عنب بلدي – إدلب
يعود الصدام الفصائلي مجددًا إلى مدينة إدلب بعد أشهر من الاقتتال، على خلفية اتهامات من قبل “حركة نور الدين الزنكي” للقائد العسكري لـ”هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، بالتنسيق والتقرب من إيران، واتخاذ قرارات “شخصية” بعيدًا عن أعضاء مجلس الشورى.
شهدت الأيام القليلة الماضية أخذًا وردًا بين شرعيي الفصيلين، حسام أطرش وعبد الرحيم عطون، ليتحول المشهد إلى “حرب باردة” بين الجانبين تنتظر المحافظة اشتعالها أو إخمادها.
وتركزت المواجهات والصدامات بين الفصائل العسكرية في بادئ الأمر على الشرعيين، لتنتقل فيما بعد إلى مواجهات عسكرية تنتهي بإنهاء فصيل لآخر بشكل كامل.
أطرش يتهم.. عطون يرد
وفي سلسلة تغريدات لشرعي “الزنكي”، حسام أطرش، الأربعاء 6 أيلول، وجه خطابًا لعناصر “الهيئة” بالقول إن “أميركم الجولاني طرح في مجلس شورى الهيئة ولمرتين اثنتين فتح علاقات سياسية مع إيران وناقش مجلس الشورى بذلك، وكان بين الطرح والطرح شهر وألحّ بذلك”.
وأضاف، في التغريدات التي تناقلها عددٌ من القياديين المناهضين لسياسة “الهيئة”، أن الجولاني “قال بالعبارة إن الأتراك جحاش بالسياسة، وأما إيران فهم يفهمون بالسياسة، ويقفون مع حلفائهم، وقال نقتصر مع تركيا للحد الذي نستطيع به إدخال الجرحى”.
وجاءت الاتهامات بالتزامن مع توتر شهدته إدلب بين “الزنكي” و”تحرير الشام”، على خلفية مقتل قيادي في “الحركة” على يد عناصر من “الهيئة”.
وتساءل أطرش مخاطبًا عناصر “الهيئة”، “هل تعلمون من هي قيادتكم ومن أين تتلقى أوامرها؟ (…) هل تعلمون أن أمراءكم بالصف الأول لا يعلم ولا واحد اسم الآخر؟”.
وأضاف “أما سألتم أنفسكم كيف تصل 100 مليون دولار بصفقة الفوعة وكفريا إلى يد الجولاني؟”، معتبرًا أن “الطريق الوحيد لإيصالها هي إيران أو النظام”.
وكانت “تحرير الشام” و”أحرار الشام” توصلتا إلى اتفاق في الدوحة بات يعرف بـ “المدن الخمس”، أخليت بموجبه عددٌ من القرى في إدلب ومحيط العاصمة دمشق، وأفرج عن صيادين قطريين في العراق، مقابل مبالغ كبيرة لم تكشف قيمتها.
ونقل أطرش عن القيادي في الهيئة “أبو ماريا القحطاني” أن “كل قيادات الهيئة في العراق الأمراء والشرعيون منهم تبين أنهم مخابرات”.
وأوضح أن “الجولاني قال في مجلس الشورى اسمحوا لي بالقضاء على أحرار الشام، وأنا مستعد للجلوس مع العلويين والمسيحيين والدروز لإنشاء إدارة مدنية”.
وفتحت الاتهامات مجالًا واسعًا للنقاش، إذ تناقلها قادة في المعارضة السورية، كنوع من التأكيد على مواقفهم السابقة من سلوك “تحرير الشام” في المناطق المحررة، والإجراءات التي سار عليها الجولاني، خاصةً في القضاء على عشرات الفصائل العسكرية من “الجيش الحر”.
ولم تمض أيام على الاتهامات، حتى ردت “تحرير الشام” على “الحركة”، بلسان شرعيها عبد الرحيم عطون، الذي قال إن الأسس التي يقوم عليها كيان “الهيئة” هو إقامة علاقات متوازنة مع الدول، وكانت الأولوية في ذلك لتركيا كونها “دولة جارة تتأثر بما يجري في الشام ونتأثر نحن بما يجري فيها”.
