العرب والأكراد وغياب الأمل
إبراهيم العلوش
من حق الأكراد تقرير مصيرهم، ومن حقهم أن يتمتعوا بثقافتهم وبكيان خاص بهم، فالكردي لن يصبح عربيًا، ولن تفلح أي قوة بجعله كذلك، كما لم تفلح أدبيات حزب البعث ولا مخابرات دولته بجعله عربيًا.
ولكن الدولة الكردية المراد تأسيسها اليوم في سوريا تقوم بنفس الدور القومي النازي الذي قام به حزب البعث، فهي تقتلع القرى والمدن العربية، وتجبرها على الاستكراد، وترغم سكانها على حمل صور عبد الله أوجلان، وإعلان العداء للدولة التركية، التي لا يجد السوريون اليوم أي مبرر للعداء معها، ولا لقتالها، كما تنادي بذلك فصائل البي كي كي.
تلك الفصائل تفرخ كل يوم بمسمى جديد كقسد، والأسايش، و قوات المرأة الكردية، وتتوالد النظريات تحت راياتها بشكل فطري مثل حرية الشعوب الديمقراطية، ونظام الإدارة الهجين في الديمقراطية الشعبية، على طريقة القذافي، ونظرياته التي تمزج الاشتراكية بالجماهيرية من جهة، وتتحالف مع إيران وأمريكا وروسيا، دون أن تعي مرامي كل دولة وأهدافها، اللهم إلا ترسيخ العداء لتركيا، وفتح الأراضي السورية في شمال الرقة والحسكة لتكون جبهات قتال ضدها في العقود المقبلة، استكمالًا لمهام جبال قنديل وعصاباته التي أسهمت بشكل إجرامي بتدمير الرقة مع التحالف الغربي بحجة تحريرها من داعش.
ورغم السيل الجارف من الوعود العلمانية، والديمقراطية الشعبية، التي يطلقها رجال جبال قنديل في سوريا، فإن النتيجة البعيدة لكل هذا الخداع، هو الاستئثار بالهيمنة على شمال سوريا، وضمه للدولة الكردية المنشودة، وتأسيس ممر طويل يصل إلى البحر الأبيض المتوسط ليعزل تركيا عن العالم العربي، ويتسبب بالتهجير والتكريد لمساحات واسعة من الأراضي في شمال سوريا عبر العقود المقبلة.
تجاهل الأكراد، وسلبهم حقوقهم، تسبب بالكثير من الكراهية التي لا مبرر لها عبر الـ 100 عام السابقة، فانهيار الدولة العثمانية، وتلاحق الاتفاقات الغربية لتقاسم إرثها، حرم الأكراد من قيام دولة خاصة بهم، كاتفاقيات لوزان، وسان ريمون، وسايكس بيكو، وما إلى ذلك من المعاهدات التي أعادت رسم المنطقة وفق الرؤية البريطانية الفرنسية آنذاك، ولكننا اليوم نجد أنفسنا بعد 100 عام، أمام تهجير كبير للسوريين، يفوق ما حصل لهم عند انهيار الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين، حيث انتشروا في الدول والقارات، وتشتت الكثير منهم وفقدوا هويتهم الثقافية وتحولت بلادهم بعد 100 عام من ذلك التهجير إلى مجرد ذكريات فلكلورية.
اليوم يستغل جزء من الأكراد المأساة التي حلت بالسوريين، ويستولون على المدن والقرى في الشمال السوري، ويطلقون عليها أسماء كردية، ويفرضون التعليم باللغة الكردية على أبنائها، معتبرين أن هناك فراغًا كبيرًا خلّفته داعش، وعليهم الاستيلاء عليه، والاستعجال بتغييره، ولو تطلب الأمر المساعدة بتدمير القرى والمدن السورية، كما حدث في الرقة وقراها التي اُعتبر كل شعبها، وكل مبانيها، وبناها التحتية جزءًا من داعش، وعليهم الاستفادة من هذه الحملة العالمية ضد إرهاب داعش، وتحويلها إلى حملة ضد المدن والقرى العربية، التي يشكل وجودها عائقًا أمام الحلم القومي الكردي بشكله النازي والثأري، وليس بشكله الإنساني الذي يبني للمستقبل علاقات الأخوة، والجوار، والبحث عن المشتركات الثقافية والإنسانية بين شعوب المنطقة.
مقاتلو جبال قنديل الذين هُزموا في الجبال التركية، هبطوا إلى السهول السورية يستعرضون قوة أسلحتهم، وشراسة تدميرهم، ويمزقون العلاقة بين العرب والأكراد، لخلق حاجز نفسي يمكّنهم من الاستيلاء على قلوب البسطاء من الأكراد، ويصورون لهم العرب كدواعش، وكبعثيين، وكقتلة، متربصين بكل كردي، وذلك من أجل أن يضموهم إلى جحافل جيوشهم، وإلى حروب العصابات التي يخوضونها في تركيا طوال العقود الخمسة السابقة وحتى اليوم.
البعض يقول إن قيام دولة كردية ديمقراطية، ومدنية، سيكون شوكة في وجه الدول الاستبدادية في المنطقة كإيران، وسوريا، والعراق، وهذا من حيث المبدأ صحيح، ولكن على أرض الواقع فإن رئيس الدولة الكردية المراد تأسيس بذرتها في شمال العراق، مثلا، منتهي الصلاحية منذ سنتين، والبرلمان لم يجتمع منذ شهور إلا غداة الاستفتاء على قيام الدولة الكردية، وهو ورث الزعامة عن عائلته، ويمسك بكل زمام الحكم عبر أبنائه، وأبناء إخوته، ولا يكاد يختلف عن صدام، أو عن الأسد، أو عن الخامنئي بشيء من حيث طرق الحكم ومنهجه الواقعي، بعيدًا عن كل الأنظمة والقوانين المثالية المكتوبة.
في الـ 100 سنة السابقة، تم حرمان الأكراد من قيام دولة خاصة بهم، وهذا ظلم كبير، وكذلك تم حرمان العرب من قيام دول وطنية تحترم حقوق المواطنين، وتستند إلى إرادتهم في سياستها، لقد خسرنا قرنًا من عمر شعوبنا، ولم نكسب إلا القائد التاريخي الفذ، الذي يورّث الحكم لأبنائه، ويطبق على الأرض مشيئته الاستبدادية، ويضرب بعرض الحائط كل الأنظمة، والقوانين، والمعاهدات المكتوبة، لقد فشلنا عربًا وكردًا في تقرير مصيرنا، فهل نهتدي إلى مكان، وإلى شكل للحكم وللدول نتعايش فيه، ونتجاور بسلام وبعيدًا عن الكراهية؟
حتى الآن لم نجد مكانًا نتحاور ونتعايش فيه إلا المعتقلات، التي يتساوى فيها العرب والكرد، ويتقاسمون فيها الظلم والتعذيب بالتساوي، وكذلك في المهاجر التي اصطحبنا إليها المهربون، بالبلمات البلاستيكية وبالوسائل البدائية، وعبروا بنا البحار والطرق الموحشة عبر الدول والقارات، ونحن نفرّ من هول الحروب والاستبداد… وكذلك من غياب الأمل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :