لكن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أصدرت تقريرًا بعنوان “قوات الحلف السوري- الروسي تدمر دمويًا اتفاقيات أستانة”، استعرضت فيه انتهاكات روسيا والنظام في مدينة إدلب.
وجاء في التقرير أن روسيا والنظام بدأا حملة عسكرية مكثفة على إدلب، في 19 أيلول الماضي، ووثق التقرير ما لايقل عن 714 غارة جوية على المحافظة، إضافة إلى 13 برميلًا متفجرًا ألقاهم طيران النظام السوري في غضون ثمانية أيام، استهدفت منشآت حيوية مدنية أبرزها مشاف ومراكز للدفاع المدني ومدارس ومحطات تحويل الطاقة الكهربائية.
وأشارت الشبكة إلى تعمد الطيران الروسي إلحاق الضرر بالبنى التحتية والمرافق الخدمية للمدنيين.
ووثق التقرير مقتل ما لا يقل عن 137 شخصًا بينهم 23 طفلًا و24 إمرأة و52 مقاتلًا.
في حين أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” الدولية عن إغلاق المشافي في إدلب وحماة أبوابها “تخوفًا من القصف”، وأن ست مشاف تدعمها استقبلت 61 قتيلًا و241 جريحًا سقطوا خلال القصف بين 19 و27 أيلول الماضي.
وحذرت المنظمة من فقدان الرعاية الصحية بالكامل في المنطقة بعد خروج عدد من المستشفيات عن الخدمة إما بسبب تعرضها للقصف، أو خوفًا منه.
وقال مدير العمليات في المنظمة، بريس دو لافين، “من الجلي أن المستشفيات ليست بمنأى في الوقت الحالي عن عمليات القصف التي تستهدف محافظة إدلب، وهذا أمر مشين، وإن الخوف يدفع بالمستشفيات إلى إغلاق أبوابها أو تقليص خدماتها، ما سيؤثر على الجميع من مرضى وجرحى ونساء حوامل وكل من يحتاج رعاية طبية”.
تصعيد عقب لقاء بوتين وأردوغان
القصف الروسي استبق لقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، الذي زار العاصمة أنقرة، الخميس 28 أيلول، لبحث الملف السوري والعراقي، وكان على رأس المحادثات: إدلب.
وكان المواطنون في الشمال السوري يعولون على اللقاء، وسط تفاؤل بإمكانية توصل الرئيسين إلى تفاهم يوقف القصف ويجنب المحافظة الحرب.
لكن تصريحات الطرفين في المؤتمر الصحفي، الذي عقداه عقب اللقاء الخامس بينهما، كانت مخالفة للتوقعات واقتصر حديثهما على مواصلة التعاون بينهما عبر الطرق السياسية، في حين أشار الرئيس الروسي إلى أنه تناول القضايا الإقليمية مع أردوغان، بشكل “بناء” وفي جو “يسوده الود”.
بعد “الود” الذي تحدث عنه بوتين كثف الطيران الروسي قصفه لبلدات وأرياف مدينة إدلب موقعًا عشرات الضحايا، في ظل صمت من الحكومة التركية باستثناء ما صدر عن وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، قبل لقاء الرئيسين، عندما طلب من روسيا أن “تكون حريصة” بعد قصفها لإدلب.
وقال جاويش أوغلو في مقابلة مع قناة “خبر” التركية، في 25 أيلول، إن “قصفًا روسيًا في الآونة الأخيرة في إدلب السورية أسفر عن مقتل مدنيين ومقاتلي معارضة معتدلين”، مضيفًا أن “قتل المدنيين انتهاك لاتفاق أستانة وأنه ينبغي على موسكو أن تكون حريصة”.
الصمت التركي السياسي رافقه وصول تعزيزات عسكرية تركية على ولاية هاتاي الحدودية مع سوريا، بحسب ما أفادت وكالة “الأناضول” التركية، السبت 30 أيلول، والتي أكدت أن موكبًا يضم 20 مركبة بينها آليات بناء وإسعاف، توجهت إلى منطقة “جيلفا غوزو” بقضاء الريحانية، التابع لولاية هاتاي جنوبي البلاد، الأمر الذي عزز أنباء تدخل تركي عسكري محتمل داخل إدلب.
إحباط وصمت المعارضة
وعقب لقاء الرئيسين واستمرار القصف ساد جو من الإحباط وردود فعل منددة على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل سوريين جراء الموقف التركي وصمته، خاصة بعد انتشار إشاعات عن وجود تهدئة في المدينة.
وقال المستشار القانوني لـ “الجيش الحر”، أسامة أبو زيد، الخميس 28 أيلول، عبر “تويتر”، إن وقفًا لإطلاق النار سيبدأ اعتبارًا من الساعة 12 مساءً يشمل القصف الجوي والمدفعي، لكن ذلك لم يطبق.
الصمت التركي اعتبره البعض نتيجة تفاهمات جرت بين الطرفين حول إدلب لا تزال غامضة المعالم، وسط تخوفهم من تكرار سيناريو الأحياء الشرقية في حلب، عندما اتهمت تركيا بالتخلي عنها وتسليمها لروسيا، ما أدى في نهاية المطاف إلى التوصل لاتفاق مع فصائل المعارضة وخروج المقاتلين وتسليمها للنظام السوري، أواخر العام الماضي.
لكن محللين آخرين استبعدوا تطبيق سيناريو حلب في إدلب كونها تقع على حدود تركيا وفيها كثافة سكانية عالية، واعتبروا أن التعزيزات التركية على الحدود السورية تأتي استعدادًا للدخول إلى المدينة بمساندة الطيران الروسي، والقضاء على “هيئة تحرير الشام” وبسط سيطرتها على المحافظة، لقطع الطريق أمام النظام السوري وإيران التقدم نحوها.
ويستند أصحاب هذا التحليل إلى أن زحف النظام، الذي يروج عبر إعلامه لمعركة إدلب إضافة إلى أنباء عن تشكيل “قوات عشائر إدلب” ودعوة الانضمام إليها مقابل إغراءات مالية تصل إلى 100 ليرة سورية، قد يؤدي إلى نزوج عشرات الآلاف من المدنيين باتجاه تركيا المكتظة بالسوريين أصلًا، وهو ما لا تريده أنقرة التي تفرض تشديدًا صارمًا على حدودها منذ أكثر من عامين.
واستقبلت أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري بحسب آخر إحصائية لوزارة الداخلية التركية، نشرت الخميس 29 أيلول.
وكان الرئيس التركي قال، في 22 أيلول الماضي، إن تركيا ستنشر قوات في منطقة إدلب في إطار الاتفاق، قائلًا إن “اتفاق منطقة تخفيف التوتر كان فكرة واعدة، يحفظ بموجبها الروس الأمن خارج إدلب، بينما تحفظ تركيا الأمن داخل منطقة إدلب”.
وفي طور التفاهمات السياسية والعسكرية بين الأطراف المعنية، يبقى مصير مئات الآلاف في المنطقة مجهولًا وسط تخوفهم من تحولهم إلى أداة للمساومة دون النظر إلى وضعهم الإنساني والمعيشي، في ظل صمت المجتمع الدولي والمعارضة السورية التي رحبت رسميًا بالتدخل التركي، على لسان منسق الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب.