ورقة ضغط جديدة بنكهة سياسية
الأمم المتحدة تعلّق مساعداتها الغذائية للسوريين في لبنان
عنب بلدي – رهام الأسعد
رسائل “SMS” تلقاها لاجئون سوريون في لبنان، كان المرسل فيها برنامج الأغذية العالمي (WFP)، المدعوم من الأمم المتحدة، لينذرهم “مع بالغ الأسف” بأن شهر تشرين الأول هو آخر شهر يمكنهم فيه الاستفادة من المساعدات الغذائية المقدمة لهم.
تلقى السوريون رسائل الأمم المتحدة بالكثير من القلق والقليل من الاستغراب، كونهم اعتادوا على انقطاع السلة الغذائية المرتبطة بشكل وثيق بسخاء وشح المجتمع الدولي المانح أمواله للاجئين السوريين حول العالم، وربما انعكست بعض التطورات السياسية والمتغيرات الميدانية على قرار إيقاف برنامج الأغذية العالمي هذه المرة، لتدخل اعتبارات جديدة على خط المساعدات.
بعد السلة.. خوفٌ على “المازوت”
رغم أنها لم تصدر بيانًا رسميًا عبر منصاتها الرسمية أو أحد الناطقين باسمها عن قرارها إيقاف برنامج المساعدات الخاص بالأغذية، إلا أن ناشطين لبنانيين وسوريين أكدوا لعنب بلدي صحة الرسائل التي تسلمها لاجئون في لبنان، بتاريخ 5 أيلول الجاري.
وجاء في نص الرسالة، التي تفتقر لذكر الأسباب، “يؤسفنا إبلاغك بأن شهر تشرين الأول سيكون آخر شهر يمكنك فيه الاستفادة من المساعدات المقدمة عن طريق برنامج الأغذية العالمي لأنك لم تعد مخولًا للحصول على المساعدات الغذائية”.
ورغم قلة قيمتها المادية التي لم تتجاوز 27 دولارًا للفرد الواحد، إلا أن اللاجئة السورية في لبنان عالية محمد، والتي وصلتها رسالة الأمم المتحدة، قالت لعنب بلدي إن أكثر المتضررين من القرار “المفاجئ” هم العائلات الكبيرة المكونة من أطفال كثر، مشيرةً إلى أن الأسباب لم تتضح بعد.
وأضافت عالية أن اللاجئين خائفون من أن من تطال تلك القرارات المساعدات الشتوية الخاصة بالتدفئة والمازوت، والذي تصل قيمتها إلى 100 دولار في الشهر، عن طريق ما يعرف بـ “البطاقة الحمراء”.
إلا أن الأمم المتحدة نوهت في الرسالة التي أرسلتها للاجئين إلى ضرورة الاحتفاظ بالبطاقة الحمراء، وذلك للحصول على المساعدات في المستقبل، في حال كانوا مخولين بذلك.
“الداعمون تعبوا بعد سبع سنوات”
من وجهة نظر الناشط اللبناني ناصر ياسين، مدير الأبحاث في معهد “عصام فارس” التابع للجامعة الأمريكية في بيروت، فإن قرار الأمم المتحدة بإيقاف برنامج الأغذية العالمي مرتبط بشح تمويل المجتمع الدولي المادي للاجئين السوريين.
وقال لعنب بلدي إن القرار لا يشمل جميع المستفيدين، وإن مفوضية اللاجئين ستختار المفصولين وفقًا لما تسميه “الهشاشة”، القائم على أساس الحاجة والوضع الاجتماعي والاقتصادي للاجئين.
وأشار ياسين إلى أن التمويل هذه السنة، حتى الآن، أقل بكثير من المطلوب وأقل من السنة الماضية في نفس هذه الفترة، وقال “يبدو أن الداعمين تعبوا بعد سبع سنوات من الأزمة”، وتابع “أنا خائف مما هو أعظم في المستقبل”.
ووصل عدد السوريين المستفيدين من برنامج الأغذية العالمي في لبنان 700 ألف لاجئ، يستخدمون القسائم الغذائية الإلكترونية (البطاقات الإلكترونية) الخاصة بالبرنامج لشراء الطعام من أي من المحال التجارية الـ 500 المتعاقد معها في مختلف أنحاء لبنان.
وكل شهر تُشحن البطاقة الإلكترونية بمبلغ 27 دولارًا أمريكيًا للشخص الواحد، بتمويل من الدول المانحة، وخاصة ألمانيا وكندا والولايات المتحدة.
وسبق أن اشتكت الأمم المتحدة من ضعف التمويل الخاص ببرنامج الأغذية العالمي، معلنةً نهاية عام 2014 عن إيقافه لنحو مليوني لاجئ سوري في الأردن ولبنان وتركيا والعراق ومصر، لتعاود تفعيله في العام 2015.
اتفاقيات القلمون.. هل تعيد اللاجئين؟
لم يخفَ تأثير التطورات الميدانية والسياسية التي شهدتها المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان على وضع اللاجئين السوريين هناك، ويبدو أنها تكاتفت هذه المرة مع صوت الحكومة اللبنانية التي تنادي بعودتهم “الآمنة” إلى بلدهم، نتيجة “الأعباء” الاقتصادية التي تكبدتها بوجود ما يزيد عن مليون و70 ألف لاجئ سوري، فاق عددهم ربع سكان لبنان، حسب أرقام مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ورغم أن أغلبهم يعيشون أوضاعًا صعبة داخل المخيمات إلا أنها، بالنسبة لهم، أفضل حالًا من العودة إلى مناطقهم المتنازع عليها والتي يدخل “حزب الله” اللبناني طرفًا رئيسيًا فيها.
وأغلق الجيش اللبناني من جهة، وجيش النظام السوري و”حزب الله” من جهة أخرى، ملف القلمون الغربي، الشهر الماضي، بعد معارك عدة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، أفضت إلى اتفاقيات بنقل عناصره إلى البوكمال على الحدود السورية العراقية، وبسط “حزب الله” سيطرته على منطقة القلمون التي ينحدر منها غالبية اللاجئين السوريين في لبنان.
وربط بعض الناشطين الحقوقيين واللاجئين السوريين بين اتفاقيات القلمون وإيقاف برنامج الأغذية العالمي، كنوع من الضغط على اللاجئين للعودة إلى مناطقهم، خاصة أن وزير النازحين السوريين في لبنان، معين المرعبي، اقترح على المجتمع الدولي العمل لإيجاد حل للأزمة السورية وإنشاء مناطق آمنة وإعادة إعمار سوريا، بدل الاستمرار في التمويل الإغاثي والإنساني.
وأضاف، خلال لقائه مع وزير الهجرة البلجيكي، تيو فرانكلي، الأربعاء 6 أيلول، “نحن بحاجة للمزيد من الدعم لتوفير العودة الآمنة لجميع النازحين إلى ديارهم”.
وفي هذا الخصوص قالت اللاجئة السورية عالية محمد إن ضغطًا كبيرًا يتعرض له اللاجئون السوريون في لبنان للعودة إلى بلدهم، وأشارت إلى أن الأمم المتحدة عرضت على بعض السوريين، من مدينة حمص تحديدًا، أموالًا للعودة إلى مدينتهم، إلا أنهم مازالوا يرفضون لعدم شعورهم بالأمان.
ولغياب تعليق الأمم المتحدة على قرار إيقاف المساعدات الغذائية، يصعب التنبؤ فيما إذا كانت ستستأنف دعمها للاجئين السوريين في لبنان، فيما تسري التوقعات عن تسلّم منظمات إغاثية جديدة برنامج الدعم الغذائي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :