التخلص من سوريا لا من شاوشيسكو السوري
إبراهيم العلوش
لماذا تقوم روسيا وأتباعها بالحفاظ على بشار الأسد اليوم، وتصر على التخلص من سوريا وتدميرها، بينما هي صمتت عندما تم التخلص من حليفها الروماني نيكولاي شاوشيسكو في عام 1989، ولم تدافع عنه، علمًا بأن إعدام شاوشيسكو كان شارة البدء لانهيار حلفها الشهير باسم “حلف وارسو” الذي كان يرعب العالم بصواريخه النووية. حدثان تاريخيان يستحقان الربط بينهما والتأمل في نتائجهما.
كان يا ما كان.. وفي الثمانينيات من القرن السابق.. كانت صور حافظ الأسد تحتل سوريا مثل الجراد، وكانت نياشين طلاس تقوم بتمثيل الأب القائد المنتصر في مجازر الثمانينيات، أما الرومان فكانوا ينعمون بصور شاوشيسكو ومؤلفاته، والتلفزيون محتل من قبل شاوشيسكو وزوجته، حتى إنهم كانوا يسمون التلفزيون الشوشاي.. شغّل الشوشاي أو طفّي الشوشاي.. لأنهم لم يكونوا يعرفون وظيفة للتلفزيون إلا نقل أخبار شاوشيسكو.
كان حافظ الأسد يحب شاوشيسكو كثيرًا، وقد سانده في أحداث الثمانينيات الدموية، واستقبل أعدادًا هائلة من أبناء المقربين منه وشبيحته من ضباط الجيش والمخابرات للدراسة الوهمية في رومانيا، حتى يقال إن أبو سليم (مدير مكتب حافظ الأسد) أرسل لوحده طائرة كاملة من حملة البكالوريا، من بلدته كمبتعثين إلى رومانيا في سنة واحدة، وهذا واحد من مئات المتنفذين الذين أرسلوا أبناء ذويهم ومسانديهم إلى رومانيا، التي كانت تمنحهم علمًا لا يضر ولا ينفع، فهم يغيّبون شموسًا ويقبضون شهادات لا قيمة علمية لها. وهذا ما ساهم بتدمير مستقبل الكثير من المؤسسات السورية التي امتلأت بهؤلاء الخريجين شبه الأميين، إلا من كان منهم صاحب ضمير وإرادة في التعلم وطوّر قدراته العلمية.
وعندما قامت المظاهرات ضد شاوشيسكو، في نهاية عام 1989، أعلن الكثير من المبتعثين السوريين والعراقيين نيتهم الدفاع عن شاوشيسكو ضد شعبه، ولكن الجيش الروماني كان حاسمًا في التخلص من سرطان الطاغية، الذي تم إعدامه خلال ساعات بعد محاكمته، لئلا يتمادى في تدمير رومانيا، بلدهم الذي حافظوا عليه بكل النبل والشرف العسكري.
لم يرتعب النظام السوري، بعد أحداث مطلع الثمانينيات، مثلما ارتعب إبان إعدام شاوشيسكو قرين الأسد الأب، وأمام نظر وسمع روسيا الأم الحنون للطاغية الروماني، ومن المفارقات أن الطاغية قبل الاحتجاجات كان في زيارة إلى إيران البلد الذي تمركزت فيه لاحقًا، الوحشية والفاشية في المنطقة بأقذر صورها وتجلياتها.
في اليوم التالي لإعدام شاوشيسكو نقلت إذاعة “مونتي كارلو” خبرًا مهمًا عن سوريا، أذهل السوريين حينها، حيث أُعلن عن نية تخفيف الأحكام العرفية وإجراء إصلاحات جذرية بناء على رغبة الرئيس السوري حافظ الأسد، وقد أوعزت القيادة إلى انعقاد اجتماع عاجل لمجلس الوزراء، لاتخاذ القرارات اللازمة، ولكنها كانت مجرد خدعة من خدع النظام، الذي تلقى تطمينات من الدول الراعية له، بإبقاء رقبة الشعب السوري مخنوقة، والاستمرار في نهج النظام المعهود، لعل التطمينات جاءت من الروس أنفسهم، بالإضافة إلى زيارة مفاجئة قام بها نائبان أمريكيان للقصر الجمهوري.
