ما وراء تسليح اميركا لصالح مسلم

  • 2017/09/20
  • 10:45 ص
سمير صالحة

سمير صالحة

سمير صالحة – المدن

رفعت واشنطن مستوى العلاقة التي تقيمها مع “قوات سورية الديمقراطية”المكونة بغالبيتها من قوات “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، إلى حالة جديدة اكثر تقدما من خلال تزويدها بكميات كبيرة من الاسلحة النوعية والمركبات والمدرعات وناقلات الجند والصواريخ المحمولة على الكتف والمخصصة لاسقاط الاهداف الجوية .

الادارة الاميركية ، وعلى الرغم من اعتراض انقرة على هذا التنسيق والدعم لحزب صالح مسلم الذي تصفه بالتنظيم الارهابي ، تقول انها تعتمد على هذه القوات في الحرب ضد ” تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش) في سورية وانها في الوقت نفسه تسلح المكون العربي في “قسد” وليس الأكراد وحدهم مع ان قيادات لواء “ثوار الرقة” أبرز فصيل عربي في التكتل، تقول انها لم تتسلم أي أسلحة نوعية أميركية رغم كل الوعود المقدمة .

هناك رغبة أمريكية واضحة في التمسك بحلفائها داخل سوريا بعد التقدم الاستراتيجي الواسع لروسيا وايران وتركيا واعتماد ميليشيا الوحدات الكردية كذراع عسكرية تحمي مصالح واشنطن السورية .

مساعي روسيا لتقليص عدد ونفوذ حلفاء واشنطن المحليين ، قابله رد اميركي بتسريع ورفع مستوى وزيادة التسليح لقوات سوريا الديمقراطية في محاولة لحماية تواجدها ونفوذها هناك .

بين الأهداف الاميركية ايضا تحصين “الكانتونات” التي أقامها “حزب الاتحاد الديمقراطي” في شمال سورية، لتكون ورقة مساومة في التسويات السياسية في سوريا، تضمن لها تحقيق جانب من طموحاتها المتمثلة بقيام إقليم فدرالي في شمال وشمال شرقي البلاد . الولايات المتحدة تريد حصتها الاستراتيجية والنفطية في المنطقة الواقعة شرق الفرات ودير الزور ايضا .

التطورات المتلاحقة في شمال سوريا وشرقها حركت الحلم الكردي في سوريا نحو بناء كيان مستقل هناك في ظل الدعم الأمريكي المفتوح .عملية تحرير الرقة من داعش والاقتراب من شرق دير الزور والتمدد شرق الفرات من قبل قوات سوريا الديمقراطية يعني فتح الطريق امام ربط آبار النفط والتحاصص فيها مع النظام السوري وتعزيز حظوظ المساومة على الارض لاحقا باتجاه رسم حدود الكيان الكردي المنفصل . صالح مسلم يريد ان يكون شريكا في جغرافيا شرق سوريا وآبار نفط المنطقة وتقاسم مياه الفرات لاحقا عند اعلان دولته المستقلة في سوريا حيث ستحتاج الى المياه والنفط هناك .

بين الاهداف اللامعلنة ايصال المجموعات الكردية الى آبار العمر وقطع الطريق بين دير الزور والحدود العراقية السورية وربط شمال العراق بشمال سوريا نفطيا وجغرافيا وعسكريا . وايصال الشركات الاسرائيلية الى هذه المناطق بغطاء اميركي عسكري يمهد لبناء كردستان الكبرى .

لماذا تركت قوات سوريا الديمقراطية المواجهة مع داعش في الرقة جانبا وسارعت الى المشاركة في محاربته في دير الزور رغم انها لم تنته من معركة الرقة، ولا يزال تنظيم «داعش» يسيطر على 40٪ من أحياء المدينة ؟ هل القوات الروسية والايرانية وقوات النظام السوري مجتمعة عاجزة عن التقدم لاسترداد دير الزور من داعش ودعتها لمساندتها شرقا وشمالا ام ان القرار هو اميركي بالدرجة الاولى لتوسيع رقعة النفوذ والانتشار ؟

واشنطن تريد ان يكون لها مستودعات سلاح وذخيرة في سوريا تستخدمها سياسيا وعسكريا عند الضرورة: 1430 شاحنة بسلاح تتجاوز قيمته مليارين وربع مليار دولار اميركي حتى الان .

ممثل الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش في العراق السفير زلماي خليل زاد يقول ان السلاح المقدم لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا يستطيع تحرير الرقة 30 مرة فأين وكيف سيستخدم هذا السلاح ؟

تقرير اميركي مفصل نشر مؤخرا من قبل هيئتين مستقلتين هما “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد ” و” شبكة البلقان للصحافة الاستقصائية ” يكشف النقاب عما اعلنته تركيا منذ البداية حول ان الأسلحة الأمريكية الممنوحة لوحدات حماية الشعب سوف تستخدم خارج الهدف المحدد لها وأنها ستشكل تهديدًا دوليًّا بأيدي الإرهابيين .