وأضاف “كان التركيز منصبًا على التفريق بين إقامة العلاقات مع الدول دون تبعية لها، وهو الأمر المقبول، وبين التبعية لأي جهة مهما كانت وهو الأمر المرفوض قطعًا”.
وأوضح عطون، الملقب بـ “أبو عبد الله الشامي”، أنه “تم التواصل مع بعض الدول بما لا يؤثر على جهادنا وثورتنا”.
وقال “فيما يتعلق بإيران فلا صحة لما تكلم به أطرش، بل إن الشيخ الجولاني حرص على أن يقتصر النقاش بين الهيئة وإيران على ما يتعلق بملف التفاوض حول الأسرى، وحول ما يعرف باتفاق البلدات الخمس”.
“من يتهم الهيئة بإقامة علاقات مع إيران في سياق الاتهام بالعمالة فعليه عبء إثبات ذلك دون التشويش باستعراضات بهلوانية تحت مسمى المباهلة”، بحسب الشرعي الذي أضاف “من لا يفرق بين تركيا وإيران غير عاقل”.
في حين ردّ أطرش مرة أخرى على حديث عطون متسائلًا “ألم تقل إننا لم نقاتل جبهة ثوار سوريا لفسادهم وإنما لنسيطر على جبل الزاوية؟ (…) ألم تقل لشرعيي القطاعات إن الشورى أخذ قرارًا بضرب الأحرار وسنكتفي أو نبدأ بالصقور؟”.
وأضاف “ألم تحلف يمينًا كاذبة يوم كنا جالسين مع الأحرار بآخر جلسة، وأن قتال الأحرار غير مطروح وأنت تعلم أنه مطروح ورسميًا؟”.
موقف متقلب لـ “الزنكي” بين “الحر” والفصائل الإسلاميةوتعتبر “حركة نور الدين الزنكي” من أبرز فصائل محافظة حلب وريفها، وأحد المكونات الأساسية لـ “الجبهة الشامية” سابقًا، كما كان لها حضورها في تأسيس “جيش المجاهدين”، لكنها سرعان ما انفكت عنه. وانفصلت الحركة أيضًا عن “تحرير الشام” بعد أن كانت أكبر الفصائل ضمنها، في 20 تموز الماضي، وعزت ذلك إلى “قرار قتال أحرار الشام وتجاوز دعوات المجلس الشرعي فيها”. وبررت الانفصال لـ “عدم تحكيم الشريعة التي بذلنا مهجنا والغالي والنفيس لتحكيمها، من خلال تجاوز لجنة الفتوى في الهيئة وإصدار بيان عن المجلس الشرعي دون علم أغلب أعضائه”. وتميزت “الزنكي” بعدم الاستقرار منذ تأسيسها الأول، وذلك من خلال التقلب على رؤية فصائل “الجيش الحر” من جهة، والجماعات الإسلامية من جهة أخرى. وعقب الانفصال طُرحت تساؤلات حول الجهة التي ستعمل معها “الزنكي”، إلا أنها مازالت تعمل بشكل منفصل، وسط أنباء غير مؤكدة عن إمكانية اندماجها مع “أحرار الشام”. |
“الحراك الثوري” يعود مجددًا
على الجانب الآخر عاد “الحراك الثوري” إلى مدن وبلدات محافظة إدلب، وشهد يوم الجمعة 8 أيلول، مظاهرات شارك فيها مئات المدنيين، نددوا فيها بالتصريحات الأخيرة للمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، أن “المعارضة السورية لن تربح الحرب في سوريا”، واعتبروا أن “الحرب في سوريا تنتهي بمحاكمة بشار الأسد”.
وطالب المتظاهرون بمحاسبة النظام السوري بعد إثبات ارتكابه مجزرة خان شيخون بالأسلحة الكيماوية، وطالبوا أيضًا تسليم المرافق العامة في إدلب وريفها إلى إدارة مدنية.
