غياب الكوادر.. هل من مجيب؟
عنب بلدي ــ العدد 118 ـ الأحد 25/5/2014
من الواضح تمامًا مع دخول الثورة في سوريا سنتها الرابعة غياب الفئة المثقفة والطبقة المتعلمة عن ساحة العمل، بعد أن كان وجودهم واضحًا بداية الحراك الثوري، وقد ترك بصمة مؤثرة على الحراك بشكل عام. ومن يتابع مسيرة الخط السياسي والعسكري للثورة منذ بدايات الحراك الثوري إلى يومنا هذا يلاحظ انحسار هذه الطبقة بالتدريج وانعدامها في بعض المجالات والمناطق، خصوصًا المنكوبة والمتأزمة منها.
لا يخفى على أحد أثر هذه الطبقة ودورها في الحراك والارتقاء به، وسعيها منذ البداية إلى النهوض بالثورة والحفاظ على مسارها الصحيح، وقد سمعنا الكثير من الأصوات التي نادت بالوحدة الوطنية وضرورة المحافظة على أهداف الثورة والالتزام بأخلاقيات الثوار.
لكن هذه الأصوات لم تستطع –للأسف- المحافظة على دورها الأساسي والوقوف بجانب الثوار طويلًا، إذ تعاني أغلب المناطق الثائرة ضد الأسد من قلة الكوادر المؤهلة، خصوصًا في المجالات الخدمية والتنظيمية والإدارية، كالإعلامي والإغاثي والطبي والإرشادي. ويعود سبب ذلك إلى استهداف قوات الأسد لهذه الطبقة بشكل خاص، ومنذ بدايات الحراك، لإدراكه بدورها التنظيمي والقيادي الفعال، وأثرها الكبير على بقية فئات المجتمع.
فقد قام النظام بشن عمليات الاعتقال الجماعية المنظمة في أشهر الثورة الأولى، وعمل على فرز المعتقلين وفلترة المثقفين وأصحاب الفكر والاحتفاظ بهم أو تصفية بعضهم.
ولا بد لنا أيضًا من الإشارة إلى أن الكثير من المثقفين والمحسوبين على التيار الفكري فضلوا الهروب بأرواحهم و «الذود عن الوطن عن بعد»، تاركين أبناء جلدتهم تحت رحمة الجهل والضياع، متحججين بسوء الوضع الأمني تارةً وبانعدام تجاوب الثوار معهم تارةً أخرى.
وبعيدًا عن المبررات، فإن ذلك أدى إلى نشوء فجوة كبيرة بين الفئة المثقفة وبين الواقع الذي يعيشه المقاتلون في مناطقهم، نظرًا لابتعادهم عن القاعدة الشعبية التي كانت تحتضنهم وتقدرهم وتسير خلفهم. ثم إن هذا الابتعاد انعكس على المشاريع الثورية في أغلب المناطق المحررة، حيث يشكل عقبة أمام تنظيم أي مشروع لعدم توفر الكفاءات والمؤهلات لإدارته وتنفيذه، بينما تفتقر بعض المناطق التي تتعرض لقصف واشتباكات إلى الاختصاصات الطبية التي ربما تخفف بعض الإصابات أو تجري عمليات جراحية من شأنها أن تنقذ الكثير من المصابين والجرحى، لتترك المشافي الميدانية لكوادر من الممرضين تلقوا تدريبات بسيطة على الإسعافات الأولية. من ناحية أخرى فإن غياب هذه الفئة ساهم في انتشار الجهل بين الناس، نظرًا لانعدام التوجيه والإرشاد، واستغلال الموقف من تجار الحرب والمثبطين وناشري الإشاعات.
ينقسم مثقفو سوريا اليوم وفقًا لطريقة تعاطيهم المكاني مع الأزمة إلى ثلاثة أقسام؛ القسم الأكبر منهم فضل الخروج من سوريا واستطاع أن يؤمن عيشًا كريمًا له أو لعائلته في دول الجوار أو اللجوء إلى أوروبا، بينما بقي جزء لا يستهان به في العاصمة والمناطق التي يسيطر عليها الأسد مقيدي الحركة والنشاط، في حين التزم الجزء الأقل حظًا العمل في المناطق المحررة من قبل المعارضة.
إن عودة الطبقة المثقفة واشتراكها في العمل الثوري، الإداري منه بالذات، سيوقف الشرخ والهوّة التي أنتجها غيابهم عن النشاط، كما يساهم في تنظيم العمل وتلافي الأخطاء البديهية في العمل المؤسساتي، فهل من مجيب؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :