خطيب بدلة
الإنسان غير السوري ممكن يهستر، ويسوح في الشوارع، ويحكي مع نفسه مثل المجانين فيما لو صَفَن بالوضع السوري، وحاول أن يعرف ماذا يجري في هذا البلد الصامد… الله وكيلك هستيريا أصلية، فعلى أرض الواقع تجد العسكري المجند يعدُّ الأيام والليالي ويقول يا رب تنتهي عسكريتي على خير.. وإذا كان الذين خلفوه يمتلكون فائضًا من المال سرعان ما يذهبون إلى الضابط المسؤول عنه ويطلبون منه تفييشه (أي إعطاءه إجازة مفتوحة مقابل رشوة تدفع لمعلمه شهريًا)، وإذا شرب كأسًا من الشاي لا يقول دايمة، بل يقول، على طريقة سجناء تدمر، بالخلاص يا شباب.. وإذا سنحت له فرصة آمنة للانشقاق لا يتردد بل يركض ولا يتلفت.
ومع هذا يذهب الممثل زهير عبد الكريم، برفقة مصور من التلفزيون السوري، إلى حيث يقف أحد الجنود المساكين، ويقول للمصور: صورني وأنا أمرغ شفاتيري ببوطه، لأن الفضل في وحدة سوريا، وتماسكها، وصمودها أمام الأطماع الاستعمارية، يعود لبوط هذا العسكري العظيم الذي يصل الليل بالنهار وهو يكافح الإرهاب!
من فرْط الاحترام الذي تكنّه قيادة هذا الجيش العقائدي للشاب السوري المستعد لأن يفدي وحدة الوطن وتراب الوطن بروحه -كما يقولون في الخطابات- فإن عملية الاستدعاء إلى الخدمة تسمى “مذكرة سوق”! وبعد أن “يساق” الفتى، ويدخل في أقرب تجمع للعساكر المجندين، يبدأ بالتعرف على الحقيقة المؤلمة، وهي أن هؤلاء القوم لا ينظرون إليه بوصفه مواطنًا سوريًا جائيًا إلى هنا لكي يفدي تراب الوطن بروحه ودمه، وإنما بوصفه مسيحيًا أو مسلمًا: سنيًا أو درزيًا أو علويًا أو سمعوليًا، عربيًا أو كرديًا أو شركسيًا أو أرمينيًا، ليكسب (أو يخسر) درجات في التعامل معه خلال الخدمة بحسب القومية أو الدين، أو الطائفة التي ولدته (بظَّتْه) والدته فيها.
قبل أيام من كتابة هذه القطعة الصحفية أطلق ضباطٌ ومجندون في الجيش العقائدي السوري نداء استغاثة ضمن حملة تدعو إلى تسريح أقدم دورتين مُحتَفظ بهما منذ سبع سنوات.. هذه الحملة حازت على اهتمام المئات من الضباط والمجندين والعاملين في الجيش حتى بلغ عدد المنضمين إلى مجموعة “بدنا نتسرح” على الفيس بوك نحو 3400 مستخدم. (المصدر عنب بلدي).
إننا نتحدث، بالطبع، عن الأشخاص الباقين على قيد الحياة بعد سبع من السنوات العجاف، سواء من أبناء الشعب السوري الذين ما انفك الجيش العربي السوري الباسل يقتلهم دفاعًا عن الحكم الذي ورثه ابن حافظ الأسد عن أبيه، أو من الجنود الذين انشقوا عن الجيش في يوم من الأيام، أو من جنود الجيش المقتنعين على نحو يثير الشفقة بأنهم يحاربون الإرهاب، أو الجنود الذين استمروا في الجيش لأنهم لم يجدوا مخرجًا آخر.. هذا كله يحدث، ويعرفه الجميع، ومع ذلك تجد وزيرًا سابقًا كمهدي دخل الله يدعو السوريين إلى تقبيل بوط الجندي، وتجد كتابًا كاسدين مثل رشاد أبو شاور يتغنون ببطولات هذا الجيش، ولله الأمر.