عنب بلدي – خلود حلمي
في كل يوم تطلع فيه الشمس من جديد، تستباح الآثار السورية إما قصفًا أو نهبًا، عراقة آلاف السنين باتت مهددة بشتى الوسائل، وتجار الحروب وجدوا في الوضع الأمني المتردي داخل سوريا فرصة لاستباحة آثارها ونهبها وتهريبها خارج البلاد، ناهيك عن القصف اليومي الذي لم يبق ولم يذر، في حملة ممنهجة للقضاء على الإنسان السوري ونسف حضارته العريقة. وثلة قليلة جدّا من أبناء الوطن الغيورين، يبذلون أقصى جهدهم للحفاظ على ما تبقى من ذاكرة المنطقة التي ورثتها سوريا عبر التاريخ.
-
آثار حلب، دمار كبير ومساعٍ للحفاظ على ما بقي منها
في حديث لعنب بلدي مع يوسف موسى، وهو مهندس معماري من حلب وعضو مؤسس في الجمعية السورية لحفظ الآثار والتراث، ذكر أنه منذ بدء الاشتباكات، تحولت مدينة حلب إلى جبهات في باب انطاكية وباب قنسرين وباب الفرج وباب النصر والتي تعرضت لحرق بالمولوتوف والقنابل المستخدمة في الاشتباكات.
وفي منطقة باب النصر التي تحوي ساحة الحطب ومساجد وكنائس وبيوت قديمة، تعرض معظمها لخراب كبير، كما تعرضت منطقة باب انطاكية التي تحوي الكثير من المساجد التي يعود أحدثها إلى العهد السلجوقي، وبيمارستان الأرغوني الذي يعتبر من أهم المعالم السياحية في حلب، ومدرسة الشيباني للقصف بالهاون.
وقال موسى أنه عندما تم تحرير الجامع الأموي للمرة الأولى، قام جيش النظام بحرقه قبل انسحابه منه وتعرضت مئذنته للقصف. وتابع: «قامت الجمعية السورية لحفظ الآثار بفك منبر صلاح الدين بالتعاون مع مجلس المحافظة والكتائب الموجودة في المنطقة وحفظه. كما تم حفظ كافة القطع الأثرية في بيت بوخة الأثري وكافة الأراشيف وأرشيف ترميم حلب في المدرسة الشيبانية، وتم تحصينها بشكل كامل، كما تم استرجاع بعض التماثيل والقطع الأثرية التي وجدت في اعزاز معدة للتهريب بعد جهد جهيد.
كما تحوي إحدى كنائس المدينة أقدم قبة في حلب، ونتيجة القصف تشققت القبة فقامت الجمعية بدراسة تدعيمها بدعامات خشبية ومعدنية، ولكن لم تبدأ عملية الترميم لأن القبة مطلة على قناص. وفي الكنيسة ذاتها، التي تحولت إلى مسجد في العهد العثماني، يحوي مذبح الكنيسة عمودين هما الوحيدين في العالم على هذا الشكل (أربع طبقات ورق بردي متعاكسة)، انهار جزء منهما فتم الاحتفاظ بالقطعة وبناء جدار من أكياس رمل من طبقتين لحماية المحراب.
-
دير الزور، مافيات مقنعة وحملات مكثفة لتهريب الآثار
تعرضت آثار ديرالزور للتخريب عن طريق القصف أو التخريب غير المتعمد أو التجارة المنظمة (المقنعة). ويقول المهندس المعماري مثنى مهيدي أنه نظرًا لوجود النفط في ديرالزور، فهناك حملات تنقيب عن الآبار، ولأن المنطقة الممتدة من التنف إلى الباغوس شمالًا ومن الباغوس شرقًا إلى ما بعد المياذين غربًا تعتبر حدود مملكة حمورابي، يتم العثور على الكثير من اللقى الأثرية ويتم تهريبها أو تخريبها.
-
آثار الريف تتعرض للتخريب نتيجة التنقيب العشوائي
أكد ناشط من داخل ديرالزور، فضل عدم ذكر اسمه، أن المواقع الأثرية في الريف لم تتعرض للقصف، وأن والدمار الحاصل لها ناتج عن عمليات التنقيب العشوائي. أكثر المواقع تخريبًا موقع الصالحية «دورا أوروبوس» في البوكمال، حيث يتم الحفر بكثافة بالمعاول اليدوية والتريكسات في بقايا المنشآت الأثرية (معبد بل والمعبد اليهودي والكنيسة). وهناك مسلحون من العشائر بالإضافة لكتيبة للجيش الحر تشرف على أعمال الحفر، وهناك أنباء مؤكدة عن لقى قطع ذهبية تم تهريبها إلى تركيا بالإضافة لصخور تم استخراجها من معبد بل والمنطقة المحيطة.
كما تعرض موقع حلبية للتخريب، حيث يتم الحفر داخل سور المدينة في الأبراج والكنيسة والمحكمة بالإضافة للحفر في الهضبة البازلتية الموازية للقلعة. يليها تل الحريري «موقع ماري» وقلعة الرحبة. حيث يتم الحفر في موقع ماري داخل السور الأثري والمنطقة المحيطة، وتتواجد كتيبة من أهالي المنطقة بحوزتها جهاز كشف المعادن، وهناك أنباء شبه مؤكدة عن تهريب قطع فخارية مستخرجة من الموقع. أما قلعة الرحبة فتم الحفر داخلها والمنطقة المحيطة بها، حيث تم هدم جزء من السور الخارجي ونهب بعض قطع الآجر منه.
وهناك تخريب متفاوت نسبيًا في مواقع أخرى، كتل أبو الحسن وتل البصيرة «قرقيسيا» وتل السن وتل العشارة وتل الكسرة وتل أبو ردان وتل التواليل وتل طابوس والمقابر الرومانية في الريف الغربي «عياش والتبني والطريف» وتل الشيخ حمد وتل الطوب وتل حميضة. أغلب هذه التلال يتم الحفر بها بواسطة آليات ثقيلة، حيث هدمت بعض المعالم الأثرية المكتشفة سابقًا وتم العثور على لقى فخارية وأحجار يعود بعضها للعصر الروماني والإسلامي وبعض القطع الذهبية والبرونزية في المقابر الرومانية.
وداخل مدينة ديرالزور، تعرضت المعالم الأثرية للدمار بشكل كبير بسبب القصف العشوائي، السوق القديم والدير العتيق وتكية الراوي والجامع الحميدي وتكية النقشبندي والمتحف القديم، بالإضافة لأعمال التنقيب السري في مواقع الدير العتيق والسوق المقبي والمقبرة اليهودية، وتم العثور على العديد من القطع الأثرية داخل المدينة وهي عبارة عن قطع ذهبية وأوان فخارية وكتب وحوالي 8 تماثيل تتراوح أطوالها ما بين 15-30 سم. وانتشرت صور على موقع الفيسبوك منذ عدة أشهر تبين أحد التماثيل التي تم تهريبها وعرضها في تركيا وأكدت مصادر مطلعة أن التمثال بيع بمبلغ 3 مليون يورو.
-
«الجسر المعلق أول الثورات»
بالنسبة للجسر المعلق فإن الأضرار التي أصابته بالغة جدًا، فقد أصاب جسم الجسر تلف كامل ما بين العمودين الأول والثاني والثالث والرابع، بالإضافة لسقوط العمود الأول بشكل كامل والعمود الثاني بشكل طفيف. الجسر الذي وصفه مثنى بأنه أقل المعالم عمرًا لكنه الأكثر أهمية للديريين، لطالما اعتبره الديريون فردًا من أفراد كل عائلة، وأضاف «يمكن أن تقضي عمرك دون أن تعرف الصالحية وتل العشارة ومملكة ماري لكن من المستحيل ألا تذهب إلى الجسر لتراه وتشكي إليه همومك أو تقفز من عليه. أراد الفرنسيون بناءه جسرًا واصلًا فقط لكن لم يدركوا أنهم بنوا روحًا وتركوا للشجر والماء والحجر إكمال الرواية»… «الجسر نزق متل ديرالزور، حضر أول الثورات لما كان العجي يطلع عالدنكا تا ينط. وهي المسافة ما بين الحياة والموت، كان يسب حافظ بسبب الفقر والذل وما كان يعرف إذا كان راح يطلع من المي أو لا. أقصر القصايد كانت اسم الحبيبة وقد يموت وهو يقفز» وأنهى المهيدي قوله: «سيعود الجسر كمعلم خدمي ولكنه كمعلم أثري سقط ولن يعود بالطريقة الفرنسية القديمة»
-
منظمات وكتائب تعمل بمجال «التنقيب»
تدخل العديد من المنظمات الأجنبية بقناع العمل المدني أو منظمات غير حكومية لتعمل كمافيات أثار أغلبها ضمن وساطة عراقية. وتتم علميات التهريب بقوة السلاح.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه: «تعمل الكتائب التي تقوم بالتنقيب بسرية ضمن فريق عمل ضيق جدًا. وتمتلك أجهزة البحث عن المعادن وخرائط للمواقع الأثرية تم تزويدهم بها من قبل أشخاص مجهولين للآن –سوريون على الأغلب- مقيمين خارج البلاد. كما تم دخول شخص من نيوزيلندا لمدينة ديرالزور منذ أكثر من سنة ونصف وقامت إحدى الكتائب المسيطرة على موقع السوق المقبي باستضافته لمدة أسبوع، وكان من الملاحظ السؤال المتكرر من قبل صحفيين فرنسيين عن تلك المناطق الأثرية عند دخولهم لتغطية أحداث الحرب في المدينة.
-
جهود خجولة للحفاظ على الإرث التاريخي
توجد مخططات لجميع المواقع الأثرية في الريف والمدينة تحتفظ بها مديرية الآثار والمتاحف، بالإضافة لمكتب التوثيق التابع لغرفة تجارة ديرالزور، حيث تم ترحيل أدوات المكتب ووثائقه خارج المدينة من قبل مجموعة من الناشطين. إلا أنه لا توجد جهود من أي طرف داخل القسم المحرر للحفاظ على الآثار لخطورة، الأمر حيث تسيطر بعض الكتائب على المواقع الأثرية بالإضافة لسرية عمليات التنقيب. وتتوارد أنباء عن تصفيات جسدية قامت بها تلك الكتائب لبعض من علموا بأمر التنقيب وقاموا بفضح الأمر وتكلموا عنه علنًا. فيما يقوم النظام عن طريق مديرية الآثار والمتاحف وعن طريق بعض الشخصيات الاجتماعية بالتواصل مع الأهالي والشخصيات المؤثرة من العشائر في المناطق الأثرية بقصد حماية الآثار في محيطهم لكنها لم تنجح في أغلب المواقع.