في حين طالبت بعض المظاهرات بتشكيل “الجيش الوطني الموحد” بشكل فوري، بعيدًا عن “التفرقة الفصائلية” التي تعيشها المنطقة.
وأعلن محققون تابعون للأمم المتحدة مسؤولية النظام السوري عن الهجوم الكيماوي الذي طال مدينة خان شيخون في ريف إدلب، في نيسان الماضي.
وقالت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق، الأربعاء 6 أيلول، إن “طائرة حربية حكومية أسقطت غاز السارين على خان شيخون، ما أسفر عن مقتل أكثر من 80 مدنيًا”.
وأضافت اللجنة في تقريرها أن القتلى أغلبهم كانوا من الأطفال والنساء، واصفة ذلك بأنه “جريمة حرب”.
“الهيئة” توسع سيطرتها على مفاصل إدلب
وفي إطار الخلافات بين الفصائل، شهدت الأيام القليلة الماضية توترًا بين جامعتي إدلب وحلب، أغلقت إثره مراكز المفاضلة في جامعة حلب من قبل عناصر يتبعون لـ “هيئة تحرير الشام”.
وقالت مصادر لعنب بلدي (طلبت عدم ذكر اسمها) إن عناصر من “تحرير الشام” استولوا على رئاسة الجامعة في مدينة الدانا بريف إدلب، ومنعوا دخول الموظفين إليها، كما أوقفوا العمل والامتحانات في بقية الكليات التابعة لها.
وأضافت المصادر أن الهدف من العملية الضغط على الجامعة للانضمام إلى مجلس تعليم إدلب “المستقل”.
بينما نفى عميد كلية الحقوق، إسماعيل الخلقان، إغلاق الجامعة كليًا، وقال إنه “حصل خلاف بين جامعتي حلب وإدلب بخصوص المفاضلة، فقامت جامعة إدلب بالاستعانة بعناصر هيئة تحرير الشام بإغلاق مراكز المفاضلة في جامعة حلب”.
وأوضح، في بيان صادر عنه، أنه “تم إغلاق الكليات التي فيها مراكز مفاضلة بشكل مؤقت، والموضوع قيد الحل”، معتبرًا أن “ما قامت به الهيئة مرفوض، لكن أحببت التوضيح أنه إغلاق لمراكز المفاضلة وليس للكليات”.
وتتزامن هذه التطورات مع الحديث عن “الإدارة المدنية” لـ “تحرير الشام” ونيتها الهيمنة الكاملة على مفاصل محافظة إدلب الخدمية.
وطالت الهيمنة المنشآت الرياضية في إدلب، إذ فرضت “تحرير الشام” سيطرتها الكاملة عليها، والتي تديرها “الهيئة السورية للرياضة والشباب”.
وقال رئيس “الهيئة السورية للرياضة”، ظلال المعلم، لعنب بلدي، إنه لا يمكن التعامل مع من يسيطر على الأرض في الشمال، إلا ضمن آلية معينة لتسيير العمل الرياضي.
وذكرت “الإدارة المدنية للخدمات” التي تتبع لـ “تحرير الشام”، الأربعاء 6 أيلول، أنها سلمت المنشآت الرياضية من ملاعب وأبنية ودوائر وما يتبعها “أصولًا” للمكتب الرياضي المحدث في الإدارة.
واعتبرت “الإدارة” أن المكتب الرياضي التابع لها هو المشرف الوحيد على المنشآت الرياضية.
وأضاف المعلم أن اللجنة التنفيذية في إدلب ستسمر بالعمل بالحد الأدنى، مؤكدًا أن “الإدارة لم تتسلم المنشآت حتى اليوم”.
ولفت إلى لقاء بين اللجنة ورئيس المكتب الرياضي في “الإدارة”، السبت 9 أيلول، “لتبيان كيفية التعامل في الملف الرياضي ضمن المنطقة”.