لماذا تم إعدام الطاغية في رومانيا، بينما تم إعدام الدولة السورية هنا، ولماذا يستمر الإصرار الروسي على مطالبة العالم بالحفاظ على هذه الأنتيكا الوحشية المسماة بشار الأسد؟
الفارق الزمني لا يزيد عن ثلث قرن، واللعبة ماتزال هي نفسها ولكن بأدوار مقلوبة، فثلث قرن ليس زمنًا طويلًا في عمر الشعوب، ولكن تدمير بلد بكامله للحفاظ على طاغية مكروه، هو الحل الجديد، والمقلوب للّغز المرعب.
التدخل الأوربي والأمريكي في تونس ومصر جنّب تدمير البلدين وأُمر الجيش في كلا البلدين بالتخلص من الطاغية للحفاظ عليهما وعلى شعبهما، لكنهم أعطوا القيادة للوحشية الروسية، وحليفتها الإيرانية لتدمير سوريا وإبقاء بشار الأسد، ونظامه، واعتباره حليفًا لهم في محاربة الإرهاب. وقد تلاعبت قمم جمعية أصدقاء سوريا الاستهلاكية بعواطف الشعب السوري، وخدعته لاستدراج التدمير لسوريا، ولشعبها على أيدي شبيحة الأسد، وحلفائه من الإرهابيين الذين كان يتعامل معهم في العراق، وفي لبنان، من أنصار القاعدة، وداعش، وحزب الله، وما جادت به قريحة الملالي من مجرمين وسفلة طائفيين.
لقد تدرب الجيش السوري على التدمير والتخريب، إبان تدخله المديد في الحرب الأهلية اللبنانية، حيث استمر هذا التدخل نحو ثلاثين سنة (1976-2005)، وارتبط ضباطه الكبار، وأجهزة مخابراته بالأجهزة الدولية، ودانوا لها بالولاء، وهذا ما أطلق أيديهم في التعذيب، والتدمير، وخنق مستقبل الشعب السوري، وحوّل سوريا بنظرهم الى مجرد مقر للتحالفات، والمؤامرات، وليس موطنًا لشعب له كرامته، وهبّ مطالبًا بحريته، وهذا ما أغضب النخب الطائفية، وبقية النخب المهيمنة على الدولة والمجتمع، وحملهم غرورهم وثقتهم بالداعمين الدوليين لهم على تدمير سوريا أرضًا وشعبًا.
هل العوامل الداخلية، وطول زمن التخريب البعثي وتراكمه البنيوي، بالإضافة إلى بنية الجيش الطائفية، وأجهزة مخابراته المافيوية، هي ما قاد سوريا وشعبها إلى هذا المصير، أم أن الحفاظ على أمن إسرائيل من أوهام هجوم الجيوش العربية الزاحفة هو ما أودى بالوطن السوري إلى هذا المآل المروّع، أم أن اتحاد نخب الهيمنة السياسية، مع نخب الهيمنة الاقتصادية هو ما ضاعف الاندفاع إلى هذا الدمار؟
أسئلة تحتاج إلى محللين، ودارسين اجتماعيين، وتاريخيين، ومن مختلف الاختصاصات للإجابة عليها، وهي رهن الزمن، ورهن القدرات السورية الشابة والمتجددة، لإيجاد حلها وفك شيفرتها المعقدة، والتمهيد لإعادة بناء وطن جديد قادر على النهوض وتجاوز المحنة، والتوصل إلى عقد اجتماعي مدني، وحضاري، يدفع عجلة التطور، والابتكار، والمنافسة، من أجل مكانة لائقة للسوريين في بلدهم أولًا، وفي منطقتهم ثانيًا، وعلى جميع الأصعدة والمجالات.
ملاحظة أخيرة: حافظ الأسد لم يكن مولعًا مثل شاوشيسكو بنشر المؤلفات والكتب، وقد أوعز لمصطفى طلاس بهذه المهمة، بالإضافة إلى مهمة التوقيع على آلاف قرارات الإعدام التي ترده من القصر الجمهوري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :