عنب بلدي – ضياء عودة
ترسم حملة “قوات سوريا الديمقراطية” العسكرية في محيط مدينة دير الزور خريطة اقتصادية تشمل حدودها ما تبقى من أرض الجزيرة السورية، لتؤكد الخطوات المتسارعة على تأمين مصادر الطاقة والثروة، والتي تضمن استدامة موارد “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا.
معمل “كونيكو” للغاز وحقول نفط الجفرة كانت من المصادر التي تم سحبها من يد تنظيم “الدولة” والنظام السوري، إذ سيطرت عليها “قسد”، الأسبوع الماضي، بمساندة رئيسية من التحالف الدولي.
وتحاول القوات حاليًا ضم ما تبقى من الآبار والحقول النفطية المحيطة به على الضفة الشرقية من الفرات، والتي تحوي 90% من الإنتاج النفطي في دير الزور.
لكن ما أهمية هذه الحقول، وما هي خطوط التصريف المحتملة للإنتاج النفطي لأكثر من أربعة حقول في ريفي الحسكة ودير الزور.
أكبر مصادر الطاقة بيد “قسد”
لم تمض ساعات من السيطرة على حقل كونيكو حتى عرضت “قسد” طاقته الإنتاجية، وأظهرت أهميته الاقتصادية في سوريا، والتصميم الحديث لآلاته وخطوطه، كخطوة اعتبرت “إنجازًا” للحملة العسكرية على الصعيد الاقتصادي.
يقع المعمل على بعد عشرين كيلومترًا شمال شرقي دير الزور، في بلدة الطابية، وأنشئ عام 2001 كمشروع مشترك بين شركة “SPC” و”كونوكو فيلبس” الأمريكية، ويعتبر من أبرز المنشآت النفطية المجهزة بتقنيات عالية في سوريا.
عنب بلدي تواصلت مع مدير شركة “إيبلا” للغاز سابقًا، هشام الصالح، وعرض إنتاجية “كونيكو” قبل عام 2011. وينتج الحقل الغاز المرافق والغاز الحر، وبلغ إنتاجه نحو 150 مليون قدم مكعب من الغاز النظيف، وألف طن من الغاز المنزلي، إلى جانب 30 ألف برميل من المكثفات.
وأوضح الصالح أن المعمل من أضخم المعامل في سوريا، ويعتمد بشكل رئيسي على نوعين من المصادر، الأول من غاز المحطات النفطية لحقول الفرات وشركة دير الزور، إضافةً إلى الغاز القادم من حقل الطابية.
وتدور المعارك والعمليات العسكرية في محافظة دير الزور حاليًا تحت مسمى “غرب النهر وشرق النهر”، بحسب تصنيف الصالح، الذي أشار إلى أن الضفة الشرقية من نهر الفرات تضم 90% من الحقول النفطية في دير الزور، والتي تديرها شركتا “الفرات”، و”دير الزور”.
وبحسب تقرير لـ “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في 2014 بعنوان، “سلاح النفط في سوريا”، فإن المحافظة تضم حقول نفط وغاز من أكبر الحقول في سوريا، من أهمها حقل العمر النفطي الواقع شمال شرق مدينة الميادين، وحقل التنك في بادية الشعيطات بريف المدينة الشرقي، وحقل الورد بالقرب من قرية الدوير بالريف الشرقي، وحقل التيم بالقرب من مدينة موحسن جنوب المدينة، والجفرة على بعد 25 كيلومترًا شرق المدينة.
كما تضم المحافظة حقل “كونيكو” ومحطة نفط الخراطة 20 كيلومترًا جنوب غربي دير الزور، ومحطة “T2”، وتقع على خط النفط العراقي السوري.
وبحسب الصالح، كانت تجري عملية إعادة تدوير الغاز في معمل “كونيكو” لإنتاج النفط الخفيف المعروف بـ “الكوندسات” أو “المكثفات الغازية”، والذي يتجاوز سعرها الـ “برنت” (أغلى نوع نفطي)، مشيرًا إلى أن أهالي دير الزور استخدموا النفط الخفيف في السنوات السابقة لحركة السيارات بصورة مباشرة.
سوق واسعة للتصريف
لم يكن “كونيكو” والجفرة الحقول الأولى التي تسيطر عليها “قسد”، فقد سبقها حقول نفطية وغازية ذات أهمية “استراتجية” منها الرميلان والشدادي والجبسة والسويدية سيطرت عليها “وحدات حماية الشعب” (عماد قوات سوريا الديمقراطية) منتصف 2012، إلى جانب مصفاة الرميلان، وحقول كراتشوك وحمزة وعليان ومعشوق وليلاك.
ويبلغ عدد الآبار النفطية التابعة لحقل “رميلان” 1322 بئرًا، إلى جانب 25 بئرًا للغاز المسال في حقل السويدية.
وأمام هذا الواقع طرحت تساؤلات عن المنفذ الذي تعتمد عليه “القوات” ومن ورائها “الإدارة الذاتية” لتصريف الإنتاج.
وأوضح الصالح أن النظام السوري منح الوحدات الكردية بداية سيطرتها على الحقول ميزات تشغيل مقابل عائد مادي، وحصولها على قسم من النفط، وسط غموض الاتفاق الدائر بين الطرفين حاليًا.
