عنب بلدي ــ العدد 119 ـ الأحد 1/6/2014
«الحكومة المؤقتة ما وظفت أبي عندها»، هكذا ردت إيمان، الطالبة الجامعية، عندما سألتها واحدة من صديقاتها عن سبب بقاء والدها في عمله كموظف عند حكومة النظام السوري إلى الآن. إذ تعتبر الصديقة أن على المعارضين لنظام الأسد ترك وظائفهم في مؤسساته.
حال إيمان كحال صديقتها مرام، المؤيدة للثورة السورية، والتي طالما سمعت الكثير من الكلمات «السيئة» بحق والدها، الموظف أيضًا في إحدى الدوائر التابعة للحكومة السورية، والذي تعرّض سابقًا في إحدى مدن الريف لتهديدات غير مباشرة بمصادرة سيارته التابعة لعمله، والتي تشبه في نوعها السيارات التي يستقلها شبيحة النظام.
ويرى الكثير من السوريين المناهضين لنظام الأسد أن بقاء الموظفين المعارضين في أماكن عملهم خيانة للثورة، ويقول عبد الله، وهو طالب جامعي، إنه يعارض ذهاب أي موظف ممن يحسبون على صفوف المعارضة إلى وظيفته، ويصف أولئك الموظفين بالأشخاص «الحياديين» وليسوا بالمعارضين. ويبرر عبد الله وجهة نظره بـأن بقاءهم يصب في مصلحة النظام ويساهم في إطالة عمره واستمراره ويعطيه مزيدًا من الشرعية، خاصة في ظل الحملة الانتخابية التي يشهدها الشارع السوري الآن، فالكل يعلم أن على كل موظف الإدلاء بصوته حتى وإن كان صوته الحقيقي ضد الأسد، وبالتالي سيكون قد شارك بالانتخابات الرئاسية وأعطى الشرعية للأسد.
محمد، ناشط سوري مقيم في الأردن، يشارك عبد الله الرأي ويضيف أنه في بداية الثورة كان يشعر بمضايقة شديدة عندما يعلم بأن أحدًا يذهب إلى وظيفته، ولكنه مع طول أمد الثورة وتعقد الأزمة السورية، وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يتعرض لها الشعب السوري، فإن موقفه تغير، وأصبح يميل للتعاطف مع الذين بقوا في وظائفهم، على الرغم من قناعته أنهم يمدون في عمر النظام.
أما أبو محمد، الموظف في إحدى الدوائر الحكومية، فيرى أن وجوده على رأس عمله ضرورة ملحة بالنسبة له ولعائلته، وخاصة بعد نزوحهم عن بلدتهم الأم ولجوئهم إلى العاصمة دمشق التي تغدو فيها الحياة «لمن استطاع إليها سبيلا»، ويقول إنه عندما يجد أحدًا ممن يعملون مع المعارضة أو من الجهات الداعمة لها يعوضه بالمقدار نفسه من الراتب الذي يأخذه في وظيفته فإنه سيترك العمل فورًا.
تختلف الآراء وتتباين، ويجد البعض أن استمرار دوام الموظفين ممن يعارضون نظام الأسد هو أمر ضروري لكي لا تترك جميع دوائر الدولة للمؤيدين، وأن لهم حقًا كغيرهم من أبناء الشعب في هذه المؤسسات، فهي لكل الناس وليست حكرًا على النظام.
جلنار، خريجة جامعية وموظفة في إحدى الدوائر الحكومية، ترى أن على الموظفين البقاء في وظائفهم، ولكن شريطة توفر شرط أساسي، وهو أن لا يكون وجودهم سببًا في ضرر يقع على غيرهم من المواطنين، وتقول «ربما كان عدم دوام الموظفين سيأتي بنتيجة طيبة لو تضامن الجميع ولم يذهبوا لعملهم في بداية الثورة عندما نوديَ للإضراب والعصيان المدني»، وهي تعتبر أن حالة الإضراب الفردية اليوم لن تجلب لصاحبها سوى الضرر وزيادة الضيق المادي الذي يعيشه معظم الموظفين، وخاصة في ظل سيطرة النظام بشكل محكم على العاصمة ونشره لقواته وشبيحته في كل مكان.
تستمر الفئة الأكبر من الشعب السوري في معاناتها، وتبقى الظروف المفروضة على معظمهم صاحبة الكلمة الأولى، وهي الشريكة المرافقة دومًا في معظم قرارات حياتهم.