بدأت صفحات في “فيس بوك” بتناقل كلمات مقتضبة وصادمة في وقت متأخر من ليل الخميس 21 أيلول، عن مقتل المعارضة السورية عروبة بركات وابنتها الصحفية الشابة حلا بركات.
كثير من السوريين لا يعرفون المغدورتين، لكن اغتيال الصحفيين، الذي جرى عادةً في مدينة غازي عينتاب الحدودية، اقترب بشكل سريع ومفاجئ حتى خطف الأم وابنتها في مدينة اسطنبول، وشعر المنفيون واللاجئون أن القاتل كان يجول بغرفهم وبيوتهم قبل أن يختار ضحيته.
عروبة، البالغة من العمر 60 عامًا، كانت قد غادرت سوريا في ثمانينيات القرن الماضي هربًا من مجازر الأسد الأب، التي ألهبت سوريا في تلك الفترة، وصلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأنجبت صديقتها ورفيقة دربها حلا هناك، ثم توجهت للعيش في دولة الإمارات العربية.
وخلال الثورة السورية نشطت عروبة سياسيًا وإنسانيًا ودعمت دور المرأة في ثورة بلادها، وبعد تصريحات روسيا عام 2016 باحتمال قيام دولة اتحادية في سوريا، سعت جاهدةً لإعداد بيان يحمل مليون توقيع لإرساله إلى مجلس الأمن، رفضًا لمشاريع المحاصصة التي ستؤجج الصراع، وتسمح للمتطرفين بإقامة إماراتهم التي يحلمون بها.
ولم يقتصر نشاط عروبة، المنفية من وطنها منذ 39 عامًا، على مجابهة النظام فقط، فآخر المنشورات التي كتبتها عبر صفحتها في “فيس بوك”، كان دعوة شديدة اللهجة للائتلاف وهيئة المفاوضات لرفع أيديهما عن الثورة السورية، وترك الشعب السوري لمصيره دون مساهمة بشرعنة ما يتعرض له.
وكانت عروبة قد هددت، قبل مقتلها، بنشر وثائق مهمة عن الإخوان المسلمين، وشهدت علاقتها معهم في المجلس الوطني أزمات عديدة دفعت بهم إلى إقصائها من المجلس، وهو ما دفع ببعض أصدقائها لاتهام جماعة الإخوان بالضلوع في اغتيالها.
حلا، التي رافقت أمها منذ 22 عامًا، تخرّجت قبل أشهر قليلة من كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة اسطنبول شهير، وربما كان آخر ما يتوقّعه القائمون على الجامعة، أن ينعوا عبر صفحاتهم ومواقعهم الطالبة التي نشطت إلى جانب دراستها إنسانيًا وصحفيًا وهي بهذا العمر.
“لأن ما كان عندي أخوات.. ولأني بتمنى تكونوا أخواتي.. بتمنى تقبلوا مني هي الهدية إذا حبيتوني”، بهذه الكلمات قدمت حلا ألعابها لأطفال سوريا، دون أن تدري أن رفيقها الوحيد حتى آخر الدرب سيكون أمها.
عثرت الشرطة التركية على جثتي الناشطتين في شقة عروبة، وكان الجناة قد طعنوهما بالسكاكين وخنقوهما، ووضعوا فوق جثتيهما مواد تنظيف للتخفيف من انبعاث الرائحة.
واتهمت أسرة الضحايا النظام السوري بتهديد عروبة بالقتل قبل أيام، وأنه يقف حتمًا وراء الحادثة، قبل أن تشيعا من جامع الفاتح في اسطنبول، السبت 23 أيلول، وسط تحقيقات مكثفة تتابعها تركيا وعددٌ من الدول أبرزها واشنطن.
بعد اغتيال الصحفيين ناجي الجرف وزاهر الشرقاط في غازي عنتاب، والناشطين إبراهيم عبد القادر وفارس حمادة في أورفة، على أيدي أشخاصٍ يشتبه بانتمائهما لـ “الدولة الإسلامية”، ثم عروبة وحلا في اسطنبول قبل أيام، يتساءل السوريون عن مدى قدرة النظام السوري والمتطرفين على مطاردتهم حتى خارج البلاد، ومعاقبتهم على رأي أو كلمة قالوها.