المعلومات المنشورة تقول ايضا ان عملية تسليم الأسلحة التي منحها البنتاغون لوحدات حماية الشعب والمقدرة قيمتها بمليارين و200 مليون دولار، ستستخدم ضد تركيا في عمليات إرهابية منظمة وان ما تقوله انقرة حول انتقال هذه الأسلحة إلى أيدي عناصر ” حزب العمال الكردستاني ” صحيح، وأن البنتاغون فقد السيطرة منذ زمن بعيد على الأسلحة المذكورة .

المعلومات الاخطر حول حركة انتقال السلاح والشبكات الدولية التي تلعب دورا في ذلك كانت مقلقة وتذكر بعمليات مشابهة تمت في العديد من دول المنطقة بهدف اشعال الحروب الاهلية فيها وتأجيجها : لا ترسل واشنطن الأسلحة إلى قوات سوريا الديمقراطية مباشرة ، وإنما تجمعها عبر متعاونين معها في البلقان من مصانع الأسلحة المتبقية من العهد السوفيتي، وترسلها إلى شمال العراق ليتم نقلها الى الداخل السوري بالتنسيق مع مافيات تجارة السلاح العالمية . اردوغان سيناقش كل هذه التفاصيل مع نظيره الاميركي ترامب في نيويورك حتما .

القناعة التركية هي وجود تباعد حقيقي بين كميات السلاح المرسلة لمحاربة داعش في الرقة وحقيقة المشروع الاميركي في سوريا على المدى الطويل، أو ان واشنطن تعد قوات صالح مسلم لخوض معركة الدفاع عن استفتاء شمال العراق بالتنسيق مع مجموعات حزب العمال الكردستاني في قنديل وسنجار ؟

تسليح اكراد صالح مسلم هدفه الانتقام من التصلب التركي في انجاز عملية درع الفرات وقطع الطريق على فرص ربط الكانتونات الكردية في شمال سوريا ببعضها البعض .

واشنطن تثق اكثر بمجموعات صالح مسلم بانها ستحقق لها ما تريد دون اعتراض في اطار صفقة بعيدة المدى بينها ولادة الكيان الكردي المستقل في سوريا .

انقرة تركت واشنطن بين خيار اما نحن او هم فكان قرار الادارة الاميركية لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي بعدما شعرت ان تركيا تتفاوض مع الروس والايرانيين على بناء معادلات امنية وسياسية في الاستانة تتعارض مع الخطة الاميركية في سوريا .

تركيا تعاقب اميركا لانها تمسكت بابعاد صالح مسلم عن الاجتماعات واللقاءات والمؤتمرات الدولية حول سوريا لذلك قررت واشنطن التنسيق المباشر مع حزب الاتحاد الديمقراطي وتسهيل تنقلاته في بعض العواصم العربية والخليجية .

من هنا ستساهم مفاجأة تفاهمات الاستانة 6 اذا ما ترجمت ميدانيا كما هو مخطط لها على الورق في قلب حسابات واشنطن وحليفها الكردي في سوريا راسا على عقب . الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشدد دائما على أنّ تركيا لن تسمح أبداً بإقامة ممر كردي في المناطق الشمالية لسوريا “لم ولن يكون هناك ممر إرهابي بشمال سوريا، وإذا كان هناك من يفكر في ذلك فعليه أن يعلم أن تركيا لن تسمح بإقامته ” .

الخدمة التي قدمتها روسيا لتركيا بموافقة ايرانية كما يبدو هي الرد الثلاثي على تعطيل خطة تركيا في منبج بعد انجازات عملية درع الفرات حيث كانت واشنطن تعد لتوسيع دائرة الانتشار الكردي بعد انتصارات تل أبيض وعين العرب  قبل عامين ثم تكرار اللعبة ذاتها على خط عفرين- إدلب والذريعة هي نفسها محاربة الارهاب في هذه المناطق .

سحب ورقة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري من يد واشنطن قد يتركها امام خيار لا مفر منه التحرك العسكري المباشر لحماية قواعدها العسكرية العشر في سوريا ولكن دون ذريعة الارهاب هذه المرة فداعش يكاد ينتهي والنصرة ذاهبة نحو التفكك ولم يعد من قوى تحاربها واشنطن ، الا اذا قررت اعلان الحرب على ايران وحلفائها في سوريا بهدف تلميع صورتها وتحسين موقع الاكراد المقربين اليها مثلا .

ما لا يعرفه اردوغان ويقلقه باستمرار هو ليس مسألة وجود مساومات ما تحت الطاولة ومن وراء الظهر بين واشنطن وموسكو في الملف السوري بل حجم وطبيعة هذه الصفقة واحتمالات ان يكون هدفها هو احراق اوراق الجميع من لاعبين محليين واقليميين هناك وتركهم امام خيار واحد الاستسلام للتفاهمات الاميركية الروسية .

مقالات متعلقة

صحافة عربية

المزيد من صحافة عربية