وإلى جانب التعامل مع النظام السوري، يصرف قسم من النفط والغاز السوري باتجاه شمال العراق عبر طرق التهريب غير النظامية، إذ يتم خلطه مع نفط أربيل، بعيدًا عن أي مساءلة.
وأشار الصالح إلى أن عملية التصريف إلى العراق تتم عبر خطوط النفط المؤقتة التي أنشئت أثناء حرب العراق، وتأكد فيما بعد أن الشركات النفطية الكبيرة التي تدير هذه العملية هي شركات أربيل.
مصادر مطلعة لعنب بلدي أكدت حديث الصالح، وأشارت إلى أن تهريب النفط يتم عبر أنبوب قديم يصل مصفاة عين زاله العراقية إلى محطة السويدية، إلى جانب خطوط تم إنشاؤها حديثًا.
وكان مصدر في وزارة الطاقة في الحكومة المؤقتة أكد لعنب بلدي في وقت سابق أن “الإدارة الذاتية” باشرت بتصدير النفط بعد السيطرة على المنطقة إلى كردستان العراق، ومنه إلى الأسواق العالمية، بحجم إنتاج 60 إلى 70 ألف برميل يوميًا، من حقول الرميلان.
مصالح مشتركة بين “قسد” والنظام
إلى ذلك قال الخبير في مجال النفط والثروة المعدنية، عبد القادر العلاف، إن “قسد لا يمكنها استثمار النفط إلا بالتعاون مع النظام، وتجمعها معه تفاهمات لوصول الغاز لمحطات توليد الكهرباء وتبادل المصالح”.
وأضاف لعنب بلدي “بالنسبة للنفط يختلف الأمر، وهناك هامش من بيعه للأسواق المحلية السورية في المناطق المحررة ومناطق النظام، وحيثما تتوفر أحواض التكرير البدائية”.
واعتبر أن “قسد ستجري تفاهمات إضافية، علمًا أنها لم تقطع العلاقة مع النظام السوري لتصريف منتجات النفط والغاز الواقعة تحت سيطرتها، وخاصة بعد الحصار المتوقع فرضه على إقليم كردستان العراق”.
في حين أوضح الصالح أن خطوط “كونيكو” جميعها مرتبطة مع النظام السوري ومحطاته في مناطق سيطرته، معتبرًا أن إنتاج المعمل في حال تشغيله سيذهب إلى النظام.
وأشار إلى أن النظام يعتمد حاليًا على معمل الشمال الذي يشغله تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتحت إشراف روسي، إلى جانب معمل الفرقلس، عدا عن معمل غاز الشاعر الذي سيطر عليه مطلع العام الجاري في ريف حمص الشرقي، إضافةً إلى معمل الجبسة الخاضع لسيطرة “قسد”.
ووفقًا لخريطة حصلت عليها عنب بلدي لخطوط الغاز في سوريا، ينطلق الخط الأول من حقل الجبسة مرورًا بضاغط دير الزور ومعمل حيان، ويصل إلى محطة قطينة غربي حمص.
بينما ينطلق الخط الثاني من معمل غاز دير الزور شرق المدينة إلى معمل حيان، وبعدها إلى محطتي الناصرية وتشرين.
كما يبدأ الخط ثالث من معمل غاز العمر ويمر بضاغط الريان، ليتفرع إلى خطين الأول إلى محردة، والثاني إلى الناصرية وتشرين.
وتوجد خطوط أخرى منها آراك زيزون الذي يصل إلى مدينة حلب، وخط غاز بانياس.
ماذا عن الشركات الأجنبية؟
استثمرت عشرات الشركات الأجنبية الحقول النفطية المنتشرة في سوريا، وخاصةً في المنطقة الشرقية بدير الزور والحسكة.
إلا أنها توقفت عقب عام 2011 على خلفية العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري، والمعارك التي أفضت إلى سيطرة تنظيم “الدولة” على كامل الحقول حينها، دون أي تعليق على مستقبل الاستثمارات التي وضعتها في سوريا.
وأوضح مدير شركة “إيبلا” السابق، هشام الصالح أن الحقول النفطية التي سيطرت عليها “قسد” تديرها شركات كبيرة في العالم، ومن غير الممكن أن تتركها لشركات أو جهات أخرى.
وقال إن حقل الطابية الذي يعتمد عليه معمل “كونيكو” يتبع لحقل الجفرة الذي تديره شركة “توتال” الفرنسية، وفي عام 2008 وقعت عقدًا بتوسيعه وإعادة استثماره من جديد، لافتًا إلى أن الشركة يمكن الوصول إلى الحقول التي تديرها على اختلاف الجهة المسيطرة.
وتعتبر “توتال” من أهم الشركات الفرنسية العاملة في القطاع النفطي، وأعنت في 2011 توقفها عن العمل في سوريا، على خلفية عقوبات الاتحاد الأوروبي.
وتعمل في مشروع مشترك تملكه مناصفة مع “الشركة السورية للنفط” التابعة للنظام السوري التي لم تدرج في قائمة الشركات المستهدفة بعقوبات الاتحاد الأوروبي.
وباشرت “توتال” أعمالها في سوريا عام 1988 من خلال امتياز شركة “دير الزور” للنفط”، وهي شركة تتقاسمها “توتال” مناصفة مع الشركة السورية للنفط.