عدالة الأسير يتيمة
ليس غريباً بعد أحداث عبرا ومقتل عسكريين لبنانيين صدور أحكام قاسية تتراوح بين الإعدام والمؤبد والسجن 10 و15 سنة للشيخ أحمد الأسير ورفاقه، بعدما هاجموا الجيش وقتلوا 16 عسكرياً في صفوفه. من الصعب تخيل الأسير يُمضي عقوبة مخففة أو يسير بيننا طليقاً، فالرجل استهدف المؤسسة الأهم في دولة مهترئة، وقتل عسكرييها بدم بارد. هذه المحاكمة وعقوباتها حق لأهالي الضحايا والجرحى العسكريين.
لكن، وفي موازاة هذا الحق، حقوق أخرى لا تستوي دونها المواطنة السليمة في هذا البلد. من المؤسف أيضاً أن عدالتنا اليوم انتقائية، وأن قسماً ليس بالهين من اللبنانيين يشعر بالغبن حيال مسارها على أكثر من صعيد. منذ عام 2005، ما زال المتهمون باغتيال رئيس وزراء سابق وسياسيين وصحافيين وعشرات المدنيين، طُلقاء، وبينهم من يتحدث للإعلام بلا خوف أو خجل. من يُلاحق هؤلاء اليوم لاعتقالهم وتنفيذ أحكام قضائية بحقهم بالاندفاعة ذاتها؟
وللغرابة هنا مكان واسع. بيد أن الحكم على أحمد الأسير، يتزامن مع اندفاعة قوية باتجاه التطبيع مع النظام السوري، حتى لو كان ثمن ذلك انفراط عقد الحكومة اللبنانية والسلم الأهلي معها. وزراء أساسيون يزورون دمشق دورياً ويُدلون بتصريحات مؤيدة للنظام. قبل أيام قليلة، التقى وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل نظيره السوري وليد المعلم في نيويورك، علناً وبطلب منه. هل سأل باسيل نظيره السوري عن المتهمين بقتل 55 لبنانياً وجرح عشرات آخرين في تفجير مسجدي التقوى والسلام في آب عام 2013؟ هل طلب تسليم المتهمين بهذه الجريمة، سوريين ولبنانيين على حد سواء، سيما أنهم يُقيمون الآن على الأراضي السورية؟
هل سأله عن المفقودين في السجون السورية وبينهم مؤيدون لتياره السياسي، حتى لا نقول ضحايا؟
من الابتسامات وطبيعة هذه الجلسة الأنيسة، بالتأكيد لا. لم يفعلها باسيل لئلا يُعكّر صفو اللقاء والعلاقة.
والكارثة أن مثل هذا التطبيع واللقاء انتقاص للعدالة أيضاً، وإهانة للقضاء اللبناني. ألم يتهم القضاء اللبناني رسمياً الاستخبارات السورية بالتورط في تفجير هذين المسجدين، وسمّى ضباطاً فيها أداروا العملية برمتها؟ وماذا عن اثبات القضاء والقوى الأمنية تورط الاستخبارات السورية في قضية الوزير السابق ميشال سماحة، وخطته لتفجير السلم الأهلي في البلاد؟
مجزرة أو قضية بهذا الحجم ليست تفصيلاً لأي دولة، ناهيك عن بلد صغير مثل لبنان. من الصعب أن تجد طرابلسياً اليوم لا يعرف أحد الضحايا. باتت وشماً يُصعب محوه، سيما في ظل غياب الملاحقة القانونية.
يجب أن تكون هذه القضايا همّاً حكومياً. على النظام تسليم المتهمين وكشف مصائر المخفيين في سجونه القروسطية، قبل البحث في التطبيع. إذا كان إطلاق بضعة أسرى من سجون اسرائيل، يستأهل حرباً شاملة كتموز عام 2006، لماذا يعجز تيار العهد وحلفاؤه عن فرض مثل هذه الشروط على نظام متهالك ويعتمد على حزب الله في أمنه؟
هذه الأسئلة رهن حكومة تتسع الهوة بينها وبين شريحة أساسية من السكان تشعر بغبن متزايد. ظاهرة الأسير كانت ردة فعل إجرامية على جريمة كبرى. الأولى محكومة بالإعدام، والثانية تُعيد انتاج نفسها بوقاحة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :