الدين والسلطة

  • 2017/09/17
  • 1:22 ص
محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

خلال الأسبوع الماضي ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتسريبات من داخل جبهة تحرير الشام بين ” نايف”، وهو شخص يعتقد أنه الجولاني قائد الجبهة الفعلي، و”أمير قطاع إدلب”، يتحدث فيه الأخير عن أن وظيفة الشرعي في الجماعة هي “ترقيع” ما يقوم به الأمير، ومن لا يريد أن يفعل ذلك فليجد له مكانًا آخر.

اتسع خرق النصرة على الراقع على ما يبدو، فلم يستطع المحيسني أن يفعل ما يفعله كل مرة، واضطر لمغادرة الهيئة التي كان يبشر المسلمين بها منذ أيام، ثم لحقته عدة فصائل و”جيوش” أخرى أحلت نفسها من بيعة النصرة وعادت مستقلة، كما عهدناها طبعًا!

وبعيدًا عن جبهة تحرير الشام وجبهة النصرة التي تعيش أيامها الأخيرة، خاصة بعد الاتفاقات الروسية التركية، تحيلنا التسريبات الأخيرة إلى حقيقة بقيت ممتدة داخل تاريخنا الإسلامي والبشري بشكل عام، وهي تدخّل السلطة في الدين، دائمًا كانت الأمور هكذا، الأمير أمير، والشرعي يتبعه، كما قال “أمير قطاع إدلب”، الذي يريد للجميع أن يتبعه.

والحقيقة أنه منذ معاوية بن أبي سفيان، وبدء تحويل الإسلام وتطويعه ليصبح مؤسسة من مؤسسات الدولة بعد أن كان مهيمنًا عليها وحتى الآن، لم تختلف طريقة تعامل السلطان مع الدين عما سمعناه في التسريبات، ومنذ ذلك الحين لجأت الأطراف المتصارعة إلى “تنصيص” مواقفها سياسيًا، بمعنى أنها وجدت نصوصًا دينية تدعمها، وهو ما يفسر إلى حد كبير وجود نصوص وأحاديث نبوية تحدثت بالتفصيل عن الخوارج والصراع بين معاوية وعلي وغيرها كثير.

ولعله من المفيد الاطلاع على كتاب “السلطة في الإسلام” الذي فصل فيه عبد الجواد ياسين في نشوء النظريات السياسية لدى الطوائف الدينية في الإسلام وعلاقة كل ذلك بفاعل السلطة الذي شكل “مفتاح التاريخ”، بحسب تعبيره.

للسلطة سحر وقوة لا تستطيع أن تجابهها الأفكار على ما يبدو، وقد أظهرت أحداث الثورة السورية أن فصائل عسكرية تحدث بعضها ليل نهار عن الزهد في الدنيا وطلب الآخرة، لا تجد حرجًا في إسالة أنهار من الدماء بينها في سبيل السيطرة على أحياء مهدمة ودور خراب، إنها “إرادة القوة” بحسب تعبير نيتشه.

والأمثلة على ذلك كثيرة، ليس آخرها سيطرة “تحرير الشام” على رئة الشمال السوري معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، ما يكسبها سيطرة اقتصادية على مفاصل المنطقة، إلى جانب تحركها للاستحواذ أو لإدارة القطاعات الخدمية وأسواق الذهب والعملات.

ولعله من المفيد معرفة هذه الحقيقة، لإدراك أن الصراع الذي تعيشه منطقتنا منذ قرن بين تيار “علماني” يريد فصل الدين عن السياسة وآخر “إسلامي” يرفض ذلك، هو في عمقه صراع فارغ، وفي عمقه صراع على السلطة بأدوات مختلفة، كلا الطرفين يرى أن وظيفة الشيخ هي “ترقيع” ما يفعله الأمير بكل الأحوال.

مقالات متعلقة

  1. الجولاني مساعدًا لبشار الأسد
  2. استحالة انفكاك الثوار عن “فتح الشام”
  3. حملة لتدريب ألف مقاتل بقيادة "أبو مالك التلي"
  4. قادة ودعاة يطالبون بالإفراج عن قائد "حركة حزم" من سجون "النصرة"

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي