عنب بلدي – مراد عبد الجليل
يسعى النظام السوري وروسيا إلى فتح الطريق الدولي بين مدينتي حمص وحماة، من خلال التفاوض مع فصائل المعارضة التي تسيطر على ريف حمص الشمالي منذ خمس سنوات.
الأوتوستراد الدولي ينطلق من العاصمة دمشق ويتجه شمالًا ليعبر ريف دمشق ثم حمص فمحافظة حماة ليتابع إلى مدينة حلب، ويكتسب أهمية اقتصادية كبيرة كونه من الطرق الاستراتيجية في سوريا، إذ يعتبر ممرًا للسيارات السياحية والشاحنات بين شمالها وجنوبها.
وكان قديمًا يعرف بـ “طريق القوافل”، بعد تجمع القوافل في مدينة تدمر ثم تحولها إلى الشمال نحو حلب والجنوب إلى دمشق من خلاله.
وأغلق الطريق عام 2012 بعد قطعه من قبل المتظاهرين في مدينة الرستن، التي تعتبر نقطة استراتيجية ومفصلية، فجسرها الكبير (طوله 600 متر وعرضه 16 مترًا وأقصى ارتفاع له 100 متر) جزء من الأوتوستراد الدولي بين حمص وحماة، وكان يشهد حركة مواصلات كثيفة قبيل الثورة السورية.
وبنى الجسر رئيس الجمهورية العربية المتحدة، جمال عبد الناصر، إبان الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958.
ولأهميته حاولت روسيا فتحه مرارًا، بحسب قول رئيس المجلس المحلي في مدينة الرستن، يوسف درويش، لعنب بلدي.
وأعلن رئيس هيئة العمليات التابعة لهيئة الأركان العامة الروسية، سيرغي رودسكوي، في 6 أيلول، أن القوات الروسية توصلت لاتفاق مع فصائل المعارضة يسمح بفتح الطريق الاستراتيجي، قبل أن تنفي الفصائل ذلك وتصر على إخراج كافة معتقلي حمص من سجون النظام كشرط أساسي لتنفيذ الاتفاق.
ويخضع ريف حمص الشمالي لحصار قوات الأسد، إلا أن المنطقة أدرجت ضمن اتفاقيات “تخفيف التوتر”، التي تضمن وقف إطلاق النار فيها.
المجالس المحلية مستفيدة
أسباب عديدة وراء فتح الأوتوستراد منها سياسي واقتصادي، بحسب درويش، الذي أكد أنه عصب التجارة ويسهل حركة العبور للآليات والشاحنات والبضائع، كما يوفر تكاليف النقل لدى جميع الأطراف، وخاصة تنقل المدنيين، إذ يسهل عملية وصولهم إلى كافة المناطق السورية من الشمال إلى الجنوب.
وبعد إغلاق الأوتوستراد، اضطر المسافرون وناقلو البضائع إلى سلوك طريق طويل يبدأ من دمشق ثم إلى المشرفة شمال شرق ريف حمص ثم إلى السلمية قبل الوصول إلى مدينة حماة، لتستغرق المسافة حوالي خمس ساعات ونصف تقريبًا، بحسب قول محمد الأسعد، الذي يتنقل بين دمشق وحماة، إذ أوضح أن كلفة التنقل حاليًا تتجاوز ألفي ليرة سورية (الدولار يعادل 500 ليرة تقريبًا)، بعدما كانت 150 ليرة في 2011 (كان الدولار يعادل 50 ليرة).
الأسعد أشار إلى أنه في حال فتح الطريق ستصبح حركة التنقل أكثر سهولة من ناحية المسافات، إذ توقع أن تبلغ مدتها بين ثلاث إلى أربع ساعات، بحسب توزع الحواجز العسكرية على الطريق، لكنه لم يتوقع فارقًا كبيرًا في أجرة النقل.
وهذا ما أكده الناشط الإعلامي في حمص وائل جمعة أبو ريان، الذي قال إن حكومة النظام ستستفيد من الطريق في اختصار المسافات، لكنه لفت إلى فائدة “إنسانية” للمدنيين المحاصرين في ريف حمص الشمالي، موضحًا أن الطريق سيؤمّن فتح معبرين للمنطقة الأول مع حماة والثاني مع حمص، الأمر الذي قد يلزم النظام لإدخال البضائع.
ومع فتح الطريق يتحسن دخول مواد البناء وإعادة الإعمار، إضافة إلى المواد الخدمية، وهذا ما أشار إليه رئيس المجلس المحلي بالرستن، يوسف درويش، باستفادة المدنيين والمجالس المحلية من حركة التجارة وإلغاء الأتاوات التي تفرضها حواجز النظام السوري المحيطة بالمنطقة.
ولا يعرف بعد إن كانت الفصائل أو المجالس المحلية ستفرض ضرائب على حركة المرور من المناطق التي تديرها، وهو ما بدأ تطبيقه جنوب سوريا، بين مناطق سيطرة النظام والفصائل في درعا، حيث فرض الجانبان ضرائب جمركية على البضائع.
مكاسب سياسية
النظام السوري رأى بدوره أن فتح الطريق سيخفف من معاناة المواطنين، إذ قال مصدر في وزارة الخارجية لوكالة سانا، السبت 16 أيلول، إن “الاتفاق حول محافظة إدلب (ضمها كمنطقة رابعة إلى مناطق تخفيف التوتر في محادثات أستانة) هو اتفاق مؤقت هدفه الأساسي هو إعادة الحياة إلى طريق دمشق- حماة- حلب القديم، والذي من شأنه تخفيف معاناة المواطنين وانسياب حركة النقل بكل أشكالها إلى حلب والمناطق المجاورة لها”.
لكن الناشط أبو ريان رأى أن الأهمية الاقتصادية لن تكون كبيرة بقدر الأهمية السياسية التي ستجنيها روسيا، لذلك “تستميت أكثر من النظام لفتحه”، كون النظام لن يستطيع أن يمرر منه آليات وأرتالًا عسكرية، في حين تعتبره موسكو نصرًا سياسيًا في المحافل الدولية، لتصدير ذلك بأن الطريق فتح نتيجة اتفاقيات مناطق “تخفيف التوتر” التي رعتها مع الفصائل بعد أن عجز النظام عن فتحه منذ خمس سنوات.
وهذا ما أكد عليه درويش بالقول “يحاول الجانب الروسي فتح الطريق من أجل تحقيق مكاسب سياسية أكثر مما هي اقتصادية، لذلك كانت محاولات فتح الطريق قبل الجولة السادسة من أستانة التي أجريت في 14 و15 أيلول”.
وأيًا كانت المكاسب التي يحاول كل طرف اكتسابها، فإن كثيرًا من المدنيين يتمنون فتح الطريق لتخفيف معاناتهم واختصار الوقت والتكلفة، بعض النظر عن المكاسب السياسية.