"حرب التعليم"
أربعة نماذج مختلفة للمدارس في درعا
عنب بلدي – درعا
يختلف النظام التعليمي في محافظة درعا على خلفية المناهج التعليمية المختلفة بين بلدة وأخرى، إذ تتجاور المدارس وتختلف مناهجها بين المناطق التي استطاعت الأطراف العسكرية فرض سيطرتها عليها، وبين أخرى مايزال المدرسون فيها حائرين بين تعليم يوافق “مبادئ الثورة”، وآخر لا بد فيه من تنازلات.
انشغلت الأوساط الإعلامية خلال الأسابيع الماضية بالتعديلات التي قام بها النظام السوري على المناهج التعليمية للمدارس الخاضعة لسيطرته، واتهمته المعارضة بإقحام السياسة في الصفوف الدراسية والكتب المدرسية.
نموذج بوتين والأسد
المفاجأة الأكبر في المحافظة كانت في درعا المحطة، عندما افتتح النظام المدارس برفع الأعلام الروسية إلى جانب أعلامه، ورفع صور الرئيس الروسي بوتين إلى جانب صور بشار الأسد، في مشهد يحمل رسالة أن “المدارس باتت تخضع للاحتلال الروسي”، بحسب رؤية المدرّسة هيام، إحدى المدرّسات في المنطقة.
وقالت المدرّسة في حديث لعنب بلدي “نحاول قدر الإمكان أن يبقى التعليم هو الموضوع الأهم داخل المدرسة، فيكفي الطالب ما يعيشه من ضغوطات خارجها”.
وعن عودة المدارس في مناطق سيطرة قوات الأسد، أضافت أنها “تبدو أفضل من السنوات القليلة الماضية نتيجة حالة الهدوء والهدنة، حيث شهدت العملية التعليمية في الأشهر الماضية تقطعات كثيرة في الدوام”.
ويفرض النظام مناهجه التعليمية على جميع المدارس الخاضعة لسيطرته، لكن المُدرّسة ترى أن الموضوع أخذ حجمًا أكبر من حجمه الحقيقي، مشيرةً إلى أن “المناهج الجديدة تحوي بعض الحشو المتعمد لأفكار النظام، ولكن بالعموم كثير من الكتب حافظت على المنهاج العلمي”.
مشهد معقد في مناطق المعارضة
أما في المناطق الخاضعة للمعارضة فالأمور معقدة بشكل أكبر، لتشهد المدارس انقسامًا في التبعية، رغم تشابهها في المناهج التعليمية، بين تلك التابعة للنظام إداريًا رغم سيطرة المعارضة عليها، والأخرى التي تحاول هيئات المعارضة الحفاظ على طابعها الثوري.
وأمام هذا المشهد اعتبر محمود الغزاوي، من أهالي بلدة صيدا، أن “وجود المدارس التابعة للنظام في المناطق الخاضعة للمعارضة نتاج فشل المعارضة في الملف التعليمي طوال السنوات الماضية”.
وأدى غياب المناهج التعليمية للمعارضة عن محافظة درعا، وعدم قدرتها على انتزاع الاعتراف الإقليمي والدولي بما تصدره من شهادات، إلى تمسك بعض الأهالي بوجود النظام تعليميًا في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.
وأضاف الغزاوي لعنب بلدي “نحن لسنا في زمن حلقات الكتّاب، وتعلم القراءة والكتابة والحساب لم يعد كافيًا، واستكمال الدراسة الجامعية المعترف بها من جميع الدول هو ضرورة ملحة فشلت المعارضة في توفيرها”.
ورأى أن ما يمرره النظام من أفكار في مناهجه التعليمية من الممكن تجاوزه وتصحيحه لاحقًا، ويبقى أقل ضررًا من عدم حصول الطالب على فرصته الكاملة في التعليم.
على الجانب الآخر اعتبر المدرّس همام الحمصي أن وجود بعض المدارس التابعة إداريًا للنظام “أمر مستهجن، بعد أن قامت قواته بقصف هذه المدارس سابقًا”، داعيًا ذوي الطلاب إلى “عدم إعطاء الأسد الشرعية، عبر الالتحاق بمدارسه”.
ورغم أن المناهج التعليمية المُدرَّسة في المدارس التابعة للمعارضة مماثلة لتلك المُدرَّسة لدى النظام، أوضح المدرّس “نحن نقوم بشطب الأفكار التي يحاول النظام زرعها في عقول الطلاب، وهو أمر بالغ الأهمية حتى ولو كانت هذه الأفكار محدودة”.
وعن غياب الاعتراف الإقليمي والدولي، بالشهادات التي تصدرها هيئات المعارضة، طالب المُدرّس خلال حديثه مع عنب بلدي الجهات المانحة وأصحاب الاختصاص إلى “التوجه لافتتاح الكليات ضمن المناطق المحررة، وإثبات قدرتنا وكفاءة مناهجنا التعليمية، وبعدها يصبح انتزاع الاعتراف أمرًا سهلًا”.
إلا أن هذه الآمال مؤجلة في الوقت الراهن، وسط زحمة المشاريع التنموية في الجنوب، التي لا يبدو أن بناء نظام تعليمي جامعي مدرج فيها.
نموذج “الدورات الشرعية”
ويبدو النموذج الرابع من المدارس في محافظة درعا بعيدًا عن كل التعقيدات المحيطة بتلك الخاضعة سواء لقوات الأسد أو للمعارضة.
وأعلن “جيش خالد بن الوليد”، المتهم من المعارضة بمبايعته لتنظيم “الدولة الإسلامية” والذي يفرض سيطرته على منطقة حوض اليرموك، عن منهاجه التعليمي الخاص المشابه لما كان يدرّسه التنظيم في المناطق الخاضعة لسيطرته في سوريا والعراق.
أحد أهالي بلدة الشجرة، ويدعى سلطان، قال لعنب بلدي إن “المنهاج تغلب عليه أفكار التنظيم بشكل كامل، ويتم تربية الأطفال عليها”.
وأمام الحصار الذي تفرضه فصائل المعارضة على منطقة حوض اليرموك، يرى سلطان أن الأهالي لا يملكون حلولًا لتعليم أبنائهم، “فإما الالتحاق بمدارس التنظيم وتعلم مناهجه، وإما الأمية”.
وشهد الأسبوع الأول من العام الدراسي إغلاق التنظيم لجميع مدارس بلدة تسيل، داعيًا المدرسين للالتحاق بما يسميه التنظيم بـ “الدورة الشرعية”.
كانت المدارس هي الشرارة التي أشعلت الثورة السورية، انطلاقًا من محافظة درعا، بعد أن كتب الطلاب “شعارات الحرية” على جدرانها، لتنتقل هذه الشعارات من مدرسة إلى أخرى ومن جدار لآخر على كامل الخريطة السورية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :