عمار زيادة – عنب بلدي
يعاني المصابون جراء أعمال العنف في سوريا، من سوء الطبابة أو نقص في التجهيزات والأدوية، في ظل غياب الأطباء الأخصائيين والجرّاحين، ما ينتج إعاقات دائمة أو إصابات مزمنة يصعب التغلب عليها مع مرور الوقت؛ عنب بلدي تسلط الضوء على بعض الحالات التي عانت من سوء الطبابة، وترصد حالة المشافي الميدانية والصعوبات التي تواجهها.
صعوبة إجراء العمليات
أبو همام، أحد الإعلاميين في مدينة داريا، أصيب قبل سنة بشظايا قذيفة في الخاصرة في أماكن متفرقة من جسده، يقول إنه تلقى علاجًا في المشفى الميداني في المدينة، حيث عقّم الطبيب جروحه وضمدها «ع الماشي» مع استخراج الشظايا الواضحة، لكن دون «فحص الشظايا العميقة ومحاولة استخراجها»، معللًا ذلك بـ «غياب آلة التصوير الشعاعي».
لكنّ أبو همام تعرض إثر ذلك لـ «ضيق في التنفس ونزيف داخلي»، ما دفع الطبيب لتركيب «مفجر صدر» على أن يخضع للمراقبة، واستمرت الحالة شهرًا بقي خلالها طريح الفراش، إلى أن تبيّن للطبيب «عبر تصوير إيكو للخاصرة» أن شظية أصابت الحالب؛ ليخضع أبو همام حينها لعملية جراحية ويزيل الطبيب «المفجر» المركب على صدره. بيد أن المعاناة تفاقمت بعد العملية، مترافقة بضيق شديد في التنفس «كلما ذهبت إلى المشفى يخبرونني بأن الحالة تتحسن مع مرور الوقت»، لكن الحالة استمرت ما دفع الطبيب لإجراء صورة أخرى للرئة، التي لم تصب بالأصل، وتبين أنها مليئة بالقيح الذي يمنع الهواء من الدخول إليها، ما يعني أنها تحتاج لعملية «تجريف للقيح»، لكنها «غير متوفرة في ظل غياب الطبيب الأخصائي والمعدات اللازمة للعملية».
وأضاف أبو همام أنه استمر بوضع المفجر لـ 7 أشهر، مشيرًا إلى أنه عانى خلال هذه الفترة من صعوبة المشي إلا لمسافات قصيرة، إضافة لتردي الحالة النفسية «لأنني لا أستطيع أن أعمل شيئًا سوى الانتظار».
بعد عامٍ من الإصابة تمكن أبو همام من الخروج إلى لبنان، وإجراء العملية اللازمة، وأفاد بأنه «في ظل الظروف السليمة والطبابة الصحيحة، بدأت بالتعافي وأستطيع اليوم الجري شيئًا فشيئًا»، وقد أكد الطبيب الذي أجرى العملية أن سبب القيح والإنتانات في الرئة هو «سوء الطبابة ولا علاقة للإصابة به».
«ضماد متعفن» يسدّ الجيوب الأنفية
أما أبو أنس، وهو مقاتل في إحدى جبهات الريف الغربي لدمشق، فقد عانى من انسداد كليٍّ في الأنف والتهابات حادة في الجيوب، إثر إصابةٍ بشظايا «اخترقت الأنف والفك»؛ خضع بعدها لعملية سريعة في المشفى الميداني للمنطقة، حيث أزال الطبيب الشظية التي دخلت أنفه وأغلق الجرح في ظل «ضغط كبيرٍ على المشفى حينها».
لكن أبو أنس لم يستطع التنفس من أنفه، فأخبره الأطباء «أن هناك جسمًا غريبًا في الجيوب الأنفية والتصاقات تمنع دخول الهواء»، وأنه بحاجة لصورة «طبقي محوري» وإجراء عملية جراحية في مشفى متخصص.
ورغم صعوبة التنفس عاد أبو أنس إلى القتال بعد 4 أشهر، إلا أنه سقط من الطابق الثاني لأحد الأبنية، ليفقد الرؤية في «العين اليسرى بشكل كامل جراء النزيف الداخلي فيها».
ومنذ إصابته الأولى بقي أبو أنس 14 شهرًا يتنفس من الفم، حتى استطاع الخروج من سوريا، حيث أجرى عملية جراحية لأنفه بعد تناول مضادات قوية للالتهابات والإنتانات، وقد اكتشف الطبيب الذي أجرى العملية أن هناك قطعة قماش من «الضماد بمساحة 4×4 سنتمتر داخل الجيوب متعفنة ومتروكة منذ العملية الأولى، وهي سبب الالتهابات والإنتانات وانسداد التنفس».
يقول أبو أنس «الحمد لله أصبحت أتنفس الآن بشكل طبيعي»، لكنه مازال بحاجة لعملية أخرى للكسور في فكه العلوي، لم يستطع الطبيب تركيب الصفائح لها بسبب الالتهابات، على أن يخضع لعملية أخرى بعد 4 أشهر. كما أنه يتلقى علاجًا فيزيائيًا للعين، ويرى طبيب العيون أن هناك تحسنًا بسيطًا في «بنية العين»، مؤكدًا «لو أن أبو أنس تلقى علاجًا سريعًا بعد الإصابة، لتحسن مباشرة واستطاع الرؤية، لكنه اليوم بحاجة إلى مزيد من الوقت».
معاناة المشافي الميدانية
من جانبه أفاد الطبيب كريم مأمون، المسؤول عن دار للجرحى في لبنان والذي عمل سابقًا في المشافي الميدانية، بأن المشكلة تتشخص في ثلاثة اتجاهات، وهي «نقصٌ في كوادر الأخصائيين، إضافة لعدم توفر الأدوية، وعدم توفر التجهيزات الطبية».
وأوضح الدكتور أن مناطق الغوطة الغربية تعاني من عدم وجود أخصائيين في جراحة الأوعية أو الأعصاب، حيث يعمد طبيب العظمية حين انقطاع الشريان إلى «ربط الشريان وبتر الطرف في أحسن الحالات، بينما يودي نزيف الشريان أحيانًا إلى الوفاة».
أما الجراحات العصبية غير المميتة والتي يمكن تأجيلها، فإنها تتحول لإصابات غير قابلة للشفاء مع طول المدة، بينما «لا تنفع مهارة طبيب العظمية في ظل غياب أجهزة التثبيت المناسبة، لاجئًا إلى جبائر تقليدية»، ما ينتج «التئامًا معيبًا للكسور، وقصرًا بالأطراف والتواءات وتشوهات».
وأشار الدكتور إلى أن نسبةً تصل إلى 80% من الوفيات التي تحدث عقب العمليات سببها غياب المخابر رغم نجاح العملية، بسبب اضطرابات الشوارد واختلال سوائل الجسم، أو أثناء نقل الدم للمصاب.
كما أن المشافي الميدانية في المنطقة «لا تملك سيارات إسعاف لنقل المصابين إلى المشافي الميدانية، الأمر الذي يحرم المصابين من الإسعافات الأولية» حتى وصوله إلى المشفى.
بدوره أشار مهند أحد الممرضين في الدار، إلى أن بعض المصابين يعانون من «إدمان على المسكنات ذات العيار القوي»، التي اعتادوا على تناولها لغياب العلاج، لذلك يخضعون لعلاج متأخر للتخلص من هذه المسكنات وأثرها.
نقص شديد في الأدوية
أبو قاسم، المشرف على «الصيدلية المركزية» في مدينة داريا، ينبّه إلى «النقص الشديد» في بعض الأدوية الضرورية للمصابين، مثل «السولوميدرول» غير المتوفر منذ بداية الحملة العسكرية على المدينة قبل أكثر من عام ونصف، وفقدانه يؤدي إلى «الشلل عند المصابين في النخاع الشوكي للعمود الفقري».
بينما يسبب نقص الصادات الحيوية «الالتهابات والإنتانات»، التي تنتج بدورها تلفًا في الأنسجة داخل الجسم، ما يؤدي أحيانًا إلى قطع الأطراف، وإن «توافر العلاج لمن أصيب بالإنتان فإنه يحتاج لجرعات أكبر مما قد يحتاجه قبل الإنتان، وقد تسبب هذه الكمية عنده خللًا مناعيًا».
كما أشار أبو قاسم إلى نقص حليب الأطفال وأدويتهم في المناطق المحاصرة، وهو سبب رئيس في عدة أمراض أبرزها فقر الدم وسوء الامتصاص.
وناشد أبو قاسم الأطباء الأخصائيين والمنظمات الخيرية لتقديم ما يستطيعون إلى هذه المناطق، لأن «أي شيء يقدمونه من الممكن أن يكون مساهمةً في إنقاذ حياة شخص معرض للخطر».